ترددت كثيراً قبل أن اشرع في الكتابة حول هذا الموضوع مرة أخري خصوصاً بعد الأحداث المؤسفة التي حدثت يوم السبت 1/4/ 2006 و التي أصابتني بشلل فكري مؤقت من هول ما أصابني من خيبة أمل في جيل قيادة وفد الحاضر- ولكن إيماناً بأن العمل السياسي لا يعترف بمفهوم اليأس بل أن أهم صفة يجب أن يتحلي بها رافعو راية الإصلاح هي صفة الأمل _ و علي هذا الأساس و بعد أن مرت فترة الصدمة و الحزن من جراء هذه الأحداث التي أصابت شظاياها كل وفدي و التي لا أُحمل غير قيادات وفد الحاضر أسبابها رغم وجود شواهد تؤكد تورط اطراف أخري. علينا أن نسأل أنفسنا كيف يستعيد الوفد سُمعته التي فقدت الكثير - و الأمانة تقتضي الاعتراف بأن هذا الفقد ليس وليد اللحظة الحالية بل هو نتاج فترة ليست بالقصيرة. و كان هذا القلم أول من اعترض ومارس نقداً ذاتياً علنياً لسياسة الحزب و طرح ضرورة تفعيل حركة التغيير والأصلاح علي صفحات جريدة نهضة مصر بتاريخ 20/8 - 11/9- 18/9 -30/9 -3/10- 4/12 /2005 لسياسة الحزب و ادارته . إن واقع "وفد الحاضر" تتحمله إدارة الوفد مجتمعة وان كان للدكتور نعمان النصيب الأكبر، ان الشارع السياسي ينتظر من رجال الوفد نموذجاً يُحتذي لسيناريو الإصلاح و التغيير، لذا أري أن ممارسة النقد الذاتي و تشخيص العلل و الأمراض داخل الوفد أصبحت ضرورة حتي يستعيد سُمعته و توازنه و استقراره، إن التغيير المطلوب ليس فقط تغيير أشخاص بل تغيير آراء و سياسات مع ضرورة وضع رؤي مستقبلية تعيد الحزب مرة أخري للشارع السياسي في شكل و مضمون جديدين. ما حدث في حزب الوفد ليس بالشيء الغريب علي مجتمع فقد الكثير من تسامحه ومبادئه وقيمه في السنوات الأخيرة. لقد فقد المجتمع المصري النموذج الذي يحتذي في تداول السلطة وتحمل المسئولية أمام الرأي العام. أن بقاء القيادات السياسية في السلطة لفترات تجاوزت في بعض الأحيان الربع قرن أعطت رجال العمل العام الاجتماعي و السياسي الدافع للتشبث بالمناصب والمواقع و الوقوف أمام عجلة التغيير و التداول السلمي للسلطة و المواقع. ووصل مدي انتشار هذه الثقافة إلي إعلان رئيس أحد الأندية أنه سوف يحكم النادي الي الأبد . من ناحية أخري و في نفس توقيت الأزمة الوفدية جاءت نتائج انتخابات الكنيست السابعة عشرة علي النحو التالي: حزب كاديما هو الحزب الفائز وحصل علي 28 مقعدا "حزب العمل وحصل علي 20 مقعدا" حزب شاس الديني الشرقي وحصل علي 13 مقعدا "حزب إسرائيل بيتنا اليميني و حصل علي 12 مقعداً" حزب الليكود و حصل علي 11 مقعدا. وحصلت الأحزاب العربية مجتمعة علي (10 مقاعد) التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة الدكتور عزمي بشارة علي 3 مقاعد وكذلك حصلت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة علي 3 مقاعد وحصلت القائمة الموحدة المؤلفة من ثلاثة احزاب، علي 4 مقاعد وحصل تحالف "الوحدة القومية _ المفدال" اليميني المتطرف علي 9 مقاعد فيما حافظ حزب يهدوت هتوراة الديني المتشدد علي قوته وحصل علي 6 مقاعد. وكان حزب المتقاعدين مفاجأة الانتخابات بحصوله علي 7 مقاعد.وحصل حزب ميرتس علي 4 مقاعد. وبلغت نسبة التصويت 63.2% وهي أقل ب4.5% عن نسبة التصويت في الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2003. اما عن الدروس المستفادة أولاً : أن يترك شارون حزب الليكود و هو أحد المؤسسين و يكون حزباً جديداً يكتسب مشروعية من الجهات الإدارية خلال عدة أيام يحمل اسم "كاديما" دون أي معوقات سياسية أو ادارية و في نفس الوقت دون أن يُرمي شارون بعدم الولاء و الانشقاق و الخيانة الحزبية . ثانياً : أن يسارع العديد من الشخصيات السياسية الي الانضمام للحزب ...... الحزب الذي يرفع شعار ضرورة رسم حدود للدولة الإسرائيلية و أن هذا سوف يتطلب الانسحاب من مساحات من أراضي الضفة الغربية و قد أكد أولمرت أيضا علي هذا بعزمه تطبيق خطة انسحاب منفردة من الضفة الغربية مع الاحتفاظ بالسيطرة علي التكتلات الاستيطانية الكبري وترسيم حدود نهائية لإسرائيل عام 2010 . ثالثاً : إن فوز هذا الحزب ب 28 مقعداً يعد مؤشراً قوياً الي حيوية الشارع السياسي الإسرائيلي و رغبته و قدرته في التوصل الي حلول و تسويه سياسية للقضية و تقديرهم أن الحل العسكري لن يؤدي الي إنهاء القضية. رابعاً : أن صعود حزب العمل في المركز الثاني و تأخر الليكود الي المركز الخامس يؤكد علي قدرة الشارع السياسي علي إحداث التغيير و رغبته في التسوية السياسية. خامساً : تظل الأحزاب الدينية في الشارع السياسي الإسرائيلي كما في غيرها من الشواع السياسية صاحبة القدرة الأكبر علي تجنيد أعضائها أثناء ساعات الاقتراع _ و في المقابل تأتي الأحزاب العلمانية في المرتبة الأخيرة. سادساً : أن الأحزاب السياسية تحركها المباديء و التوجهات و الرؤي السياسية و ليس بالدرجة الأولي الأشخاص و الرموز السياسية _ فرغم غياب شارون فقد حقق الحزب الوليد فوزاً و نجاحاً يحترم. سابعاً : أن تصل نسبة التصويت السلبي الي أكثر من 30% فهي مؤشر أيضا الي رفض الشارع السياسي لقوي الواقع السياسي و بالتالي رغبتها في تغيير الخريطة السياسية "التصويت السلبي يعني في مجال التطبيق أن توضع في بطاقة الاقتراع خانة تعبر عن رفض الناخب لكل الخيارات المتاحة" تتبقي لي كلمة للحزب الحاكم و أمانة سياساته و هي أن الحياة الحزبية في مصر في حاجة شديدة للمراجعة خصوصاً في ظل الاحتقان الشديد و المتصاعد في دوائر عديدة من الشارع المصري (الأحزاب- الصحافة- القضاء- الجامعة-النقابات) و الذي يرجع إلي أسباب عديدة يأتي في مقدمتها عدم قدرة الحزب علي تحقيق ما يحتاجه الشارع المصري. لذا أري ضرورة الإسراع باتخاذ عدة خطوات علي وجه السرعة في مجال إنعاش الحياة السياسية و الحزبية في مصر و نزع فتيل الانفجار.... و اري منها علي سبيل المثال 1- إلغاء لجنة الأحزاب بشكلها و مضمونها الحالي .. هل يعقل أن يترأس لجنة الأحزب أمين عام الحزب الحاكم !!!!!! و إصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية يضمن حرية تكوين الأحزاب و توسيع دائرة المشاركة السياسية للشباب و للمرأة، قانون يسمح لأي مجموعة اتفقت علي أهداف معينة بتكوين حزب شريطة ألا يحمل صبغة دينية أو عنصرية . 2- إصدار قانون جديد للصحافة يضمن حرية اصدار الصحف للمؤسسات و الأفراد دون قيود (مباشرة او غير مباشرة) _ في تقديري أن مثل هذه الخطوات و غيرها من شأنها أن تعيد للحياة السياسية و الحزبية حيويتها .... حياة سياسية تتسم بالتعددية و التنافسية طبقاً للمعايير الدولية.