في تعليق له بثته القناة الرابعة هذا الأسبوع وصف مراسلها في واشنطن جوناثان روجمان الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز بأنه "مهدد بالانضمام إلي صالة عرض المارقين الآبقين من طغاة ومستبدين، فهو أحدث كوابيس واشنطن في أمريكا اللاتينية". ولم يأل تقرير روجمان جهدا، بل انهال بالافتراءات علي شافيز دونما رأفة، ووصمه بأنه تهديد استبدادي، مشيرا بذلك الي ما اسماه ب "طقوس تأليه الذات وتقديس الشخص" والي مصانع تدار علي "النمط السوفييتي الجماعي الملكية". وطرح روجمان سؤاله التالي: هل يمضي شافيز علي الطريق ليصبح ديكتاتورا؟ إنه ليس بصدام حسين، إلا أن ما يحدث هنا يبدو مألوفا علي نحو غريب. فثمة رجل قوي نفخ فيه شيطان الثراء النفطي واستكبر وراح يتحدي الولاياتالمتحدة، ثم ما لبث أن سخر ثروة النفط لإعادة تجديد ترسانة أسلحته ولتعزيز قوته. وكان الصحفي جون بيلجر قد بعث برسالة إلي برنامج أخبار القناة الرابعة يشتكي فيها من التقرير ويقول: "لقد التحق التقرير بذلك الضرب من الهستيريا والهوس في الولاياتالمتحدة، ناهجا أجندة إدارة بوش في "تصنيف" فنزويلا باعتبارها "دولة مارقة" وخطرا يهدد مصالح الولاياتالمتحدة، أو بعبارة أخري لا بد من تمهيد السبيل لشن الهجوم، فإذا حدث الهجوم فإن روجمان وأمثاله يتحملون مسئولية هذا أو شطرا منه". وفي الحقيقة فإن الهستيريا تعربد في أمريكا وتصول وتجول، فقد اكتشفت "مؤسسة الدقة والانصاف" في كتابة التقارير الصحفية، وهي مؤسسة أمريكية ترصد أداء الإعلام ان 95% من نحو مائة تعليق صحفي أمريكي يغطي السياسة الفنزويلية خلال الشهور الستة الأولي من عام 2005، قد عبرت بجلاء لا لبس فيه عن عداوة تكنها لشافيز. فها هي "الوول ستريت جورنال" تنعت شافيز ب "الطاغية" وتصنفه بأنه "الرجل القوي"، وتزعم أنه هو الذي تولي تقويض الديمقراطية في فنزويلا. وأما صحيفة "لوس انجلوس تايمز" فقد وصمت شافيز بأنه "ديكتاتور في طور التخلق والنشوء" وراحت تزعم انه ضالع في "تكتيكات غير ديمقراطية". ومع ذلك فإن الحكومة الفنزويلية وبرنامجها في التغيير حظيت بمباركة جمهرة الناخبين في فنزويلا، وأقرت نهجها ومنحته الثقة سبع دورات انتخابية مستقلة حرة واستفتاءات شعبية. فشافيز، الذي انتخب أول مرة في عام 1998، شن حملات ضخمة واسعة النطاق وصفت بأنها "بعثات بوليفية" مفعمة بروح الثورة (إذ شبهوه بالثائر الفنزويلي سيمون بوليفار)، ليقارع المرض ويكافح الأمية ويحارب الفقر وسوء التغذية وغيرها من العلل الاجتماعية والأسقام. وبعد توليه المنصب بسنة ونصف السنة في بلد يبلغ تعداد سكانه 25 مليون نسمة، نجح شافيز في تحرير قرابة مليون ونصف المليون إنسان من ربقة الأمية فتعلموا القراءة والكتابة، كما التحق 3 ملايين شخص حرموا سابقا من فرصة التعليم لضيق ذات اليد بسلك نظام التعليم. ويتاح حاليا لنحو 70% من السكان الاستفادة من نظام الرعاية الصحية، في حين يحظي نحو 45% من الأهالي بالطعام المدعوم من الحكومة. وتجادل الاستاذة جوليا باكستون، الخبيرة البريطانية المتخصصة في الشئون الفنزويلية بأن حكومة شافيز: "جلبت الفئات التي كانت مهمشة من المواطنين في فنزويلا والناس الذين عانوا طويلا من الإقصاء الاجتماعي وأتت بهم الي العملية السياسية ودمجتهم في صلب السلطة التي أسبغت عليها طبيعة ديمقراطية". ولكن المساعي الثورية لاجتثاث الفقر والمحاولات الجذرية الجادة الرامية لانتشال المعدمين من معاناتهم الأبدية من ثالوث الفقر والجهل والمرض، والارتفاع بمستوي معيشة فقراء أمريكا اللاتينية، لا تروق للنخب الأمريكية ولا ترحب بها، بل تنظر إليها شذرا وتناصبها العداء. ويصر شافيز علي اتهام أمريكا بأنها تخطط لغزو بلاده، ويجادل المفكر نعوم تشومسكي بأن هذا ربما يكون قد حدث فعلا، مع أن الولاياتالمتحدة تحصد في العراق الحصاد المر، حيث تمخض الغزو عن وضع كارثي بكل المقاييس. ولا شك أن لونا ما من ألوان العمل العسكري يمثل خيارا يمكن أن يأخذ الغرب به. ففي أبريل من عام 2002 أوردت صحيفة "الجارديان" تقريرا عن تورط الولاياتالمتحدة في انقلاب أزاح شافيز مؤقتا عن السلطة أوائل ذلك الشهر. توحي الوثائق التي أفرج عنها أخيرا بأن خيار الإطاحة بزعماء اليسار قد جري بحثه وتدبره في بلد أوثق صلة بأمريكا وأشد حميمية من فنزويلا. قضي هارولد ويلسون ثمانية أعوام رئيسا لوزراء بريطانيا قبل تقديم استقالته المباغتة في مارس من عام 1976، وتؤكد أدلة جديدة بثتها هيئة ال "بي بي سي" البريطانية في مارس المنصرم ان ويلسون كان ولأمد طويل ضحية حملة غير مشروعة تحالف فيها العسكر ورجال الاقتصاد والأعمال الذين تضافرت مصالحهم مع المصالح الأمنية الخاصة. وقد عززت سياسات ويلسون اليسارية النكهة قوي الاتحادات العمالية ورفعت الضرائب ووضعت بعض الضوابط علي الاقتصاد وحاولت الحد من الحرية الكبيرة للشركات، فاكفهر وجه النخب البريطانية وتوجست من هذه التوجهات ورأت فيها تهديدا لا يمكن احتماله. وطالب زعماء الشركات الكبري بقيام حكومة وطنية يقودها رجال الأعمال. ووعد السير فال دونكان، رئيس شركة "ريو تينتو زينك" القطاع الصناعي مبشرا فقال: "عندما تحل الفوضي فسوف نؤمن عددا كبيرا من المولدات الأساسية للحفاظ علي استمرار الطاقة الكهربائية والحيلولة دون انقطاعها.. ومن ثم سيقوم الجيش بعدها بالدور المناسب". وكما الشأن مع شافيز، انطوي شطر رئيسي من التخطيط ضد ويلسون علي تسخير آلة الدعاية السوداء وشن حملة تلطيخ للسمعة تنهشه وتشوه صورته، فقد أقدم رجال جهاز الاستخبارات البريطانية (إم أي فايف) علي السطو علي منازل مساعدي رئيس الوزراء، وتجسسوا علي هواتفهم وتنصتوا علي مكالماتهم ونشروا سيلا من الافتراءات التي تنال من ويلسون وتقوض صيته وأتخموا وسائل الإعلام بهذه الأكاذيب ولم يتركوا منبرا إلا اعتلوه لبث دعايتهم المغرضة السوداء. فإذا كان القوم لم يفكروا فحسب بالقيام بانقلاب عسكري بل خططوا وقاموا ببروفات تجريبية للإقدام علي هذا العمل، وأين؟ في بريطانيا، فلا غرو في أن نوقن بأنه ليس ثمة من روادع علي الاطلاق ولا كوابح في التعامل مع أي خطر يلوح ويهدد أرباح الشركات في بلد مثل فنزويلا.