إذا كانت الانفجارات الإرهابية الثلاثة التي وقعت بمنتجع "دهب" بمحافظة جنوبسيناء ما بعد السابعة مساء الاثنين 24 أبريل في تتابع متزامن بثلاثة أماكن تجارية وسياحية متقاربة ليسقط معها ثلاثة وعشرون قتيلا، و62 مصابا معظمهم مصريون.. أجمع العالم حكاما وشعوبا علي أنه عمل إجرامي يستهدف بالدرجة الأولي زعزعة الاستقرار بمصر وضرب أحد روافده الاقتصادية المهمة ومصدرا رئيسيا للكثير من أبنائها.. ألا وهو السياحة الداخلية والأجنبية.. بالإضافة إلي النيل من الشهرة العالمية التي نالتها تلك المنطقة خاصة وقد ارتبطت ب "السلام" منذ عقد مؤتمر السلام الذي حضره الرئيس الأمريكي السابق كلينتون وزعماء ورؤساء لدول في العالم.. بنجاح كبير وكذا مؤتمرات ولقاءات دولية.. من بعده.. جسدت في وجدان العالم أن تلك المنطقة جزء من التاريخ.. كما أنها علي قمة المناطق السياحية العالمية. وإذ سارع كثير من المراقبين السياسيين.. والخبراء والإعلاميين.. بعد وقوع الحادث مباشرة بالإدلاء بآرائهم واجتهاداتهم حول كيفية وقوع الحادث.. ومرتكبيه.. وأبعاده.. بالإضافة إلي الأنباء التي تتابعت عن عدد الضحايا والمصابين وجنسياتهم.. إلا أنه يمكن من خلال تجميع واستقراء تلك الاجتهادات.. والتي تخرج حتي الآن عن دائرة المعلومات.. فإن تجميعها والاقتراب من أسبابها.. إلي جانب ما يتخذ من جهود أمنية وفنية في خط مواز لكشف أبعاد الحادث وضبط مرتكبيه.. قد يطرح محورين أحدهما استقر في وجدان غالبية المجتهدين علي إثر الحادث.. ويشكل جانب منه بعض الحقائق التالية: 1 تزامن تلك الاعتداءات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء خلال السنتين الماضيتين وحتي الحادث الأخير مع أعياد ومناسبات وطنية مهمة.. علي التوالي: احتفالات أعياد نصر أكتوبر (7 أكتوبر 2004) وقعت أحداث منتجعات طابا ونويبع بسيناء مقتل 24 شخصا من بينهم عدد من الإسرائيلييين وإصابة عدد آخر من السياح والمصريين. احتفالات ثورة 23 يوليو (23 يوليو 2005) وقعت أحداث منتجع شرم الشيخ (مقتل 70 شخصا وإصابة البعض من أجانب ومصريين في ثلاثة انفجارات متزامنة أيضا). احتفالات أعياد الربيع وذكري تحرير سيناء إذ وقع الحادث الأخير (مساء يوم الاثنين 24/4/2006) داخل سوق المبسط بمنتصف الممشي السياحي بمنطقة مجري السيل بمنتجع دهب بجنوبسيناء (23 قتيلا 62 مصابا حتي صباح 25/4/2006) وهو الموافق لاحتفالات ذكري تحرير سيناء. 2 قدمت نيابة أمن الدولة العليا عددا من المتهمين التي أسفرت الجهود الأمنية عن ضبطهم في تفجيرات طابا وشرم الشيخ للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بالإسماعيلية إلا أن هناك بعض المتهمين في الحادثتين مازالوا هاربين وكانت النيابة قد أحالتهم بقرار تكميلي لنفس المحاكمة.. ولكن غيابيا. 3 أنه علي الرغم من أن المؤشرات الأولي.. قد تجمع بداءة علي أن مرتكبي الحوادث الثلاثة من تنظيم أوجهة واحدة.. خاصة وقد أشارت الصحف إلي أن تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا أسفرت عن اعتراف المتهمين المضبوطين بأنهم يستهدفون ضرب المناطق السياحية بشبه جزيرة سيناء لوجود أعداد كبيرة من السائحين الإسرائيليين والأمريكيين خاصة في فترات الأعياد.. إلا أن جانبا آخر يعلق بالنسبة للحادث الأخير أن الأعياد والمناسبات جميعها مصرية.. وغالبية القتلي والمصابين في الحادث الأخير من المصريين. 4 أنه علي الرغم من أن الحوادث والتفجيرات حدد مرتكبوها والقائمون عليها.. مواقعها في شبه جزيرة سيناء.. كما لم يفرقوا بين جنسيات ضحاياهم.. وكان الجانب الأكبر من الضحايا في الأحداث الثلاثة من المواطنين المصريين.. هذا إلي جانب اختيارهم المناسبات الوطنية.. زمنا وتاريخا لتوجيه ضربتهم.. إلا أن أداة التنفيذ وإن اتفقت في موادها إلا أنها اختلفت في وسائلها وأسلوبها ما بين العمليات الانتحارية أو استخدام السيارات.. إلخ. 5 وإن تواتر في تحليلات وتعليقات بعض المراقبين عن توجه بين أبناء سيناء للانتقام من السلطة خاصة بعد الإجراءات الأمنية والتحفظية التي أتخذت مع بعضهم علي إثر أحداث طابا وشرم الشيخ.. إلا أن ما شوهد من ردود فعل لأهل سيناء المضارين في الحادث الأخير خاصة من أصحاب المحلات في اللقاءات التليفزيونية بعد الحادث.. يجسد مشهدا وطنيا لا يشكك في حرصهم علي أمن بلدهم واستقراره إلي جانب إدراكهم لردود الفعل السلبية علي مصادر التنمية الأساسية في سيناء من جراء تلك الأحداث.. ومردود ذلك عليهم وذويهم. 6 توجه البعض "لنظرية المؤامرة" خاصة تجاه إسرائيل وأن مرتكبي الحادث من عملائها بصرف النظر عن جنسياتهم.. مدللين علي ذلك: تحذير السلطات الإسرائيلية.. وشركات السياحة الإسرائيلية.. للإسرائيليين.. منذ شهر ونصف بعدم التوجه إلي شبه جزيرة سيناء خاصة في المناسبات والأعياد. عدم وجود مصابين إسرائيليين أو قتلي (وإن تردد أن اثنين كانت إصابتهما خفيفة وانصرفا فور علاجهما)، في الحادث الأخير بمنتجع دهب. الموقف المصري حاليا من الواقع الفلسطيني والإسرائيلي بعد تشكيل حركة "حماس" للحكومة. الاستشعار المصري في إطار من "التوجس العربي" أيضا بأن إسرائيل في ظل إيهود أولمرت رئيس حزب كاديما.. ورئيس وزرائها بعد أيام يؤكد بسياساته وخطواته.. خاصة بقراره لرسم الحدود الإسرائيلية.. والفلسطينية من جانب واحد والاستمرار في ضم جزء من الضفة الغربية لإسرائيل في إطار جدار التقسيم العنصري.. إلخ يجدد المنهاج العنصري الإسرائيلي.. الذي يجافي أي بناء جديد علي ما تم في مسيرة السلام مع الفلسطينيين بل ويعتمد علي المفهوم الذاتي ل "الأمن الإسرائيلي".. وهو ما قد ينال من الاستقرار والأمن في سيناء. أما علي الجانب الآخر.. فهناك بعض الأمور والموضوعات التي تضيف بعض المؤشرات.. بجانب كل اجتهادات تتواتر حتي الآن.. أو جهود مكثفة تبذلها الأجهزة الأمنية والمعنية.. ومن أبرزها: 1 ما نشرته بعض الصحف عن وكالات الأنباء ب "القدسالمحتلة" صبيحة يوم ارتكاب الحادث الثلاثاء (25/4/2006) أي أن وكالات الأنباء وزعت هذا التقرير في نفس يوم الحادث الذي وقع مساء (الاثنين 24/4/2006). يقول التقرير الأمني الإسرائيلي الذي سمح بنشره مؤخرا علي الرغم من أن درجة سريته (سري للغاية).. إنه يحذر من أن دولاً شرق أوسطية إسلامية تسعي لامتلاك السلاح النووي اقتداء بإيران وأنه في إطار تحديد إسرائيل للتهديدات الاستراتيجية الموجهة لها خلال العقد المقبل.. فإنها تري أنه بمقدور إيران إشعال منطقة الشرق الأوسط بأسرها وأنها تشكل تهديدا لوجود إسرائيل. يضيف التقرير أن اللجنة التي رأسها وزير المالية السابق دان ميرودور بتكليف من شارون.. حددت عشرة توجهات أمنية لإسرائيل خلال السنوات العشر القادمة.. لمواجهة ذلك.. سمحت وزارة الأمن الإسرائيلية بنشر أربعة منها فقط هي: التشديد علي ضرورة مواصلة إسرائيل لسياستها بفرض غموض حول قوتها النووية. أوصي التقرير بأن (للأردن أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل مما يجب معه مساعدته علي الاستقرار). تحويل مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إلي "هيئة أركان مركزية" للحكومة. علي الجيش الإسرائيلي الاعتماد علي أسلحته عن بعد وأجهزة استخباراته بدلا من تحركات القوات ولا سيما لمواجهة مخاطر هجمات بأسلحة غير تقليدية ومخاطر إرهابية. وإن إسرائيل تواجه تهديدا رئيسيا وهو الإرهاب!! ومن هنا نتساءل: هل هناك ارتباط بين صدور ونشر هذا التقرير الأمني "السري للغاية" في نفس يوم الحادث الأخير بمنتجع "دهب" أم لا يوجد أي ارتباط؟! 2 لعل الوقت مناسبا الآن لمراجعة الخطة القومية لتنمية سيناء.. والتي تشارك فيها عدة وزارات مهمة.. حتي تصل وتمتد التنمية بمفهومها الشامل وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلي جميع أنحاء سيناء الشمالية والجنوبية. ويذكر أن دهب التي تبلغ كمنتجع 1130 كيلو مترا مربعا ولها شهرتها السياحية.. مما يتوقع معه خبراء السياحة أنها شرم الشيخ الجديدة فقد بلغ حجم استثماراتها كما أعلن العام الماضي 2.9 مليار جنيه في المجال السياحي. ومن هنا إذا كانت شبه جزيرة سيناء بكل مدنها وقراها ووديانها.. وأهلها خططت لها الدولة خطة قومية.. تنميتها.. فقد يكون مراجعتها حاليا وتنفيذها في جميع المجالات.. خطوة مهمة لمكافحة الإرهاب.. فالتنمية الشاملة بمكوناتها البشرية وعواملها المادية.. هي إحدي ركائز الأمن القومي والاستقرار. 3 والآن.. ألا يجذب اهتماما أن الأحداث الإرهابية بمنتجع دهب الأخيرة.. قد وقعت بعد الأحداث الطائفية بالإسكندرية.. لتجدد في وجداننا جميعا كمصريين.. أن كلاهما سلسلة في مؤامرة هدفها واحد.. تخريب استقرار واقتصاد وكيان مصرنا جميعا.. التي لابد أن نحميها ونحرص علي استقرارها.. ونفطن جميعا للمؤامرات التي تحاك من داخلها وخارجها. أليس التوقيت وتتابع الحوادث والكوارث.. يحمل علي الجانب الآخر إحساسا واستشعارا بأن تتشابك أيادي وأفئدة كل المصريين لنقول معا: "إن الفتنة والإرهاب وجهان لعملة واحدة" فلابد من وئدهما.