بدا الطرف الإيراني خلال الأشهر الأخيرة مزهواً بنفسه، حيث أكثر الرئيس أحمدي نجاد من الظهور هنا وهناك، متحدثاً عن القضاء علي إسرائيل، ومعتقداً أنه يسيطر علي الأمور وفي موقع الهجوم. غير أن كل ذلك تغير عندما أعلنت كونداليزا رايس عن استعدادها لعقد محادثات مع إيران حول برنامجها النووي شريطة أن تعلق هذه الأخيرة برنامج تخصيب اليورانيوم أولاً. وكما أشار "روبرت كاجان" من مؤسسة "كارنيجي إينداومنت"، فقد تمكنت الولاياتالمتحدة في لحظة خاطفة من أخذ المبادرة ووضع نفسها علي واجهة الأحداث، منتزعة بذلك المبادرة من الرئيسين أحمدي نجاد وفلاديمير بوتين ومتسببة في مجموعة من المشاكل بالنسبة لطهران. فقد قامت رايس بإعطاء انطلاقة سلسلة من الأحداث التي يمكنها أن تفضي إلي اتخاذ الأممالمتحدة قراراً بفرض عقوبات علي إيران في أجل قريب قد لا يتعدي شهر يوليو. ولذلك، فعلي الدبلوماسيين ذوي الصلة، الشروع في حجز غرف لهم بفنادق نيويورك منذ اليوم! والواقع أن بوادر هذا التغير في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إيران بدأت في أبريل المنصرم، بعد عودة رايس من زيارة إلي العاصمة العراقية بغداد، حيث قررت يومها أنه آن الأوان للقيام بشيء ما حيال الأزمة مع إيران، وذلك علي خلفية الفشل وانعدام الانسجام اللذين انتهت إليهما مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع إيران، علاوة علي وجود مؤشرات تفيد بأن طهران تسابق الزمن لإنهاء برنامجها النووي. وكان واضحاً أن إيران كانت بصدد الفوز في مساعيها. غير أن رايس قررت حلحلة الأمور بعض الشيء، وأخذ عصا البلياردو، حسب استعارة مسئول رفيع المستوي في الإدارة الأمريكية، وضرب جميع كرات الطاولة بقوة، وبالتالي إفساح المجال أمام مناورات مقبلة. والواقع أن هذه الخطوة تمثل في حد ذاتها مناورة كبيرة، ذلك أن قرار رايس استعادة زمام المبادرة يترجم مراهنتها في المقام الأول علي قدرتها علي التعاطي مع إيران. وهكذا، اتفق الرئيس بوش ورايس بسرعة علي خطة عمل تضع حداً لوقوف واشنطن موقف المتفرج، ولكنها في الوقت نفسه لا تقضي بقصف إيران، حيث قررا تسريع العملية الدبلوماسية. وإذا كانا قد قاما بذلك، فهما لا يتوقعان أن إيران ستوافق في نهاية هذه المفاوضات علي التخلي عن برنامجها النووي، ذلك أنه لا وجود للمتفائلين في هذه الإدارة بشأن آفاق الدبلوماسية (وإن كانت ثمة درجات متفاوتة من التشاؤم). وبدلاً من ذلك، توصل بوش ورايس إلي أنه من الضروري استنفاد البدائل الدبلوماسية بهدف جعل العقوبات الدولية أمراً ممكناً لاحقاً. وبالتالي، يمكن القول إن الولاياتالمتحدة اختارت هذا النهج من باب رفع العتب فقط. وهكذا، أخبر بوش ورايس حلفاءهما الأوروبيين والصينيين أنهما مستعدان لعقد محادثات مع إيران علي أن تتم في إطار جماعي، وشريطة تعليق الإيرانيين لبرنامج التخصيب، والتزام الأوروبيين بهذا الشرط، وموافقة الأوروبيين والروس والصينيين كتابة علي لائحة عقوبات يتم فرضها علي إيران في حال لم تثمر المفاوضات. والحقيقة أن التوصل إلي اتفاق بشأن هذه الأمور ليس بالمسألة البسيطة، وخصوصاً أن ثمة من يتساءل عما إن كان باستطاعة الولاياتالمتحدة إقناع الأوروبيين بالموافقة علي عقوبات أشد وأكثر صرامة. كما اتفق الحلفاء علي أنه في حال باءت الجهود الدبلوماسية بالفشل، فإنهم سيعملون جميعاً علي عزل البنوك الإيرانية عن النظام المصرفي العالمي، ومنع وصول إيران إلي احتياطي العملات، غير أنه لم ترد أية إشارة إلي حظر نفطي أو غازي محتمل. وفي هذا الإطار، أشار دنيس روس، مبعوث كلينتون السابق إلي الشرق الأوسط، والذي يؤيد نهج الإدارة الحالي تجاه إيران، إلي أن طهران لن تعيد النظر في سياستها اللهم إلا إذا اقتنعت بأن الولاياتالمتحدة عاقدة العزم علي منع إيران من صنع القنبلة إلي درجة أنها مستعدة للتسبب في متاعب لنفسها. والحق أن ما تحقق الأسبوع الماضي من إنجازات أمر جدير بالتقدير، حيث وضع بوش ورايس سياسة متناغمة، وعملا علي انتظام الأوروبيين والروس والصينيين حول هذه السياسة. كما وضعا إيران في موقع الدفاع، وأرغما فصائل النظام المختلفة علي مناقشة أي نوع من الدول يريدونه لإيران. علاوة علي ذلك، فقد تم التخطيط لرفع الستار عن هذه السياسة الجديدة بكل عناية ودقة، فقد تحدثت إلي بعض الخبراء يوم الأربعاء، وبدا لي أن معظمهم قد انتهي للتو من الحديث عبر الهاتف مع مسئول (أو اثنين) من الإدارة الأمريكية. وقد أعرب معظمهم عن تأييدهم لما تحقق. والواقع أنه ما يزال من الصعب تصديق أن المجتمع الدولي يمكنه القيام بعمل ما سوية. (وهنا يجوز التساؤل: هل توصلت الولاياتالمتحدة والروس والصينيون فعلاً إلي اتفاق بشأن العقوبات، أم أنهم يخفون اختلافاتهم؟)، غير أن الكفاءة التي كشفت عنها الإدارة الأمريكية الحالية بخصوص الملف الإيراني تذكرني بجملة من الأمور الحسنة التي قامت بها خلال الأسابيع القليلة الماضية. (ومنها تعيين مايكل هايدن وهنري بولسون، علي سبيل المثال لا الحصر). وبالتالي، أعتقد أن الرئاسة الحالية ما زالت تنبض بالحياة