من أجل فهم منظومة العلاقات السائدة في الائتلاف الجديد، ينبغي العودة تقريباً عشرة أيام إلي الوراء، إلي المفاوضات الائتلافية بين كديما وحزب العمل. في ذلك الصباح قرأ ممثلو حزب العمل في الصحف أن داليا إيتسيك سوف تعين رئيسة جديدة للكنيست. وبشكل متوقع لم تطفح قلوبهم بالفخر، لأن إحدي البنات المنشقات عن حزب العمل سوف تصل إلي هذا المنصب السامي. وقال مصدر رفيع المستوي في طاقم المفاوضات من حزب العمل لرجال كديما، نحن لا نريد داليا. ولدينا في الكتلة أناس سوف يرفضون رفع أياديهم للتصويت لمصلحتها بأي شكل من الأشكال. دعونا نتفق علي أن المرشح لهذا المنصب يجب أن يكون مقبولاً علي الحزبين. وليست داليا. لقد صدرت هذه الأقوال عن شخص يعتبر مقرباً جداً من عمير بيرتس. وعندما تحدث أخفض معظم الحاضرين من أفراد طاقمه أنظارهم. إذ إن العديد منهم كانوا شركاء لداليا في العديد من طواقم المفاوضات الائتلافية لحزب العمل في الماضي. ولم يكن هذا التصرف لطيفاً في نظرهم. شعر رجال كديما بارتباك كبير، وسوف يقال في حقهم إنهم أفاقوا من الإرباك بسرعة كبيرة. فردوا علي هذا القول بأنهم لن يحددوا لحزب العمل مرشحه لتولي وزارة التعليم أو السياحة، وأنتم لن تقرروا لنا من يكون رئيساً للكنيست. وينبغي أن يكون هذا واضحاً: كل كتل الائتلاف سوف تصوت إلي جانب الرئيس الذي يقترحه حزب كديما. وكذلك أنتم. وانتهي الأمر بلا شيء. كما لو أن الطرفين اتفقا علي نسيان أن الأمر أثير في النقاش، وكأن أحدا لم يعرض طلباً ولم يكن هناك أي رد. وكانت تلك بمثابة لحظة أخري ضائعة في المفاوضات، وشارة لما ينتظرنا في السنوات المقبلة. نقمة في الحزب الحاكم هل ستستمر سنوات؟ ينظرون في الحلبة السياسية بريبة إلي ذلك. والميل الغالب هو منح الحكومة سنة ونصف السنة، وربما سنتين. وليس هناك أي معطي جوهري وراء هذا التقييم، بل يستند فقط إلي المرارة التي نجمت عن المفاوضات الائتلافية. والحكومة قامت للتوّ، ولكنها شهدت سلسلة من المواجهات والصدامات. وكلها سوف تبلغ الذروة عند سقوط الحكومة، سواء حدث ذلك بعد سنة ونصف أو بعد أربع سنوات. والأمر يبدأ بالعلاقات الشخصية بين عمير بيرتس وإيهود أولمرت. وبخلاف العلاقات العامة التي تحاول إظهار الودّ، التفاهم والتعاون، فإن هامش الريبة ظل قائماً بين الرجلين. وفي حوار مغلق أجراه هذا الأسبوع مع جهة سياسية رفيعة المستوي، لم يدخر أولمرت في الأوصاف السيئة التي أطلقها علي شريكه الجديد. واستذكر أولمرت المفاوضات مع حزب العمل فقال إنها كانت كل لحظة أزمة، وكل دقيقة يتراجعون عن الاتفاقات. فجأة يتقدّمون وحينها يتوقفون، من دون أن يفهم أحد سبب ذلك، ومن دون طيبة، وكنوع من الصغائر. وليس لدي بيرتس، من جانبه، رأي طيب في أولمرت. وكلاهما يعرفان أن هذه شراكة لن تنتهي علي خير، وحتي إن كانت هناك خطة انطواء فإن حزب العمل سوف ينسحب من الحكومة قبل عام من إجراء الانتخابات. فهذه هي القواعد. وفي أفضل الأحوال، فإن الانتخابات سوف يتم تقديمها بعام واحد تقريباً. وهناك جبهة أخري، مركزية، هي النقمة العارمة داخل كديما. ففي هذا الأسبوع اتصل أعضاء كنيست من كديما، كانوا في الماضي من رجال الليكود، بأصدقائهم في الحزب الأم. ويقولون في الليكود، بنوع من التسليم يشبه تسليم الزوجة التي تعلم بخيانة زوجها، إن هؤلاء يقومون دائماً بمثل هذه الاتصالات عندما تواجههم عقبات. وهم يروون، أن أصدقاءهم من كديما يبدون محبَطين وغاضبين. وهم يتذمرون من أن أولمرت نسيهم، بعد أن تركوا كل شيء وساروا خلف شارون في الصحراء نحو الحزب الجديد، حيث كانوا علي استعداد للتضحية بمستقبلهم السياسي، وهم الآن لم يحصلوا حتي علي منصب نائب وزير. ولا ريب في أن المرارة في كديما هي الاستثمار الواعد من الناحية الإعلامية: إذ كيفما نظرتم فإن الأمر سينتهي بانفجار. وهذا الأسبوع قالت مارينا سولدوكين ل "معاريف" إن "أولمرت خان المهاجرين"، وكان بوسع مثل هذا التصريح في أيام شارون أن يضعها في قطيعة مطلقة لشهور، ويبدو أنها ستدفع ثمنا مماثلا هذه المرة أيضاً. ولا يجدر بنا الاستخفاف بالليكود نفسه. فليس هناك أفضل من عرض الحكومة الجديدة لإعادة الاحمرار إلي وجنتي هذا الحزب الذي كثيراً ما أجاد اللذع عندما يكون في المعارضة. وفي كديما يخشون جداً من خبرات جدعون ساعر، الذي سيجعل حياتهم عسيرة. وسوف يتلذّذ ساعر بذلك. وهو يتحين الفرصة لإخراج خصومه البرلمانيين عن طورهم. كما أن هناك أفيجدور ليبرمان، الذي أطلق هذا الأسبوع عدداً كبيراً من الشتائم بالروسية علي شركائه الائتلافيين المحتملين. وقال ليبرمان لرجاله عن رئيس الحكومة، إنه كذب علي. وقال لهم إن وزارة الأمن الداخلي ستكون بين أيدينا، وقام بتهدئتي قبل المؤتمر الصحفي من أجل أن لا أعلن أننا بتنا خارج المفاوضات. لقد أراد تخفيض ثمن شاس علي ظهورنا، وهو لم يكن يقصد البتة إعطاءنا وزارة الأمن الداخلي. غير أن لدي رجال كديما رواية معاكسة. ففي صباح يوم الاثنين الماضي، كما يقولون، اتصل أولمرت بأفيجدور ليبرمان. وفي مساء اليوم السابق كان قد أرسل يورام طورفوفيتش إلي إسرائيل بيتنا لاستيضاح مطالبها الحقيقية، ليس لغرض المساومة، وإنما من أجل إبرام صفقة. وعاد طورفوفيتش مع قائمة مشتريات طويلة أملاها ليبرمان، ولكن حاييم رامون الذي يعتبر من أبرز الداعين لإشراك ليبرمان قال إنه لا زال هناك ما يمكن الحديث فيه. في ذلك الصباح تمّ استدعاء مرشحي كديما للمناصب الوزارية لحوارات شخصية مع أولمرت، من أجل إبلاغهم بمناصبهم. ويقولون في كديما إن أولمرت أراد حينها أن يعرف إن كانت لا تزال هناك فرصة لعقد صفقة مبدئية مع إسرائيل بيتنا، وفعل ذلك خلال ساعتين. وقال أولمرت لرجاله، لا أريد وساطات، وإنما أريدهم في داخل الحكومة. سوف أتحدث مع ليبرمان مباشرة. وعندما تحدّثا هاتفياً، أخذ رئيس الحكومة قلماً وورقة وشرع بكتابة مطالب زعيم إسرائيل بيتنا. وكانت مطالب مذهلة: فقد طلب ليبرمان حقيبة البناء والإسكان، بما في ذلك الإشراف علي سلطة أراضي إسرائيل، إضافة للدورية الخضراء وسلطة منع البناء غير المشروع. والمكوّنات الثلاثة الأخيرة تسمّي ملف البدو، ولا ريب أن علي البدو تهنئة أنفسهم علي الحظ السعيد لأن ليبرمان لم ينل هذه المطالب. كما أن ليبرمان طلب أيضاً وزارة الأمن الداخلي ووزارة الهجرة والاستيعاب، ووزيراً من دون حقيبة، وعضوين في المجلس الوزاري المصغّر والسيطرة علي جهاز "نتيف" للهجرة من شرق أوروبا والتي صار مكتب ارتباط مع يهود روسيا. وانتهي اللقاء في جو عسير. ووضع أولمرت سماعة الهاتف جانباً وقال لرجال مكتبه إن ليبرمان علي ما يبدو يريد البقاء خارج الحكومة. الأشكناز يقرّرون غير أن المفتاح الأهم لفهم عمر الحكومة الجديدة يقع بأيدي يهدوت هتوراه. وفي الأيام الأخيرة بدا أعضاؤها وكأنهم أعضاء معارضة عاديون. وهم يقولون إن المفاوضات تفجّرت، وأن كديما لم تحاول التقرّب منهم، وأن الحكومة ستسقط قريباً جداً. ولديهم ألقاب سيئة يطلقونها علي زملائهم من شاس، إضافة إلي نوع من الإحساس الغريب بالمهانة والريبة: كيف تجرأت شاس علي دخول الحكومة من دون الأشكناز. وقد اتصل أعضاء الكنيست الحريديم يوم الأربعاء الماضي مع زملائهم في المعارضة وأبلغوهم أن يهدوت هتوراه سوف تصوّت، بأمر من الحاخامات، ضد الحكومة الجديدة عند عرضها في الكنيست. وقبل ليلة من ذلك كان عضو الكنيست يعقوب ليتسمان، الذي يعتبر عنصر اعتدال في يهدوت هتوراه، قد أعلن أنه يستقيل من منصبه كرئيس للجنة المالية. وفقط مساعي الإقناع التي بذلها قادة كديما هي من أبقته في منصبه. ويهدوت هتوراه باتت صاحبة شأن حاسم في الحكومة الجديدة. فشاس لا تستطيع السماح لنفسها أن تكون الحزب اليميني الوحيد والحزب الديني الوحيد في الائتلاف. فالحريديون سوف يلحقونها من الخارج وسيمارسون عليها ضغوطاً دائمة وستنضمّ إليهم في ذلك أحزاب اليمين. وفي محيط أولمرت يعترفون أن الائتلاف الراهن، من دون يهدوت هتوراه، هو ائتلاف قصير العمر بالتأكيد. ويقول عضو الكنيست ليتسمان بارتياح أن هناك ائتلافاً وهناك معارضة ولكن ليس هناك "ائتارضة". وطوال كل فترة المفاوضات كانت هناك حالة فرح بأننا في داخل الحكومة. لقد تعاملوا معنا وكأننا في جيوبهم. وطلبنا منهم أمر مخصصات الأطفال. ووعدونا بالجواب. وجاء الجواب فقط بعد ثلاثة أسابيع، وهو أن مخصصات الأطفال بالنسبة إليهم قضية مبدئية. وإذا كانت مخصصات الأطفال قد تحولت عند كديما إلي قضية لا يمكن التساهل فيها، فليس بيننا وبينهم أي حوار. إنهم سيغدون مثل شينوي. وفي كديما يزعمون بشدة أن المشكلة بأسرها نشأت بسبب المناصب. ويقولون إن يهدوت هتوراة طلبت أربعة مناصب ولم يكن بوسعنا إعطاءهم سوي منصبين أو ثلاثة. وهذا كل شيء. ولكن هذا الزعم لا يروق لليتسمان. وهو يقول إن تكرار الكذبة أربع مرات لا يجعل منها حقيقة. لقد افترضوا طوال المفاوضات أننا في الحكومة ولم يتحدثوا إلينا البتة. والتقدير هو أن الأزمة ستجد حلاً لها. والأساس أن كديما ملزمة بإبقاء الحريديم في داخل الحكومة، وهذا يعني أن الثمن قد يكون عالياً جداً.