ربما كان علينا أن نضيف الي أسوأ ديكتاتوريات التدمير الذاتي في العالم، ديكتاتورية أوزبكستان، التي كثيراً ما جري تجاوزها أو تناسيها. فمثل كوريا الشمالية وزيمبابوي، تعاني أوزبكستان من حكم ديكتاتوري، يرتكب أسوأ الموبقات بحق مواطنيه، ثم إنه يهدّد بنشر الفوضي وعدم الاستقرار لدي جيرانه أيضاً. ويحتاج المجتمع الدولي الي تطوير آليات واستراتيجيات تحول دون هذا المصير في بلدان آسيا الوسطي. صحيح أن نظام الحكم في أوزبكستان لا يمثل تهديداً للولايات المتحدة ولا لأوروبا، لكنه من جهة أخري صامد أيضاً في طشقند، ولا يبدو مهدداً بالسقوط. لكن إذا استمر ذاك النظام لمدة طويلة؛ فإنه يشكّل خطراً فعلياً علي مصالح أوروبا. وعلي سبيل المثال، فإن استمرار النظام المذكور قد يدفع الروس للتدخل، وقد يشجّع الإسلاميين الصامتين حتي الآن علي الحركة والتأجيج، والواقع أنهم شكلوا حتي الآن إزعاجاً، أكثر من أن يكونوا تهديداً حقيقياً. ما كان نظام الحكم في أوزبكستان شمساً ساطعة للحرية في أي حقبة، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، والحصول علي الاستقلال عام 1991، وفي ظل سلطة إسلام كريموف ازدادت الأمور سوءاً عاماً بعد عام. وقد خرجت عمليات القمع الي العلن في 13 مارس عام 2005 حين فتحت قوات الأمن النار علي متظاهرين مسالمين وغير مسلّحين في مدينة أنديجون، فقتلت مئات عدة من الناس. وقد بعث ذلك علي حملة مشتعلة بالتدمير ضد الباقين علي قيد الحياة، وعائلاتهم. وما تزال طشقند تضغط منذ ذلك الحين، من أجل تسليمها الذين لجأوا للبلدان المجاورة. وقد استمر زلزال أنديجون يرجّع الأصداء في سائر أنحاء آسيا الوسطي. فقد حاول مئات من المتظاهرين النجاة من البوليس والجيش بالهرب الي الدول المجاورة مثل قيرغيزستان، وهي كيان غير ناجح أيضاً وقد أوشكت مشكلة اللاجئين الأوزبك إليها أن تسرّع سقوطها. فبسبب سياسات الدمج السوفياتية السابقة، وتشجيع روسيا للروابط الحالية، تظل المشكلات في تلك البلدان واحدة أو متشابهة، ويؤثر أي حدث في إحدي تلك الدول، علي الاستقرار في الدول الأخري. وجمهوريتا قيرغيزستان وطاجيكستان ضعيفتان، وتعتمدان اعتماداً شبه كلي علي الطاقة من أوزبكستان فضلاً عن النقل والاتصالات، بل أنه حتي كازاخستان، الدولة المزدهرة نسبياً، توشك أن تتعرض للاضطراب إذا فرّ إليها لاجئون من أوزبكستان المجاورة. لقد كان هدف السياسات الغربية دائماً تشجيع الانفتاح السياسي والاقتصادي في طشقند، ولأن ذلك كله فشِل، فلا بد من التركيز علي تغيير السياسات. لا بد أن يمارس الغربيون ضغوطاً من خلال عقوبات منتقاة، والحد الطوعي من التبادل التجاري من جانب الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان والبلدان الأخري التي أعطت أوزبكستان من قبل، وقد اضطرت للاعتراف أنها لا تملك تأثيراً علي النُخَب الحاكمة هناك، كما أن مساحات الاعتراف المتبادل ضيقة في المدي القصير. ولذلك لا بد أن يكون الهدف السياسات البعيدة المدي؛ والتي تشكّل زَورق النجاة، وتحشد فئات المجتمع المدني، وتفتح فُرَص التعليم والعمل، وأملاً بتغيير مستقبلي. وينبغي الحذر الدائم من أن تتحول مشكلة أوزبكستان، الي عامل عدم استقرار في المنطقة، أو في دول الجوار. والواقع أن صانعي القرار ينبغي أن يجلسوا علي طاولة مستديرة للتفاوض، وعليهم أن يحولوا دون امتدادات التأثير السلبي الآتية من أوزبكستان. وخلال ذلك علي اللاعبين الرئيسيين بالمنطقة أن ينتهجوا نهجاً سياسياً تغييرياً. فعلي الدول المانحة أن تموّل مشاريع منتقاة بالتحديد، ومن ضمن ذلك دعم الإعلام، وتدريب الإعلاميين، والبثّ الي داخل أوزبكستان من الخارج؛ بما في ذلك الأخبار والبرامج التليفزيونية والتربوية. وقد كان عمل الإعلاميين بأوزبكستان صعباً جداً بل يكاد يكون مُحالاً. ومع ذلك ما يزال هناك أُناس مستعدين للتضحية والقيام بالعمل الصحفي الحر وبالنضال من أجل حقوق الإنسان. وهؤلاء يستحقون المساعدة. ويكون علي المجتمع الدولي التعامل بجدية مع الموقف الناجم عن الوضع الخاص بأوزبكستان، من خلال تقديم المساعدة لقيرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان. ويتصل ذلك بالدعم في التخطيط للأزمات وتوقّعها، وإعادة توجيه الموارد لمعالجة قضية اللجوء، وتحسين إجراءات وممارسات ضبط الحدود، وضمان العَون للذين يحتاجونه في المواقف الاستثنائية. يمكن إمداد قيرغيزستان وطاجيكستان بالقوة من طريق المشروعات المائية وحفر الآبار، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويمكن تحسين الطرق بين ألماتي وبيشكك ودوشنبه الي الصين وروسيا وأفغانستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. ويمكن لأكثر تلك البلدان الإفادة من دعم مؤسسات الدولة وتقويتها، خصوصاً تلك التي علي تماس مستمر بالمواطنين ومعيشتهم. قد لا يحصل الانفجار في أوزبكستان الآن، لكنها تبقي بمثابة برميل بارود. ونحتاج من أجل المصلحة العالمية ومصلحة شعب أوزبكستان أن نهتم بإعداد الأوزبكيين وجوارهم لمواجهة الاضطراب الذي قد يحصل.