لقد حان الوقت لكي نتبع توصيات قادة الولاياتالمتحدة العسكريين حول الحرب علي الإرهاب، حيث أقر مسئولو "البنتاجون" المشاركون في إعداد استراتيجية محاربة الإرهاب التي أصدرتها مؤخراً القيادة العامة المشتركة بأن "جهود الجيش الأمريكي في مساعدة ضحايا تسونامي في إندونيسيا وفي مساعدة ضحايا زلزال باكستان "2005" كانت أفضل وأكثر فعالية في مواجهة الأيديولوجيات الإرهابية من أي مهمة هجومية". وحسب قائد قوات البحرية الأميرال "مايكل مولين"، فإن تغير الرأي العام الإسلامي نتيجة للمساعدات الأمريكية يعد "لحظة تاريخية مهمة في هذا القرن الجديد". وختم الأميرال مولين قائلا "عار علينا إذا تركنا تلك الآراء تنقلب علي نوايانا الحسنة مرة أخري". والحقيقة أن التصريحات التي أدلي بها قادتنا العسكريون تملي ضرورة إجراء مراجعة شاملة للوسائل اللازمة للانتصار علي الإرهابيين في العالم. ولحسن الحظ، يظهر لنا التاريخ الحديث كيف يمكن أن نساعد الناس الذين يحتاجون للمساعدة، وكيف نجعل الرأي العام مؤيداً للولايات المتحدة ومناوئا للإرهابيين من قبيل أسامة بن لادن. إلا أن ذلك يعني ضرورة الالتزام باتباع الطريق الذي عبدته الولاياتالمتحدة بنجاح العام الماضي علي إثر التسونامي الذي ضرب إندونيسيا والزلزال الذي هز باكستان، حيث كانت المساعدات الأمريكية مباشرة وشاملة وفعالة كما تم الترويج لها جيدا في التليفزيونين الإندونيسي والباكستاني. فلأول مرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عبر الشعبان الإندونيسي والباكستاني_ وهما الشعبان الأول والثاني من حيث عدد السكان في العالم الإسلامي- عن آراء إيجابية حول الولاياتالمتحدة، وتراجعا في الوقت نفسه عن تأييد أسامة بن لادن والهجمات الإرهابية. وبالتالي فيبدو أنه في حال ركزت الجهود الأمريكية علي إعادة تشكيل الآراء الإيجابية ورؤية أوضح للمستقبل، فالأكيد أن جنود بن لادن وأنصاره سيتناقصون، إذ من الممكن هزم المسلمين المتطرفين في عقول المسلمين وقلوبهم. والواقع أن عدد الباكستانيين الذين لديهم رأي إيجابي حول الولاياتالمتحدة قد تضاعف من 23 في المئة في مايو 2005 إلي أكثر من 46 في المئة بعد تلقي المساعدات الأمريكية علي إثر الزلزال الذي ضرب البلاد. وحسب استطلاع للرأي أجرته منظمة "غد بدون إرهاب" المستقلة وغير الربحية، فلأول مرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر يفوق عدد الباكستانيين الذين يحملون آراء إيجابية حول الولاياتالمتحدة عدد من لديهم آراء سلبية عنها. كما تضاعف في الوقت نفسه عدد الباكستانيين الذين لا يؤيدون بن لادن، وذلك بنفس نسبة ازدياد عدد أولئك الذين يحملون آراء إيجابية عن الولاياتالمتحدة. وبلغة الأرقام تبدو آثار المساعدات الأمريكية التي أعقبت الزلزال جلية وواضحة، ذلك أن 78 في المئة من الباكستانيين قالوا إن المساعدات الأمريكية إلي ضحايا الزلزال جعلتهم يحملون آراء إيجابية حول الولاياتالمتحدة. والحقيقة أن البيانات المجمعة في باكستان تجد ما يدعمها في نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت في إندونيسيا، حيث 65 في المئة من الإندونيسيين كانت لهم آراء إيجابية حول الولاياتالمتحدة بعد وقوع كارثة تسونامي، وذلك كنتيجة مباشرة للمساعدات الأمريكية، فيما وازي ذلك تراجع واضح لدعم الإرهاب. إلا أن أكثر ما يستأثر بالاهتمام في هذه النتائج هو إمكانية المحافظة علي هذه النقلة النوعية في الرأي العام الإسلامي لفترة طويلة، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته منظمة "غد بدون إرهاب" أنه بعد سنة علي بدء توزيع المساعدات الأمريكية في إندونيسيا في أعقاب كارثة تسونامي، وبالرغم من اندلاع أعمال العنف بسبب الرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية المسيئة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، فإن الرأي العام الإسلامي واصل تأييده للولايات المتحدة، بل ازداد نتيجة للمساعدات الإنسانية الأمريكية إلي الشعب الإندونيسي. وبالفعل فللمرة الأولي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر فاق عدد الإندونيسيين المؤيدين للولايات المتحدة عدد من لا يؤيدها. إن حقيقة أن الإندونيسيين يثمنون دور الولاياتالمتحدة حتي بعد مرور عام علي المساعدات الأمريكية إنما يشكل في الواقع دليلاً قاطعاً علي القوة المتواصلة التي تكتسيها المساعدات الإنسانية في تغيير الرأي العام الإسلامي بصورة جذرية. وبالتالي فلا غرابة أن استنتاج "المخطط الاستراتيجي العسكري القومي للحرب علي الإرهاب"، الذي أصدرته في وقت سابق القيادة العامة المشتركة، توصل إلي أن المساعدات الإنسانية الأمريكية "كثيرا ما تشكل طريقة فعالة لمواجهة الدعم الأيديولوجي للإرهاب الذي يعد بمثابة مركز الجاذبية بالنسبة للعدو". وإذا كانت الكوارث الطبيعية من حجم "تسونامي" والزلزال تتسبب في مشاكل وحلول من نوع خاص، فإنها تقدم أيضاً نموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه المساعدات الخارجية الأمريكية المستقبلية، أي مساعدات مبنية علي الاحتياجات الإنسانية المحضة يتم تسليمها للمحتاجين مباشرة. لقد حان الوقت إذن لنصغي إلي خبرائنا العسكريين الكبار حول ما هو مطلوب منا للانتصار في الحرب علي الإرهاب. إن ريادة الولاياتالمتحدة في مجال المساعدات الإنسانية هي الطريق إلي كسب عقول المسلمين وقلوبهم، وكما قال قائد قوات البحرية الأميرال مولين "عار علينا" إذا نحن لم نعمل بالرسالة. كينيث بالين مستشار مجلس النواب الأمريكي للتحقيق في فضيحة "إيران كونترا"، ورئيس منظمة "غد من دون إرهاب". "كريستيان ساينس مونيتور"