لعل المفاجأة التي استأثرت بأكبر قدر من الاهتمام في الانتخابات العامة التي شهدتها إسرائيل في الثامن والعشرين من مارس كانت المظهر الضعيف الذي ظهر به حزب الليكود المتشدد بزعامة بنيامين نتانياهو، والذي فاز بأحد عشر مقعداً في البرلمان الجديد، خلافا لحزب "العمل" الذي ظهر بمظهر أقوي من المتوقع، وفاز بعشرين مقعداً. أما نجاح رئيس الوزراء بالوكالة "إيهود أولمرت" في الفوز بثمانية وعشرين مقعداً لصالح حزب "كاديما" الجديد فقد كان متوقعاً. نجاح "أولمرت" يعد إنجازا كبيراً بالنظر إلي أن حزب "كاديما" لم يظهر إلي الوجود سوي منذ أشهر معدودة، بعد تأسيسه من قبل أرييل شارون الذي يوجد طريح الفراش في غيبوبة لم ينهض منها بعد بسبب إصابته بجلطة في الدماغ. ومما يحسب ل "أولمرت" أنه استطاع فرض سلطته علي الحزب الجديد في غضون أشهر معدودة وقيادته له للفوز بالانتخابات. والواقع أن نجاحه يعزي إلي عدد من العوامل، لعل أبرزها رغبة معظم الإسرائيليين في إنهاء المواجهات العنيفة مع الفلسطينيين، وإيمانهم بأن الانفصال الجغرافي أحادي الجانب يظل خطوة غير مناسبة ولكنها ضرورية، وذلك في ظل غياب قيادة فلسطينية قادرة علي التفاوض معهم. هذا وتدعو مقترحات "أولمرت" الانتخابية إسرائيل إلي الانسحاب من تسعين في المئة كحد أقصي من أراضي الضفة الغربية، مع الاحتفاظ بمراقبة المستوطنات اليهودية الكبري في "معالي أدوميم" و"أرييل" و"جوش إيتزيون" إضافة إلي نهر الأردن. ومن المتوقع أن تتبع حدود إسرائيل أحادية الجانب الجديدة الجدار الأمني الحالي الذي يلتهم مساحات أكبر مما كان خاضعا لإسرائيل قبل 1967، وهو أمر سيشكل مما لا شك فيه نقطة خلاف كبيرة مع العالم العربي والفلسطينيين. والواقع أنه في حال استطاع أولمرت تشكيل حكومة "وسط- يسار" مستقرة بدعم من حزب "العمل" وحزب "شاس" المتشدد، إضافة إلي حزب "إسرائيل بيتنا" الجديد الذي يمثل المتقاعدين، فسيكون في وضع مريح يتيح له التفاوض مع السلطة الفلسطينية التي ما يزال يتزعمها الرئيس عباس. ومما يجدر ذكره هنا أن المفاوضات مع السلطة الفلسطينية كانت من بين المسائل التي تضمنها البرنامج الانتخابي لحزب "العمل" الذي بات اليوم مؤهلاً لشغل حقائب وزارية في الحكومة الجديدة. إلا أن السؤال الأول الذي يطرح نفسه بإلحاح يتعلق بقدرة الحكومة الجديدة التي سيتزعمها "أولمرت" علي التعامل مع النواب الفلسطينيين الذين يضمون اليوم في صفوفهم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، باعتبارها الأغلبية التي أفرزتها الانتخابات الفلسطينية التي جرت في يناير المنصرم، وهو ما يقودنا إلي سؤال ثان يتعلق بما إنْ كانت زعامة "حماس" ستستجيب لضغوط المجتمع الدولي المكثفة، إضافة إلي الرئيس عباس، والرامية إلي حمل الحركة علي تغيير أجندتها بما في ذلك التزامها بالكفاح المسلح وإنكارها لحق إسرائيل في الوجود. المرجح أن تتعرض "حماس" لضغوط الدول العربية التي تعتبر صديقة للغرب، وبخاصة مصر والأردن والسعودية التي ترغب في وضع حد للصراع. كما يرجح أن تتعرض أيضا لضغوط معاكسة من أجل حملها علي التشبث بموقف متشدد، وذلك في شكل محفزات من سوريا وإيران، ذلك أن لدي إيران اليوم ما يكفي من العائدات النفطية لمنح "حماس" قدراً كبيراً من المال. إلا أن ذلك لا يخلو من خطر بالنسبة لطهران، إذ أن من شأن تكتيك يقوم علي التدخل المباشر في الشئون السياسية الفلسطينية، إضافة إلي تدخل إيران في لبنان والعراق، أن يكرس مخاوف العرب السُنة إزاء تطلعات الهيمنة الإيرانية، كما يمكنها أن تساهم في إثارة رد فعل قوي ضد الجمهورية الإسلامية. الواقع أنه قد تكون أمام الحكومة الجديدة التي سيقودها "أولمرت" والسلطة الفلسطينية فرصة للاتفاق بشأن شكل المفاوضات. إلا أنه بالنظر إلي القواعد الصارمة التي حددها المجتمع الدولي ل "حماس"، فلن يضطر "أولمرت" إلي القيام بتنازلات جديدة بخصوص هذه المسألة. والحال أنه من مصلحة "حماس" أن تعمل مع إسرائيل من أجل حل المشكلات اليومية للفلسطينيين. إسرائيل عاقدة العزم علي الانسحاب من الضفة الغربية، أما السؤال الذي يطرح نفسه هنا فيتعلق بما إذا كانت الحدود النهائية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المقبلة ستفرض من جانب واحد أم ستكون موضوع مفاوضات؟