هناك حقيقة لمستها من خلال عملي هنا في نواكشوط العاصمة الموريتانية وهي النقص المعرفي الشديد في مشرق العالم العربي بجزء مهم وغال من عالمنا العربي في جناحه الغربي، وانا هنا اتحدث تحديدا عن موريتانيا العربية فمن المحزن ان هناك كثيرين في الشرق العربي لا يعرفون ان موريتانيا دولة عربية "!"، وبالتالي لا يعرفون شيئا عن تاريخها النابض بالعروبة والاسلام مع ان الاشقاء في موريتانيا يعرفون عن المشرق العربي كل شيء يتحدثون لغته، يدينون بدينه، ثقافتهم ثقافته، يعشقون فنونه وادبه وادباءه ومفكريه، يقرضون شعره، حتي انهم يطلقون علي بلدهم بلاد المليون شاعر فكيف لا نعرفها، هل هو قصورهم ام تقصيرنا؟ ويبدو ان دور مصر الثقافي الذي لعبته باقتدار علي مدي نصف قرن مضي مع شقيقاتها من الدول العربية والافريقية قد سار في اتجاه واحد من مصر الي شقيقاتها دون ان يحدث التبادل المعرفي في الاتجاه الاخر لذلك فالمراكز الثقافية المصرية التي مازالت تؤدي دورها نحو بني جلدتها من اشقائنا العرب والافارقة والتي ساهمت ومازالت تساهم في الحفاظ علي روابط ووشائج الاخوة التي تشد وتربط الشقيقات العربيات والافريقيات بالشقيقة مصر، علي ان تعمل علي ان يكون التبادل المعرفي في الاتجاهين وليس في اتجاه واحد. فمن منا في الشرق العربي يعرف شيئا عن حاضره "شنقيط" الثقافية و"شنقيط" هو الاسم القديم لموريتانيا الحالية ابان الازدهار الثقافي والروحي بعد وصول المد الاسلامي لتلك البلاد منذ اثني عشر قرنا من الزمن والتي انطلق منها المرابطون ليوحدوا تفرق حكام المسلمين في الاندلس، وليبعثوا فيهم روحا جديدة مكنتهم من الاستمرار هناك لمئات السنين، ولم تكن شنقيط هي الحاضرة الثقافية الوحيدة في تلك المنطقة الغنية من تاريخ انتشار الاسلام فقد فاقتها شهرة ومجدا في التاريخ حاضرة اخري هي "تمبكتو" عاصمة مملكة "التكرور" وهي دولة مالي الحالية وما حولها وقد كانت تلك المناطق معبرا حيويا لقوافل التجارة والحج بين مملكة غانا وسنغاي في غرب افريقيا ومصر والحجاز في الشرق. ومن هنا نأمل ان تساعدنا صحفنا القاهرية في تحقيق هذا التعارف بين المشرق والمغرب العربي باتاحة الفرصة للكتاب المغاربيين للظهور في صحف المشرق والتعارف- من وجهة نظري الشخصية- يقوم علي عدة محاور اخري اهمها هو العمل علي جذب الطلاب العرب والمسلمين والتيسير علي الشباب العربي والافريقي المسلم وغير المسلم، لكي يأتي للدراسة في جامعاتنا ليس في علوم الدين فحسب، ولكن في علوم الدنيا كالهندسة، والطب وغيرهما، فمن المعروف ان من يدرس في بلد ما هو في الحقيقة حامل لجنسيتها وهويتها الثقافية والاجتماعية وقد فطنت دول الغرب لتلك الحقيقة منذ عقود بعيدة وبقي علينا نحن ان نتدارك الامر وان نسعي لجذب الشباب من عالمنا الثالث للدراسة في اوطاننا لكي تصبح اوطانهم بعد ان يعودوا لاوطانهم ولكي يصبحوا رصيدنا الحي وظهورنا التي تحمينا وتحميهم من الهجمات الثقافية التي تريد لهم ولنا ان نقتلع من جذورنا ونخص من هذه الدول التي يجب ان نستهدفها، شقيقاتنا العربيات التي تقع جغرافيتها علي اطراف العالم العربي بعيدا عن المركز فالاطراف دائما ما تكون معرضة اكثر من غيرها لمحاولات اخراجها من المنظومة وهو ما تؤكده قوانين الطبيعة، وهنا يتحتم علي المنظومة كلها ان توثق روابط دول الاطراف بها لكي تظل في عضوية المجموعة الفلكية الكبيرة، ويجب ان نعمل علي ابطال مفعول قوي الطرد المركزي بكل ما اوتينا من قوة لانها تصيب اول ما تصيب دول الاطراف كما اسلفت وهو علي اي حال ما نلمسه الان من توجهات محمودة، واهمها مبادرة الرئيس مبارك التي اطلقها هذا العام للتعليم المتطور لقادة المستقبل في افريقيا، بالاضافة لجهود وزارة الخارجية المصرية والحكومة المصرية بصفة عامة في التركيز علي علاقاتنا بالدول الافريقية الشقيقة في جميع المجالات في ظل منافسة محمومة تسابق الزمن للوصول الي قلوب القارة السمراء قبل عقولها.