لم يعد السؤال في إسرائيل هل مات شارون أم لم يمت؟ وإنما غدا ما هو مصير حزب شارون، كديما؟! فقد شكل هذا الحزب أملا (ولو موهوما) لدي الكثير من الإسرائيليين في إمكانية التغيير، كما أنه مثل لدي الإدارة الأمريكية والأسرة الدولية مخرجا من الدائرة المفرغة للصراع العربي الإسرائيلي. وقد ارتاح البعض للاعتقاد بأن المهمة الحقيقية الأولي لهذا الحزب هي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي إن لم يكن للأرض فعلي الأقل للبشر. وبرغم الحديث عن احتمال انهيار حزب كديما فإنه ما زال حتي اللحظة يمثل "كلمة السر" لفتح بوابات الحلبة السياسية الإسرائيلية. فمصير أحزاب العمل والليكود وشينوي مرهون بمقدار نجاح حزب "كديما" في تثبيت نفسه علي الأرض. فهذا الحزب الذي نشأ حول شارون وآرائه والذي لا يعرف الإسرائيليون عنه أكثر من أنه حزب رئيس الحكومة فقد الآن رمزه وماركته المسجلة. وهو حزب بلا برنامج ومن دون هيكلية أو نظام داخلي وخال من أية تقاليد. وبرغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة منحت "كديما" برئاسة إيهود أولمرت حوالي أربعين مقعدا في الكنيست المقبلة إلا أن أحدا في كديما لا يخدع نفسه. وجميعهم علي استعداد للقبول بأقل من ذلك، الأمر الذي يوحي بمخاوف جدية تواجه مصير هذا الحزب. ويبدو للوهلة الأولي أن قادة "كديما" الخائفين من الوقوع، بعد غياب شارون، في طريق الفيلة يحاولون جهدهم للتواضع والتلطي وراء آرائهم الرسمية. وهم يعتقدون أن بوسع التفافهم حول إيهود أولمرت عرض نوع جديد من الساسة في إسرائيل غير المتنازعين علي المناصب، وأن ذلك كفيل بالبرهان للجمهور الإسرائيلي علي أنهم أمام طور جديد من القادة يتناسب مع الآمال التي كانت معلقة علي شارون. غير أن الواقع لا يبدو علي هذا النحو من التبسيط. فالحال التي يواجهها حزب كديما بغياب شارون تختلف "جذريا" عن الحال التي كان يفترض أن يواجهها تحت زعامة شارون. وفي نظر عدد من الخبراء فإن الانتقال الذي حدث علي المزاج الإسرائيلي العام من النزعة المحافظة إلي النزعة التغييرية ارتبط بشكل كبير بشخصية شارون. فقد بقي رئيس الحكومة الإسرائيلية في نظر مؤيديه وخصومه رمزا لجيل الآباء بصرف النظر عن الآثام التي ارتكبوها. وقد جاء هذا التغيير بعد محاولة فاشلة للتغيير تمت في عهد كل من بنيامين نتنياهو وإيهود باراك. ورأي الجمهور الإسرائيلي في شارون الشخصية القادرة علي لعب دور الجد والمقاتل في أوقات الأزمة مع الفلسطينيين. والآن لا يبدو أن إسرائيل تعيش الحدة ذاتها من الأزمة الأمنية مع الفلسطينيين ولا مع العواقب الاقتصادية لهذه الأزمة. وفضلا عن ذلك فإن قادة حزب كديما، في الغالب، ليسوا من النمط الذي يثير انطباعات بالثقة. فإيهود أولمرت ظل شخصية هامشية في الأحزاب التي كان فيها برغم اقترابه واحتكاكه مع مراكز صنع القرار. فهو أحد "أمراء" الليكود الذين تمردوا علي "العائلة المقاتلة" وعادوا إليها أكثر من مرة. وهو، رغم براجماتيته، يجد ملاذه بين الحين والآخر في تشدد أيديولوجي كثيرا ما تبدي في مواقفه من التسوية التفاوضية ومن العرب في القدس. ولذلك ثمة أهمية للخلافات المستترة داخل كديما سواء ما تعلق منها بشمعون بيريز أو بوزير الدفاع شاؤول موفاز. فالعمل تحت إمرة شارون، بالنسبة لهؤلاء وسواهما، يختلف كثيرا عن العمل تحت إمرة إيهود أولمرت. ولذلك ليس من المستبعد أن تشهد الأيام المقبلة نوعا من التشقق في كديما. وقد تبدي ذلك في عدم الاتفاق حتي الآن بين أولمرت وبيريز حول مكانة الأخير في قائمة كديما. ويشير مقربون من بيريز إلي أنه سبق له أن اتفق مع شارون لا فقط علي مكانته في قائمة كديما وإنما كذلك علي وظيفته الهامة في الحكومة المقبلة. وتدور صراعات تحت الطاولة تتجلي الآن، قبل إعلان وفاة شارون، بخلافات حول بقاء وزراء الليكود في الحكومة أو الانسحاب منها الآن. وقد دعا رئيس الكنيست روبي ريفلين إلي انسحاب وزراء الليكود الآن من أجل التفرغ للحملة الانتخابية. كما أن هناك في حزب العمل محاولات جدية من جانب إيهود باراك لخلق أجواء تعيد شمعون بيريز رئيسا لقائمة حزب العمل بدلا من عمير بيرتس بهدف توجيه ضربة لكل من كديما وعمير بيرتس علي حد سواء. وليس من المستبعد أن يقود غياب شارون والضعف الذي يمكن أن يشعر به قادة كديما إلي الشروع بمفاوضات مع شينوي لتوحيد الجهود. وهكذا فإن الصورة السياسية للحلبة الإسرائيلية تبدو اليوم أشد غموضا من أي وقت مضي في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يدفع كثيرا من المعلقين للتكهن بعودة جزء من الجمهور الذي التف حول كديما إلي مواقعه الانتخابية السابقة.