"مصر الجديدة" مسلسل يعرض حاليا، بعدما استبعد من العرض في شهر رمضان الماضي بناء علي حيثيات اللجنة التي شكلت لاختيار الاعمال الدرامية التي تعرض علي الشاشة المصرية، وجاء عرضه في هذه الايام لينصف العمل وعلي رأسه المخرج محمد فاضل والكاتب يسري الجندي وبطلته فردوس عبدالحميد لكنه اثار دهشة المشاهدين والمراقبين عندما فوجئوا ان "مصر الجديدة" ليست سوي مصر العصرية.. باحداثها الراهنة ووقائعها الحياتية المعاصرة، وليس كما أوحي العمل بأنه تاريخي يرصد فترة قديمة منذ ثورة 1919 وحتي ما قبل نهاية الاربعينيات. فالربط بين مصر النهضة في تلك الفترة وما يجري علي ارض مصر اليوم واضح، والتحرر العسكري ليس سوي مقاربة لما يحدث من محاولات مستميتة للتحرر الاقتصادي.. ومن قبله تحرر الانسان المصري ذاته لاستكمال النهوض الثقافي والفكري الذي بدأ في تلك الفترة وآن الأوان ليجد له مكانا في مصر المعاصرة. من هنا كانت وقفتنا مع صانعي العمل الذي شهد التفافا جماهيريا واثار جدلا فكريا، خصوصا ان البعض لم يستسغ الالتجاء الي الرمز والايحاء والاسقاط في عصر لم يعد فيه ما يدعو لمثل هذه الحيل الدرامية. في البداية يتحدث الكاتب يسري الجندي قائلا: المسلسل اهتم بتاريخ مصر الحديثة والمتابع للتاريخ يدرك انه عبارة عن حلقات متصلة قد لا يستطيع المرء تفسيرها الا علي ضوء ربطها ببعضها البعض واختياري لتلك الفترة قائم علي اساس رصد حالة المخاض التي تمر بها مصر في مختلف المجالات فتارة تتعثر واخري تنهض فنري احداث ثورة 19 وما بعدها حتي سنة 47 بتلك الفترة العامرة برسائل تبدو موجهة الي الحاضر اولها عناصر النهضة التي لا تنفصل عن بعضها فالتحرر من اي تبعية يرتبط بالتحرر الاقتصادي وتحرر الوطن لا ينفصل عن تحرر الانسان الذي لا يتحقق الا بتحرر المرأة والنهوض السياسي الذي يعقبه نهوض ثقافي فكري وفني يتجلي بوضوح في هذه المرحلة الهامة من تاريخ مصر فيربطنا بالواقع الذي يكثف حاجتنا للاسترشاد بهذه الرسائل في ظل حالة، لتردي الهائل اما عن الاسقاطات فالعمل يستلهم من ا لتاريخ فترة المخاض الثوري وهذا دوري لاحس انني ساهمت في بناء مصر المعاصرة وكل ابداع يجب ان يكون له معني ولا يتوقف عند حدود العمل التاريخي، فمن الممكن تقديم عمل اجتماعي وامرر من خلاله نفس الرسالة لان هذا شكل من اشكال الابداع قمت باختباره من قبل في "جمهورية زفتي" أو "النديم" ولابد ان يكون للعمل معني وارتباط بالواقع مهما كانت الفترة التي يناقشها والا تحول الي نصب او عبث وقد اخترت بنفسي اسم مصر الجديدة لاني وجدته ادق فالمسلسل يرصد "طوفانا غامرا" من الاحداث والقضية ليست قضية هدي شعراوي وانما عناصر نهضة في ميادين مختلفة تلاقي فيها سيد درويش مع سعد زغلول مع محمود مختار مع طلعت حرب وربما لهذه الاسباب كنت اود ان يسمي المسلسل "البحث عن مصر الجديدة" لانه المعني الذي اريده واقصده.= اما المخرج محمد فاضل فيلقي الضوء علي ناحية اخري بقوله: لم يكن المقصود وجود اسقاطات فالفن بطبيعته مثل لوحة الفن التشكيلي يتخيلها ويحسها كل "متلقي" بطريقته ومن الصعب تحديد الرسالة التي تريدها من البداية فنحن تحدثنا في مسلسل تاريخي في فترة تنوير وتأسيس دستور وتكوين احزاب ومطالبة بحقوق المرأة المصرية وفوران الحركة السياسية والصراع ضد الاستعمار، واذا كان هناك نوع من التشابه مع الواقع وما نعايشه من احداث فهذا امر وارد ويصب لصالح المسلسل؛ فالدراما التاريخية المعاصرة والقديمة يجب ان تكون قريبة من الناس لتعبر عن ظروفهم واحاسيسهم واحتياجاتهم لانها ليست خيولا وسيوفا بل هي ام كلثوم والشارع الجديد ومصر الجديدة وقد تعمدت التركيز علي تلك الفترة من خلال عملين مختلفين هما الشارع الجديد الطبقة الشعبية الفقيرة ومصر الجديدة والطبقة الارستقراطية ومازلنا في حاجة الي مئات الاعمال لنوفي تلك المرحلة حقها فقد حرصت علي كسر جمود المسلسل التاريخي وتقديم رواية فنية خاصة في تقديم العمل التاريخي بشكل بسيط وجذاب حتي لا يقتصر المسلسل علي المثقفين كما سعيت لتقديم وجبة غنية يشاهدها كل المصريين بحيث يصل اليهم بشكل جيد الا ان ما احزنني كثيرا واصابني بالاحباط انه لم تتوافر للمسلسل الدعاية أو حتي التنويه الذي يحصل عليه اي فيلم سينمائي تافه سيعرض وتظل تشاهده طوال اسبوع كامل، كما ذهب المسلسل فريسة للبطولة الافريقية لكرة القدم لذا اتصلت بأكثر من مسئول لتقديم حلول لهذه المشكلة الا انهم لم يتلفتوا علي الرغم من سهولة الحل مثل اعادة عرض الحلقات ولكن مشكلتهم هي نقص المعلومات وعدم المعرفة وعدم محاولة الخروج من جمود الخريطة التي وضعت من الستينيات والسبعينيات والتي لا تراعي تغيير ظروف المجتمع ووجود منافسة بين الفضائيات وكأنه لا يكفينا ما عانينا من ضغوط الزمتنا بتغيير الاسم من هدي شعراوي الي مصر الجديدة من اجل التسويق كما قالوا علي الرغم من ان المسلسل يتناول صفحات تاريخية درامية من حياتها كما طلبوا حذف خمس ساعات كاملة قبل بدء التصوير واختصار المشاهد نتيجة للظروف الانتاجية وانا اشاهد المسلسل حاليا احس بمعني القهر الانتاجي الذي تعرضنا له ولكن كان يجب علينا الموافقة حتي يخرج العمل الي النور ويري الناس عينة من الدراما المصرية التاريخية الذين تواطأ الكثيرون للاساءة إليها لمصلحة آخرين. أما الفنانة فردوس عبدالحميد بطلة المسلسل التي تؤدي شخصية هدي شعراوي فتقول: يجب ان نتفق علي ان التاريخ يكرر نفسه ومازال استهداف منطقتنا قائما لكونها شديدة الحيوية والاهمية والخطورة، لكن المسلسل لم يتعمد الاسقاط علي الواقع لاننا قدمنا احداثا حقيقية كما قدمنا للنشء الجديد الذي لا يعرف الكثير نبذة عن تاريخ وطنه في وجبة ممتعة فيها المعلومة والتثقيف والفن الجيد وهذا هو دور الفن الحقيقي الذي يقف الي جانب الوطن في احلك اوقاته فيقدم النماذج التي تعيدنا الي ما نريده وما نبتغيه الان فالمرأة علي الرغم مما حققته في جميع المجالات واستكمالا لمسيرتها الا ان هناك ردة وأصبحت تنوء بسببها في ظل ما يعانيه المجتمع وفي ظل تكالب الظروف سواء الاقتصادية أو الاجتماعية وزيادة الاعباء والمسئوليات التي تتحملها لذا قدمنا نموذجين للمرأة المكافحة من خلال مسلسل "الشارع الجديد" ثم مسلسل "مصر الجديدة" فهذه هي المرأة المصرية التي طالبت ونادت بحقوقها والتي عليها الا تتخلي عن دورها الان فالمرأة عندما تحصل علي جميع حقوقها فمعني هذا ان الدولة ايضا حصلت علي حقوقها، لذا نفخر بأن العمل تم تصويره في مدينة الانتاج الاعلامي وايطاليا مما يدل علي اننا لم نفقد ريادتنا كما يشككون فنيا وكم تمنيت طويلا بتقديم هذه الشخصية الي ان رشحني الكاتب الكبير يسري الجندي للعمل فالشخصية هنا لم تكن مهمتها فقط المطالبة برفع الحجاب والحصول علي حقوق المرأة بل تحرير وطن بأكمله في عمل لم يحس المشاهد خلاله بالملل وانما بإبداع ووجهة نظر ومستوي يثبت للجميع ان التراجع في الدراما المصرية هو تراجع اداري من المهيمنين علي مقدرات الفن في مصر ونتيجة لضغوطهم وتدخلاتهم وعجزهم الاداري.