هل نحن أمام انفجار كبير في جنوب لبنان جري تداركه هذه المرة بنجاح، وقد بدت ملامح هذا الانفجار المحتمل من خلال ما حدث يوم الأحد الماضي..انفجار قد يعيد الجنوب ومعه لبنان إلي الأوضاع التي كانت قائمة قبل عام 1982، وذلك بعد ست سنوات من خروج الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب وعشر سنوات علي إنجاز تفاهم نيسان الذي لعب دوراً أساسياً في انهاء الاحتلال في الجنوب واستمر كوسيلة فعالة في إدارة الهدوء في فترة ما بعد الاحتلال. .هل ما حدث يوم الأحد الماضي يكشف علي نهاية حقبة تفاهم نيسان ودخول أو بالأحري إدخال عناصر جديدة إلي "لعبة" ؟وبالتالي محاولة إحداث قواعد جديدة للصراع عبر الجنوب من خلال إعادة أقلمة الموقع اللبناني في هذا الصراع ضمن ما يبدو أنه نوع من التقاسم الوظيفي اللبناني الفلسطيني المطلوب. كل ذلك يحدث وقد يستقر بسبب التغييرات الكبيرة التي طالت العلاقات بين الأطراف الضامنة لتفاهم نيسان والمشاركة فيه وهي واشنطن وباريس ودمشق وبسبب تغيير أوزان أدوار هذه الأطراف واتجاهاتها ودخول أطراف جديدة بشكل مباشر وقوي في اللعبة. جملة من المؤشرات في البيئة الإقليمية للبنان الشديد التأثر دائماً بالتطورات الصراعية لتلك البيئة بسبب ضعف المناعة الوطنية والمقصود بها تحديداً في هذا الإطار غياب التفاهم حول مفهوم منطق الدولة وحول أولوية مصلحة الدولة ووضعها فوق كل اعتبار آخر فيما يتعلق بمسائل الأمن الوطني الكبري . جملة من المؤشرات تدفع لطرح هذين السؤالين الحاملين لمخاطر عودة لبنان إلي وظيفتيه الكارثيتين السابقتين كصندوق بريد وساحة مواجهة بالواسطة في صراعات ونزاعات المنطقة ضمن التداخل الإقليمي والدولي، وذلك في لحظة اشتداد هذه الصراعات وازدياد تعقيداتها. أولاً، التغير الذي حصل عند العنصر الإقليمي الأساسي في لبنان من حيث التوازن الداخلي بين طرفيه الإيراني والسوري لمصلحة الأول لبنانياً وإقليمياً في لحظة رفع السقف السياسي الاستراتيجي لإيران مقارنة مع التسعينيات وهي تعيش حالة راديكالية وصدامية قصوي مع واشنطن. ثانياً:الترابط والتداخل المتزايد بين الأزمات المتفجرة في المنطقة من الخليج إلي البحر المتوسط، الوضع الذي يعزز من الوظيفة الأزموية للجنوب بصفته نقطة تماس أساسية في هذه المواجهة. ثالثاً،:حالة الضياع والفوضي السياسية الفلسطينية بسبب التغييرات الحاصلة علي الساحة الفلسطينية وانسداد الأفق التسووي ومخاطر غرق فلسطين في حرب أهلية وأيضاً احتمال عودة الصراع مع إسرائيل إلي المربع الأول كلها عناصر تشكل بيئة جاذبة وجذابة لتحريك "المسرح الجنوبي اللبناني". رابعاً، يساهم ذلك في إعادة إدخال الأطراف "الفلسطينية الإقليمية" بقوة في لبنان لإحلال مزيد من الإرباك والتوتر علي "الساحة اللبنانية" يكون بمثابة رسائل دعوة للتفاوض حولها. خامساً، تحول إسرائيل بسبب المناخ السياسي الداخلي فيها والمناخ الدولي المشجع نحو مزيد من السياسة العدوانية العسكرية والخوف بالمقابل من سياسة الانجرار إلي تلقائية الرد وإلي معارك قد تكون مكلفة للبنان علي كافة الأصعدة دون أن يعني ذلك التخلي عن حق الرد ضمن مفهوم توازن الردع. سادساً، التصريحات المتناقضة والمتضاربة من الأطراف القديمة الجديدة العائدة إلي المسرح الجنوبي تحمل رسالة واضحة حول هذه العودة وغموض التصريحات قد يهدف لرصد ردود الفعل الأولية علي هذه العودة وللإعلان عن بداياتها أياً كانت الإحراجات التي ستثيرها لحلفائها الاستراتيجيين في لبنان، فالصواريخ المجهولة المصدر حاملة لرسالة معروفة الهوية الاستراتيجية..مفارقة مثيرة تلقي بثقلها في خضم هذه التطورات مفادها أنه في الوقت الذي يجري فيه الحوار اللبناني من أجل تحديد واضح لسقف الأهداف اللبنانية للمقاومة بحيث تنتقل المقاومة بعد تحقيق هذه الأهداف من وضعها الحالي إلي وضع مختلف في موقعها في إطار توحيد كلي للقرار اللبناني والتخلص من الثنائية الحاصلة علي الأرض أياً كان عنوانها التنسيقي.. الذي أسسه تفاهم نيسان والتمسك بهذا الأخير مع أخذ المستجدات الحاصلة بعين الاعتبار، بغية تجميد الوضع خاصة بعد التحرير وحماية الجنوب من الاعتداءات وتوفير الحد الأدني من الاستقرار المطلوب لتأمين الحياة الطبيعية في لبنان إلي حين استكمال الأهداف اللبنانية للمقاومة؟ ام نحن أمام محاولة جديدة لدمج الإقليمي باللبناني والعودة إلي صيغة معينة من "اتفاق القاهرة" بين طرفين غير رسميين هذه المرة فلسطيني ولبناني بغية إقامة توازن الإكراه. وليس توازن الردع، التوازن الذي يهدف لتحريك الوضع عبر الجنوب كلما استدعي الأمر ذلك لأسباب إقليمية بعد استكمال محاولة إدماج ناجح للبعد اللبناني في الإطار الصراعي الأشمل، هذا هو التحدي الأساسي الذي يواجه لبنان حالياً