و "الحكومة الحالية" تغيرا في طور التكوين قد يسفر عن صيغة جديدة تحكمها في الفترة القادمة، فقبل سنوات قليلة كان الشكل الذي استقر لتلك العلاقة قد تطور نسبيا، إذ كان السائد في التصورات العامة هو أن الحزب الوطني هو "حزب الحكومة" قبل أن يدخل الحكومة مجموعة من الوزراء الذين ينتمون لتوجه واحد تقريبا يمثل تيارا سائدا داخل الحزب، ليبرز للمرة الأولي تعبير "حكومة الحزب"، لكن ماحدث خلال انتخابات مجلس الشعب الماضية دفع ببعض أعضاء الحزب إلي الحديث عن تأثيرات سلبية لما قامت به الحكومة أو لما لم تقم به علي أوضاعهم الانتخابية، وبالتالي ظهر التساؤل عما إذا كان علي الحزب أن يتحمل بعض أوزار الحكومة. لقد استمرت فكرة حزب الحكومة تسيطر علي الأذهان لفترة طويلة، وبدت طوال الوقت منطقية تماما، علي الرغم مما كانت تعكسه من نظرة سلبية للحزب ، فالحزب الوطني _ وفق ذلك التصور _ ليس حزبا ككل الأحزاب الطبيعية، وإنما هو كيان تابع للحكومة، أو السلطة، أيا كانت، وعادة ماكانت تتم الإشارة إلي ذلك التحول الكبير لأعضاء حزب مصر في اتجاه "الحزب الوطني" عندما أنشئ في نهاية السبعينيات، والمغزي أن المسألة ليست قناعات حزبية وإنما مصالح سياسية، فالحزب يتكون من مجموعة كبيرة من الأعضاء الذين يرتبطون بفكرة "الحكومة" أيا كانت توجهاتها أو توجهاتهم السياسية، وهم في كل الأحوال تابعون لها أينما تذهب أو تتجه، فالهدف تبعا لذلك هو إدارة المصالح وليس إرساء توجهات. كانت مشكلة هذا التصور هي أنه يتضمن جزءا من الحقيقة، لكنها واحدة من الحقائق غير الغريبة علي عالم السياسة، فعلي الرغم من أن الأحزاب السياسية ليست في النهاية "جماعات مصالح"، إلا أن قواعد اللعبة في مصر كانت تربط العملية السياسية بتحقيق المصالح، سواء لأعضاء الحزب أنفسهم، أو لمن يمثلونهم في مجلس الشعب، فقد اعتاد المواطنون علي انتخاب من يحقق مصالحهم الخاصة، أو مصالح مناطقهم، وكان عضو الحزب هو الأقدر علي ذلك بالتأكيد باعتباره الأقرب إلي الحكومة، لذا كان لقب "مرشح الحزب" يعني الكثير، إذ أنه عمليا هو مرشح الحكومة، وعادة ماكان يتم التندر علي "صحيفة الحزب" التي لايعرف أحد ماإذا كانت تصدر أم لا، فالحزب لايحتاج صحيفة أو آراء أو توجهات، إنه فقط "مقر الحكومة" في النظام الحزبي. في تلك الفترة بدا أمين الحزب في منطقة معينة وكأنه يحتل موقعا رسميا، وبدا كارنيه الحزب وكأنه "كارت" لفتح بعض الأبواب المغلقة، أو الدخول إلي أماكن محصنة، وكانت صيغة الحزب الوطني ذاته تسمح بذلك، فتوجهاته العامة تبدو وكأنها إطار عام لإئتلاف كل قوي الشعب العاملة وغير العاملة، فسياسات الحكومات المتتالية لم تكن تسير في اتجاه واحد أبدا، هناك خصخصة وفي نفس الوقت هناك "البعد الإجتماعي"، وهناك رجال أعمال وإلي جوارهم اهتمام معلن بمحدودي الدخل، وبالتالي كان كل شخص أيا كانت هويته أو خلفيته يمكنه أن يجد مكانا في الحزب الوطني، وكثيرا ماتم الحديث عن قيادات احتلت مواقع سابقة في الاتحاد الاشتراكي العربي، أو حتي التنظيم الطليعي، فهناك من يمثلون قوة الدولة، ومن يعملون علي إيجاد دور للقطاع الخاص، ومن يطرحون دائما احتمالات تأثير السياسات علي العمال، فالجميع كانوا هناك يتفاوضون مع الحكومة. كان تعبير "حكومة الحزب" مفاجئا في الفترة التالية التي بدأت مع حكومة الدكتور أحمد نظيف، فقد دخل الوزارة مجموعة من الوزراء الذين يتبنون لأول مرة توجهات فكرية متقاربة تنتمي غالبا لمدرسة "النقديين" في إدارة الشئون الاقتصادية، إثر فترة مثيرة شهدت تضاربات لانهاية لها في عهد د. عاطف عبيد، وكان وزراء تلك المجموعة يعلنون عن توجهاتهم بوضوح، ويتحركون وفقا لها، وساد في أوساط الصحافة المستقلة توجه عام بأن هؤلاء قد تم تعيينهم من جانب بعض قيادات الحزب، وأنهم يعبرون عن توجه جديد داخل الحزب، الذي بدأ يميل _ وفقا لتلك التصورات في اتجاه توجهات رجال الأعمال. وفي بعض المؤتمرات الانتخابية التي عقدت خلال حملة انتخابات مجلس الشعب، كان د. نظيف يصدر تصريحات محددة حول علاقة الحزب بالحكومة، والتنسيق القائم بينهما، ولم تكن قيادات الحزب تري في تعبير "حكومة الحزب" تهمة لكي تقوم بدفعها، بل العكس بدا أن الوضع الجديد هو الوضع المفترض أو المنطقي، واستقرت المسألة. خلال الانتخابات البرلمانية 2005 بدأت المشاكل، وفي إطار قيام الحزب بمراجعة دروس ماحدث في الانتخابات، بدأت الأمور تتخذ منحي أكثر تعقيدا مما كان متصورا، فقد شعر بعض أعضاء الحزب الذين رشحوا منذ البداية علي القوائم الأساسية له، بأنهم قد تحملوا كل وزر السياسات الحكومية التي لم تكن قد أفرزت نتائجها بعد، وأن الأعضاء الذين خاضوا الانتخابات بصفة " مستقلين" قد استفادوا أكثر من هذا الوضع، وأن مرشحي قوي المعارضة الأخري قد حصلوا علي ميزات مجانية من جراء عدم رضاء كثيرين عن أوضاعهم الإقتصادية، لكن الأهم هو نقطتان: الأولي، أن البعض قد أشار إلي أن الحكومة لم تقم بمساعدتهم بأية صورة خلال الحملة الانتخابية، ولم يكن المقصود بذلك تلك الطريقة الإدارية القديمة التي قد يتم التدخل خلالها لصالح المرشح، فلم يكن ذلك مطروحا أصلا، وإنما القول بأن الحكومة لم تقم باتخاذ أية إجراءات تجاه قضايا تهم المواطنين مثل "كردونات المدن" خلال تلك الفترة، بل علي العكس ذكر كثيرون أن الحكومة قامت خلال تلك الفترة بمحاولة إنهاء التعديات علي الأراضي الزراعية بصورة أثارت الحنق علي مرشحي الحزب. الثانية، أن بعض القيادات الحكومية، لم تقم بتقديم أية مساعدة تذكر لتدعيم وضع مرشحي الحزب في الانتخابات، فيما يتعلق بالمصالح العادية للمواطنين، علي غرار تقديم خدمات متعلقة بالمدارس أو التشغيل في الوظائف، وبالتالي تحمل مرشحو الحزب نتائج مشكلة البطالة وبقوا أيضا عاجزين عن أن يبدوا وكأنهم قادرون علي حلها بالنسبة لمواطني دوائرهم، لكن المفاجأة الحقيقية هي أن كثيرا من قيادات الحكومة قد قدموا موافقات وخدمات حقيقية لمرشحين ينتمون للمعارضة في حين قدموا "موافقات مضروبة" لمرشحي الحزب. لقد تعالت الأصوات بالسؤال عن هذا الوضع، وطالب البعض بحسم تلك المسألة في اتجاه أن توجد هناك مساحة ما بين الحكومة والحزب علي نحو لايعرض مرشحي الحزب لتلك المشكلة، لكي لاتنسحب مشاكل المواطن المزمنة مع الحكومة علي أوضاع المرشحين في الدوائر المختلفة، وقد طرحت مثل تلك الآراء خلال الاجتماعات الحزبية بوضوح شديد، كما طرحت _ فيما يبدو مما نشر _ في اللقاءات التي عقدها الرئيس مبارك مع أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب في محافظات الشرقية والمنوفية، فقد أثيرت مشكلات خاصة بالحيز العمراني ومياه الشرب وازدواج الطرق والصرف الصحي والظهير الصحراوي وشق الترع ومشروعات الإسكان وإقامة المصانع ( للتشغيل)، وكل مايتعلق بالخدمات الجماهيرية، التي لم تقم الحكومة بإدارة عملية تنفيذها جيدا علي نحو يفيد أعضاء الحزب بصورة ما. والآن، لايوجد شئ مؤكد بشأن الصيغة الجديدة التي قد يتم اعتمادها رسميا أو عرفيا بشأن علاقة الحزب بالحكومة، فهناك أصوات حادة، ممن عانوا في الانتخابات من "ضربات الحكومة" تنادي بفك ذلك الارتباك بين الجانبين، وهناك أصوات تري أن التنسيق بين الجانبين هو الطريق الأسلم للتعامل مع مشكلات النواب في الدوائر، خاصة وأن الجميع يدرك أن الانتخابات التالية تتطلب جهدا خارقا في الدوائر، بعد أن ثبت أن المواطنين ، رغم كل مايقال حول التدخل في المرحلة الثالثة، قد قاموا هذه المرة بتغيير حوالي 75 في المائة من أعضاء مجلس الشعب السابق، وبالتالي لم تعد هذه المسألة ترفيهاً، إضافة إلي جانبها الجاد المتعلق بتغيير توجهات المرشحين، بشأن الجدوي الحقيقية لأن يكون هناك حزب حكومة، أو أن تكون هناك "حكومة حزب"، فثمة صيغة قادمة في الطريق، وأيا كان مضمونها، فإنها تعبر عن تطور بشأن العلاقة بين "الحكومة القائمة والحزب الحاكم"، وهي مسألة لافتة للانتباه في الحياة السياسية المصرية.