قدم الرئيس بوش في الأسبوع الماضي اعتذاراً نادراً بقوله "إن استعمال عبارات مثل "هيا أرني إياها" يبعث برسائل خاطئة" مضيفاً "أعتقد أنه قد يساء فهمها في العديد من مناطق العالم". حسناً فعلت سيدي الرئيس فقد أدركت أخيراً أن الفظ من الكلام قد يأتي بنتائج عكسية، لكن ماذا لو شاطرت قناعتك تلك مع سفيرك لدي الأممالمتحدة الذي لا يكف عن التلفظ بالعبارات القاسية والكلام الممجوج؟ وحتي قبل قدومه إلي الأممالمتحدة السنة الماضية ذاع صيت بولتون وطبقت شهرته الآفاق، لاسيما عندما نقل عنه قوله إنه لو دمرت عشرة طوابق من مبني الأممالمتحدة الكائن في نيويورك فإن أحداً لن يلحظ شيئاً. وفي مناسبة أخري شبه بولتون الأممالمتحدة بالشمس التي تدور في فلكها "أحجار" في إحالة إلي الدول الأعضاء في المنظمة الأممية. لذا لم يكن غريباً أن يرفض مجلس الشيوخ تثبيت بولتون كسفير لأمريكا لدي الأممالمتحدة، حيث وصفه السيناتور جورج فونوفيتش ب "المتغطرس" وبأنه "مثال حي للخصال التي علي الدبلوماسي أن يتجنبها". لكن بوش أصر علي تعيين بولتون متجاوزاً مجلس الشيوخ ومستغلاً عطلة الكونجرس لإرساله إلي الأممالمتحدة. وما أن وطئت رجل بولتون مقر المنظمة في نيويورك حتي عمل علي نسف المفاوضات التحضيرية لاجتماع رؤساء الدول، مصراً علي ضرورة موافقة جميع الأعضاء علي مئات التعديلات التي أدخلها علي وثيقة القمة. ولو أن بولتون اختار إحدي القضايا الشائكة والمثيرة للجدل علي الصعيد العالمي لكان موقفه مفهوماً، لكن إصرار بولتون علي تغيير الوثيقة كان نابعاً من رغبته في إقصاء أية إشارة للأهداف الإنمائية للألفية الجديدة التي أقرتها الأممالمتحدة والرامية إلي القضاء علي الفقر في العالم، وهي أهداف علي كل حال سلمية وذات معانٍ نبيلة. وبعد أسبوع من الشد والجذب في أروقة الأممالمتحدة تدخلت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لتوضح أن الولاياتالمتحدة لا تعارض الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة. وعندما انعقدت القمة كان علي بوش نفسه أن يوضح في خطابه الذي ألقاه أمام العالم أن بلاده تؤيد أهداف الألفية التي تنكر لها سفيره وتسعي إلي تطبيقها. بولتون نحج أيضاً في فرض أجندته الخاصة عندما طرح شروطه المجحفة لإصلاح الأممالمتحدة. فرغم النقاشات التي كانت جارية علي قدم وساق لاستحداث مجلس جديد لحقوق الإنسان يحظي بمصداقية أكبر، فضل بولتون تجاهل أكثر من ثلاثين جلسة عقدت لتدارس الموضوع ليعلن في الأخير رفضه للوثيقة التي خرج بها المجتمعون، معتبراً أنها وثيقة غير مقبولة، ومخلفاً استياءً كبيراً في أوساط حلفاء أمريكا الذين لم يفهموا لماذا لم يعبر بولتون عن تحفظه أثناء الاجتماعات السابقة؟ وتابع بولتون إساءاته المتعددة عندما تطرق إلي موضوع الإصلاح الإداري للمنظمة الأممية متسبباً في أزمة حقيقية، حيث استبق جهود الإصلاح، وحذر الدول الأعضاء من أنه في حال إصرارها علي معارضة الإصلاحات فإن الدول الغنية ستتوقف عن دفع مستحقاتها المالية للأمم المتحدة. ومع اقتراب الموعد المحدد لانتهاء مهلة الموافقة علي الإصلاحات في متمم الشهر الجاري، يتساءل المسئولون كيف سيتصرفون إذا ما توقفت الأموال عن الوصول إلي المنظمة. وعكس ما كان متوقعاً لم تسهم تهديدات بولتون بقطع المستحقات المالية عن الأممالمتحدة سوي في تسميم الأجواء بين أعضاء المنظمة، لاسيما الدول النامية التي بدأت تنظر إلي الإصلاحات المطروحة كمؤامرة أميركية لإضعاف الأممالمتحدة، وتشكيلها وفقاً لمصالحها. وإذا ما استمر بولتون في تهديده ستكون الولاياتالمتحدة الخاسر الأول، إذ لن يتعاطف أحد مع أمريكا إذا قررت التخلي عن تمويل مسئولي الأممالمتحدة لدعم جهود حفظ السلام في دارفور. وفي الأسبوع الماضي صرح نائب الأمين العام للأمم المتحدة "مارك مالوتش براون"، وهو بريطاني مساند لأمريكا بعدما طفح به الكيل من تصرفات بولتون بأنه يجدر بالولاياتالمتحدة أن تجدد تعاونها مع الأممالمتحدة لسبب بسيط هو أن هذه الأخيرة تخدم المصالح الأمريكية بدءاً من نشر قوات حفظ السلام، وليس انتهاء بالإشراف علي الانتخابات في العراق