ليس مرجحاً انفراج الأزمة النووية الإيرانية الحالية، قبل أن تدخل كل من واشنطنوطهران في مفاوضات شاملة لكافة القضايا العالقة التي فصلت بينهما منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979. ولكن هل يحدث هذا فعلياً؟ لقد اتخذت خطوات مترددة حذرة في هذا الشأن، بيد أن النتيجة النهائية لا تزال مجهولة بعد. وخلال الأيام القليلة المقبلة، يتوقع أن يطير خافيير سولانا، مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلي طهران لتقديم حزمة من الحوافز للقيادة الإيرانية مقابل وضع حد لأنشطتها وبرامجها النووية. وكان قد جري الاتفاق علي هذه الحوافز خلال اجتماع عاصف عقد في العاصمة النمساوية فيينا الأسبوع الماضي، وبحضور ممثلين لست قوي دولية هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين. وقد تطلب إقرار هذا الاتفاق إجراء مساومات ومفاوضات صعبة ومضنية بين ممثلي الدول المذكورة. وتتوقع الست قوي المشاركة في التفاوض علي الصفقة المقترحة، تلقي الرد الإيراني خلال أسابيع من عرضها عليها. ولكن السؤال: ماذا لو رفضت طهران؟ ولابد من إثارة هذا السؤال بالنظر إلي التصريحات المسبقة المنسوبة لكل من الرئيس محمود أحمدي نجاد ووزير خارجيته منوشهر متكي، المتمسكة برفض أي مساومة علي ما وصفاه ب "الحقوق النووية الطبيعية" لإيران. وإذا ما حدث هذا، فستصبح القوي الست المتفاوضة علي هذه الصفقة في حيرة من أمرها ومن تحديد الخطوة التالية في التصدي لإيران. فخلافاً للولايات المتحدةالأمريكية وحلفائها الأوروبيين، تبدي روسيا والصين معارضة ثابتة لأية محادثات دولية ذات صلة بفرض عقوبات علي طهران في هذه المرحلة من مراحل أزمتها النووية. والحجة التي تثيرها هاتان الدولتان في وجه واشنطن وحلفائها، هي أن فرض العقوبات، إنما هو إجراء يخص مجلس الأمن الدولي وحده ولا أحد سواه. أما العمل العسكري، فليس في مقدور أحد مجرد التفكير فيه، بما في ذلك الولاياتالمتحدة نفسها. وفيما يبدو فإن الهدف الحالي الذي تسعي الولاياتالمتحدة لتحقيقه هو استمرار التفاوض مع طهران في حد أدني معقول، بغية إقناع مسئوليها بوقف أنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي. ومن جانبها استبعدت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية مؤخراً أية طموحات تزيد علي هذا الحد، مثل حدوث "مساومة كبيرة" بين بلادها وإيران، حتي وإن كان ذلك في حدود استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. والواضح أن رايس تدرك مجمل المصاعب والعقبات التي تعترض طريق التفاوض الواسع بين البلدين علي عقد صفقة صلح أمريكي إيراني. وليس أقل هذه العقبات، هيمنة المتشددين علي مقاليد الحكم في طهران، مع العلم بأنهم ينظرون إلي أية صفقة كهذه، علي أنها هزيمة نكراء لبلادهم. وهناك المتشددون أيضاً في الجانب الأمريكي. وهؤلاء يمثلهم "المحافظون الجدد" الموالون لإسرائيل، وبعض الشخصيات القوية النافذة من أمثال نائب الرئيس ديك تشيني. وفي قناعة هؤلاء ألا طائل من التفاوض مع طهران أصلاً. أما هدفهم فهو عزل طهران دولياً وإسقاط نظامها المتشدد، لا احتضانه. كما أنهم يهدفون إلي تدمير البرنامج النووي الإيراني ووأده في مهده، ضماناً لاحتكار إسرائيل وحدها لأسلحة الدمار الشامل إقليمياً. وخوف هؤلاء أن يسفر التفاوض مع إيران عن مساومات وتنازلات من كلا الطرفين، مما يسمح للنظام الإيراني الحاكم بالاستمرار وتعزيز شوكته ونفوذه. ويحتج ممثلو هذا التيار، بأن مجرد السماح لإيران بأية أنشطة نووية حتي وإن كانت في حدود إجراء التجارب المعملية يمهد الطريق أمامها لتطوير الخبرات والمعرفة التكنولوجية المفضية لإنتاج أسلحتها النووية في نهاية المطاف. وفي ذلك تحدٍّ عظيم للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية علي المنطقة. أما خوف المتشددين الإيرانيين من التفاوض بمن فيهم الرئيس محمود أحمدي نجاد فيتلخص فيما قد يفتحه تحسين العلاقات مع واشنطن، من باب لرياح السخط الشعبي الداخلي المحتقن الموالي لأمريكا، التي ربما تعصف في نهاية الأمر بالنظام الثيوقراطي الحاكم برمته.