مرة أخري أعلن السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني الديموقراطي أنه سوف يجري التمسك في التعديلات الدستورية القادمة بالمواد الخاصة بالعمال والفلاحين والتي تعطيهم نسبة لا تقل عن 50% من المجالس المصرية المنتخبة. والحقيقة أن الأمين العام ورئيس مجلس الشوري ليس وحده ممن يعتقدون في أهمية الحفاظ علي هذه المواد باعتبارها واحدة من "الثوابت" الوطنية المصرية التي تؤكد علي دور الأغلبية بين العاملين في مصر، والذين يخشي من عدم مراعاة مصالحهم بواسطة الأقوي والأكثر حظا في المجتمع. وبهذا المعني فإن النظام السياسي المصري يحافظ علي "المساواة" في التأثير علي القرار السياسي من خلال "تمكين" العمال والفلاحين، وهو ما يضمن في النهاية توزيع الثروة بطريقة عادلة، ويؤكد علي الروح "الاشتراكية" التي أكد عليها الدستور بأكثر من طريقة. مثل هذا المنطق له وجاهته بالتأكيد، ولكن إعادة النظر فيه واجبة علي الجميع خاصة في هذه المرحلة التي توافق فيها المجتمع علي مراجعة أسس النظام السياسي من خلال الدستور. وبدون الدخول في التفاصيل الأخري الخاصة بفلسفة الدستور وقواعده الأساسية، فإن البنود الخاصة بالعمال والفلاحين هي من أكثرها حاجة إلي المراجعة لعدة أسباب: أولها أنه لا يوجد بلد آخر في العالم يأخذ بهذه القاعدة، سواء كان ذلك في البلاد الديموقراطية أو حتي في المجالس الشكلية التي تأخذ بها البلاد غير الديموقراطية. وربما لا يهمنا كثيرا ما تأخذ به البلاد الأخري وما تتركه، ولكن الذي يهمنا أن استبعاد هذه القواعد يعود إلي منطق بعينه وهو أن مهمة النظام السياسي كله هو الحفاظ علي مصالح الأغلبية الساحقة من العاملين في البلاد، وبالتالي فإن التسليم بنسبة معينة للأغلبية العاملة يعني في الحقيقة أن بقية النظام غير قادرة علي تحقيق هذا الهدف. وثانيها، وهو ما يؤكد علي أولها، أنه لا يوجد دليل واحد من خلال التجربة المصرية أن العمال والفلاحين من أعضاء مجلس الشعب والمجالس المنتخبة علي اختلاف درجاتها قد تصرفوا بطريقة مختلفة من حيث التصويت أو الممارسة لوظائف العضو عن بقية الممثلين للشعب. ولا يوجد دليل واحد علي أن العمال والفلاحين تبنوا سياسات متميزة من أي نوع، خاصة أنه قد جري التلاعب مع تعريف العمال والفلاحين إلي الدرجة التي اقترب فيها من ألا يكون له معني علي الإطلاق، ويصبح الإبقاء عليه نوعا من المخادعة للذات. وثالثها، أنه لا أساس لما يقال أن العمال والفلاحين هم الأكثر عددا والأكثر مساهمة في الناتج القومي والأقل حظا في المجتمع في نفس الوقت؛ ولو كانت القاعدة كذلك فإن العاملين في مجال الخدمات ينبغي أن تكون لهم نسبة خاصة في المجالس المنتخبة؛ أما فقراء مصر فإنهم العاملون في الحكومة، ويصل عددهم إلي سبعة ملايين نسمة. ولو أن الأمر أخذ بالفقر المدقع فربما يستحسن التركيز علي القاطنين للصعيد حيث يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن معهد التخطيط القومي أنهم الأقل حظا في البلاد. ورابعها أن تمييز العمال والفلاحين بهذه النسبة ربما يفتح الباب للبحث عن التمييز لجماعات وطوائف تشعر أنها لا تحصل علي التمثيل الكافي في المجتمع. وخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة لم ينجح سوي عضو مسيحي واحد لمجلس الشعب حدث بالصدفة أن كان وزيرا، وإذا كان عدد المسيحيين المصريين يزيد أو يقل عن ستة ملايين نسمة فإن هذا القدر من التمثيل لا يعبر عنهم بأي معني، وإذا قيل أن كل المنتخبين معبرون عن كل طوائف وجماعات الأمة المصرية مسلمين ومسيحيين وبغض النظر عن اللون والعرق، فإن ذلك يصدق تماما علي العمال والفلاحين. وما يجري علي الأقباط يجري أيضا علي المرأة التي تشغل نصف المجتمع، ولكن لم ينجح لها سوي أربعة مرشحين فقط خلال الانتخابات الأخيرة، وإذا كان الأعضاء الرجال يمثلون المرأة أيضا ومصالحها، فلماذا لا يمثلون العمال والفلاحين أيضا. وخامسها أن استمرار قاعدة العمال والفلاحين سوف يفقد كل عملية الإصلاح السياسي والدستوري مصداقيتها لأنها سوف تعني بقاء الأحوال " الاشتراكية " علي حالها وأنه لا توجد هناك نية لتغيير حقيقي في النظام السياسي للبلاد والذي قام علي التعبئة والحشد لجماعات بعينها علي حساب كل الجماعات الأخري. وعلي أي الأحوال فإن هناك اقتراحا ربما يكون مفيدا، وهو أنه قد جري دوما تعويض الجماعات التي لا تحصل علي التمثيل الكافي في مجلس الشعب من خلال العشرة المعينين، ومن ثم فقد كان غالبية العشرة من النساء والأقباط. فلماذا لا يتم تطبيق نفس القاعدة علي العمال والفلاحين فيتم اختيار القيادات العمالية والفلاحية الكبري للتمثيل في البرلمان حيث توجد لديهم الخبرة والتجربة والتمثيل الحقيقي القائم علي الانتخاب للعمال والفلاحين؟. إن تطبيق هذا الاقتراح سوف يعيد قاعدة المساواة إلي أصولها، وينزع عن الدستور المصري أصوله الاشتراكية، ويقنع الجميع في مصر أننا إزاء عملية جادة للتغيير والإصلاح، ويكفل في نفس الوقت علي تمثيل متميز وكفء للعمال والفلاحين. وفي يوم من الأيام سوف يكتب تاريخ هذه المرحلة، وساعتها سوف تتساءل الأجيال القادمة عمن أفقد مصر فرصة عظمي للانطلاق إلي الأمام؟