في خطوة وصفت بالجرأة، ومحاولة جادة لكسر الهيمنة الامريكية، أعلن في العاصمة الألمانية برلين أن مهرجانها السينمائي الدولي الذي تنطلق دورته السادسة والخمسون في التاسع من فبراير الجاري وتستمر حتي التاسع عشر من الشهر نفسه سوف تعرض فيلماً بريطانيا يندد بالانتهاكات الامريكية لحقوق الإنسان في المعتقل الشهير الواقع علي شاطئ جوانتانامو. عنوان الفيلم "الطريق إلي جوانتانامو" والاخراج للبريطاني الشهير مايكل وينتربوتوم، الذي ولد في 29 مارس عام 1961 في انجلترا، وعمل بالكتابة والانتاج والمونتاج والاخراج وأنجز عدداً من الأفلام في فترة الثمانينيات والتسعينيات والألفية الجديدة، قبل أن يبدأ في تصوير هذا الفيلم، لحساب القناة الرابعة البريطانية، وهو واحد من الأفلام التي تمزج بين الشكل الوثائقي والدرامي، ويلقي الضوء علي الانتهاكات البشعة التي يمارسها الجنود الأمريكيون ضد كل من يسوقه حظه العاثر للوقوع في أيدي السلطات الأمريكية، في أعقاب حادث انهيار البرجين في الحادي عشر من سبتمبر عام ،2001 والزج به في معتقل "جوانتانامو". الجرأة التي قدمها المخرج البريطاني في فيلمه كانت سبباً في اختيار الفيلم للعرض في المسابقة الرسمية؛ اضافة إلي التفكير في تنظيم تظاهرة سينمائية بعنوان "أضواء علي جوانتانامو". في فيلم "الطريق إلي جوانتانامو" يرصد المخرج أزمة ثلاثة شبان من المسلمين البريطانيين - وفي رواية أخري من باكستان الذين حصلوا علي الجنسية البريطانية - تم القبض عليهم واقتيادهم إلي معسكر جوانتانامو وتحديداً الجناح الذي يطلق عليه "المقاتلين الأعداء"، حيث أمضوا هناك مدة تقترب من العامين قبل أن يتم الافراج عنهم بعد فشل السلطات الأمنية الأمريكية - الاستخبارات - في العثور علي أدلة تدينهم وتلصق بهم تهمة الارهاب، وفي الفيلم يقترب المخرج من الشبان الثلاثة شفيق رسول وعاصف اقبال وروهيل أحمد الذين أطلق سراحهم بعد القبض عليهم في اعقاب أحداث سبتمبر عام 2001 أثناء قضائهم اجازة في باكستان لحضور حفل زفاف اعتقلوا بعده وتم نقلهم إلي معسكر جوانتانامو ليقضوا هناك عامين!! في هذا الفيلم يختار المخرج مايكل وينتر بوتوم الاعتماد علي الشكل الوثائقي في الجزء الخاص باجراء الحوارات مع الشبان الثلاثة ويمزج في رؤيته الصور والوثائق المستمدة من الأرشيف وكذلك التي أمده بها الشبان الثلاثة، كما يقدم جزءاً درامياً - تمثيلياً - يقوم خلاله ممثل يدعي رضا أحمد بتجسيد دور شفيق رسول بينما يقوم عدد من الممثلين البريطانيين مثل: ستيفن بيكنجهام ونانسي كرين وكريستوفر فوش ومارك هولدن بأدوار الحراس والقادة في المعسكر الأمريكي الذي اكتسب سمعة سيئة بسبب الوحشية والعنصرية واهدار مواثيق الشرف الدولية وحقوق الانسان التي تمارس في داخله. وكان المخرج قد أجري حوارات لمدة تقارب الشهرين مع محامي الشبان الثلاثة وجمع ما يقرب من 115 صفحة في دوسيه اعتمد فيها علي شهادات الذين استمع اليهم حول الممارسات غير الآدمية التي تجري في "جوانتانامو" ووسائل التعذيب التي يتعرض لها السجناء هناك، والتي يتحدث عنها بالتفصيل عاصف اقبال الذي أشار إلي اعتقاله في حجرة انفرادية قطع عنها الضوء وحوصرت بضوضاء الموسيقي والرقص الذي يتكرر دوما بينما تساءل شفيق رسول عما سيكون مصيره لو أنه غادر مكانه ليستنشق الهواء وتلقي قذيفة فلمن يلجأ أما المخرج فقد بدا أنه سيفاجئ العالم بفيلم مثير للجدل، ولن يمر بسلام، في أعقاب عرضه؛ حيث يتجاوز فيما يبدو كل ما قدمه المخرج الامريكي مايكل مور من قبل، خصوصاً أن المحظورات التي اقترب منها "مور" ظلت بالنسبة للكثيرين في حدود المسموح مهما بلغت صراحته ونبرته الخطابية المباشرة بينما يتجاوز البريطاني مايكل وينتر بوتوم الخطوط الحمراء، لأن الحديث عما يجري في "جوانتانامو" يثير غضب الرئيس الامريكي بوش والساسة المعاونين، الذين يحرصون علي الابقاء علي ما يجري في "جوانتانامو" في طي الكتمان والسرية؛ خصوصاً ان الضربة جاءت هذه المرة من مخرج بريطاني يفترض أنه يمثل الحليف الأول في كل الجرائم التي ارتكبتها أمريكا .. توني بلير!!