ان الشعوب الحية والحكومات الواعية هي التي تستفيد من أخطائها وتصحح أوا بأول مسيرتها- لاحظنا في تجربة فض اعتصام الأخوة السودانيين الجنوبيين أن هناك جانبا واسعا بين قرار الحكومة المصرية وتنفيذ أجهزة الشرطة _ فقد أوضح السيد وزير الخارجية المصرية في تصريحاته لجريدة الأهرام بتاريخ 3/1/2005 أن قرار الحكومة المصرية في التعامل مع اعتصام الأخوة السودانيين بمنطقة المهندسين هو" انهاؤه سلمياً وبدون اللجوء الي القوة ونقلهم الي مناطق أخري تتوافر فيها الشروط الصحية لتصنيفهم واخلاء سبيل اللاجئين وملتمسي اللجوء ، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين" وأكد السيد الوزير أن التدخل المصري لفض الاعتصام جاء بناء علي طلب من مفوضية الأممالمتحدة لللاجئين بالقاهرة بتاريخ 22/12/2005. كان هذا هوقرار الحكومة المصرية _ أما تنفيذ القرار فقد نتج عنه وفاة 26 لاجئاً سودانياً من بينهم 8 أطفال و3 نساء. الاعتصام في الدول الديمقراطية أحد صور " الاحتجاج السلمي علي واقع ما " _ يلجأ اليه المعتصمون بغرض اعلان احتجاجهم وإعلام الرأي العام والدولي به كصورة من صور الضغط علي أصحاب القرار لاتخاذ قرارات وخطوات تنفيذيه تلغي أوتخفف من أسباب الاعتصام. والاعتصام درجة من درجات الاحتجاج السلمي التي تليها درجات أكثر تأثيراً مثل المقاطعة "المظاهرة" العصيان المدني. كيف يتم الاعتصام في الدول الديمقراطية ؟ أولي خطوات الاعتصام هوإعلام أجهزة الأمن والادارات المحلية بميعاد ومكان الاعتصام وأخذ موافقة عليهما (علي المكان والميعاد وليس الاعتصام في حد ذاته لأن الأخير حق يقرره القانون) _ قد يكون الاعتصام في المكان الذشي ينتمي إليه المعتصمون أوأمام جهة الاختصاص أوفي مكان عام بشرط ألا يعيق العمل اليومي العام- وقد يكون الاعتصام مستمرا (ليل نهار ولعدد مفتوح من الأيام) أو وقتا بمعني أن يتم الاعتصام لعدد محدد من الساعات يفض تلقائياً بعدها. وفي اغلب الحالات يتم الوصول الي حلول من خلال استجابة الجهات المختصة بدرجة أوبأخري لمطالب المعتصمين _ أما في حالة رفض مطالب الاعتصام _ فاما يلجأ المعتصمون الي تكرار الاعتصام مرة أخري بمستوي اداء أفضل أوالتصعيد واللجوء الي صورة أخري من صورة الاحتجاج السلمي. كيف يتم التعامل مع صور الاحتجاج السلمي في الدول الديمقراطية ؟ تلجأ الحكومات الديمقراطية الي أساليب علمية متدرجة من أجل فض الاعتصام أوالمظاهرة أوالعصيان المدني وهي تبدأ ب : 1- دراسة وتحليل أبعاد المشكلة ومطالب المعتصمين (كما هوفي حالتنا). 2- تحديد الأطراف المفرزة للمشكلة وكذلك المشاركة في الحل المقترح _ للبدء في الاتصال المباشر مع المعتصمين في محاولة للوصول الي حل مرض. 3- تكرار محاولات الاتصال وطرح حلول جديدة . 4- في حالة الفشل في الوصول الي حل يرضي المعتصمين. تجتمع الحكومة سواء الكاملة أو المصغرة لمناقشة قرار فض الاعتصام _ لما للأخير من تأثيرات سلبية علي الصالح العام. 5- يتولي تنفيذ هذا القرار وحدات متخصصة في فض الاعتصامات والمظاهرات وهي يجب أن تختلف عن وحدات فض أعمال الشغب لأن الاعتصام أو المظاهرة في هذه البلاد ليست من أعمال الشغب _ وحدات يؤمن أفرادها بحق الاعتصام والتظاهر وأن فض الاعتصام ليس هو الغاية التي يمكن بها تبرير الوسائل المستخدمة لتحقيقها ولكن الهدف هو فض الاعتصام أو المظاهرة بدون خسائر وخصوصاً في الأرواح وتبدأ أعمال الفض بالخطوات التالية: تقدير أعداد المعتصمين وتصنيفهم من أجل تحديد الوسائل الأمنية التي سوف يتم التعامل بها معهم. توفير كل وسائل الأسعاف لعلاج وتقليل التداعيات السلبية للتدخل الأمني. النداء علي المعتصمين وابلاغهم بقرار الحكومة بفض الاعتصام. ومطالبة المعتصمين بمغادرة المكان بهدوء. في حالة الفشل يتم اللجوء الي استخدام مدافع المياه لتفريق المعتصمين أوالمتظاهرين. في حالة الفشل يتم اللجوء الي التعامل الفردي مع كل متظاهر أومعتصم _ وتنفيذ هذه الخطوة يتطلب اكتساب أفراد هذه الوحدة لمهارات عديدة من خلال عدة دورات تدريبية وقد شاهدنا بعضها علي شاشات القنوات الفضائية _ بحيث لا ينتج عن هذا الاجراء أي أضرار للمعتصم أوالمتظاهر _ لأنه ببساطة شديدة اذا حدثت أضرار فإن من حق المتضرر اللجوء الي القضاء والمطالبة بالتعويضات المناسبة. ولذلك شاهدنا أنه يتم رفع واخلاء المعتصم أ والمتظاهر بواسطة أربعة أفراد من قوات الأمن حفاظاً علي سلامته. يجب الا تسرف قوات الأمن في استخدام القوة عندما يصدر عن بعض أوكل المعتصمين أوالمتظاهرين بعض التجاوزات _ لأن معيار نجاح الأمن في فض الاعتصام يتوقف علي تنفيذ المهمة دون خسائر أوعلي أقل معدل خسائر وخصوصاً البشري منها. وهناك تجارب في دول عديدة يمكن الرجوع إليها لكي نأخذ منها الدروس المستفادة فعلي سبيل المثال: 1- تجارب الدول التي تنعقد بها اجتماعات منظمة التجارة العالمية ومظاهرات مناهضي العولمة. 2- تجربة دولة اسرائيل في إخلاء مستوطنات غزة من المستوطنين - وكم استفادت اسرائيل من هذه التجربة ومن نقلها علي الهواء مباشرة. 3- تجربة فرنسا في مواجهة مظاهرات مهاجري غرب افريقيا ورغم الخسائر الفادحة (حرق 900 سيارة) لم تحدث حالة وفاة واحدة. في تقديري أن خطوات التطوير في اتجاه الديمقراطية التي تشهدها مصر الآن _ يجب أن تشمل أداء أجهزة الأمن خصوصاً بعد أن تعددت صور الأخفاق ( التعامل المتشدد مع أهالي المعتقلين عقب أحداث فندق طابا وانعكاس ذلك علي أحداث شرم الشيخ / طريقة فض مظاهرات نقابة الصحفيين / انتخابات مجلس الشعب الذي تراوح الأداء الأمني فيها بين الحياد السلبي الذي سمح للبلطجة والرشوة أن تمارس علنياً والتدخل الذي اعاق تفعيل ارادة الناخب وكذلك الاعتداء علي بعض القضاة المشرفين عليها / واخيراً فض اعتصام الأخوة السودانيين الذي مما لا شك فيه قد اساء الي سمعة أجهزة الأمن)_ فالأداء الأمني في النظم الديمقراطية مختلف تماماً عن مثيله في النظم البعيدة عن الديمقراطية _ ففي الأولي يأتي معيار الانسانية وقيمة الانسان في قمة سلم معايير الأداء الأمني _ أما في الثانية فهوغائب.