لك الرحمة ياقشاش أنت ورفيق صباك الجنيه (الغاطس)، الذي كان في يوم من الأيام أغلي من الجنيه الذهب بنصف (فرنك). لاشك أن السكة الحديد"السابقة" تختلف كثيراً عن كريمتها الحالية؛ فالسابقة كانت وسيلة مواصلات وساعة في نفس الوقت؛ علاوة علي اهتمامها بالغلابة والمقاطيع؛ خاصة المدفونين أحياء في المقبرة الجماعية المسماه: صعيد مصر؛ فالقديمة كانت"شاعرة" بهم وحاسة بمعاناتهم بعكس حديدية هذه الأيام المباركة التي مسحت بأستيكة معظم الخطوط التي كتبتها الست والدتها قبل رحيلها إلي دارالبقاء. فمثلا كانت السكة الحديد"الأم" تسيرعلي خطوطها بالصعيد قطارات تُسمي"القشاش"؛ ولم يقل لنا أحد معاصريها سبب تسميتها هكذا؛ هل لأنها كانت" تقش" الركاب كما يقش"ولد الكوتشينة" الورق؛ أو كما يقش"قرع الثقافة" محاولات الإصلاح؛ أم أنها سُميت قطارات"قشاشة" تخليداً لذكري المعركة التاريخية؛التي وقعت بين كاشورتين بأحد هذه القطارات باستخدام"المقشات"؛ ولكن في كل الأحوال يعتقد الفقهاء أن السكة الحديد"الأم"حجزت لنفسها مقعداً مع"الخالدات" بسبب تسيير قطارات"القشاش" علي خطوطها بالصعيد؛ فهذا القطار لم يكن فقط يحمل الصعايدة مع قففهم وبلاليصهم؛ وإنما كان أيضا"حمّال أسية" ويقال إن الفنانة"فايزة واست القطار"القشاش" بأغنيتها الرائعة:"حمّال الأسية"؛ لأن الصعايدة كانوا يداعبونه ويسخرون منه ومن مشيته الهادئة كمشية العظماء؛ فيسمعونه كلاما ثقيلا لايحتمل؛ لدرجة أنه أكثر من مرة حاول الانتحار؛ بإلقاء نفسه بركابه في الترعة المجاورة؛ لولا أنهم كانوا يلحقونه في آخر لحظة وطيبوا خاطره؛ وبعدها لم يثبت أنه حاول ممارسة هواية القفز بركابه من فوق الشريط الحديدي؛مثلما تفعل-دورياً- قطارات هذه الأيام السعيدة. والقطارات القشاشة كانت تخدم الركاب الغلابة والمقاطيع"بالدرجة الأولي"؛ وبرغم كل شيء كانت مزاياها أكثر بكثيرمما يقوله الحديديون الجدد عن عيوبها؛فمع أنها لم تكن تصلح إلا لشحن المواشي والحمير؛ ونادراً ما كانت توجد بها لمبات للإضاءة ليلا؛ إلا أنها كانت أكثر أماناً من قطارات"القفزالعالي"الحالية؛إذ لم يكن القشاش ينافسها في ممارسة هذه الهواية؛ وحتي في المرات النادرة التي استعد شفيها القشاش للقيام بإحدي العمليات الانتحارية؛ استطاع ركابه في كل مرة النجاة بسلام قبل اكتمال العملية؛ بعكس القطارات الحالية التي إن تحفزت للقيام بعملية انتحارية دورية فلابد من إكمالها للنهاية علي أيدي الحانوتية وزملائهم أصحاب مؤسسة :"وحدوووووه"!. والمدهش؛ أن كثيراً من الصعايدة كانوا يضبطون ساعاتهم علي القطارات القشاشة؛ لذلك كانت تسمي هذه القطارات بمواعيدها؛ فيقال مثلا قطار العاشرة أو الواحدة؛ بدلا من اسم القطار أورقمه؛ ونادراً ما كان القشاش يتأخر عن ميعاده؛ وممايروي عن انضباطه في المواعيد؛ أن الإذاعة أخطأت مرة وقالت :"الساعة الآن الواحدة"؛ عندما تصادف وصول قشاش العاشرة ؛ فتراهن بعض الركاب علي صحة الوقت؛ وسرعان ما أعلنت الإذاعة تصحيح الخطأ بأن الساعة العاشرة لا الواحدة ؛فكسب أنصار القشاش الرهان وخسره أتباع"ماسبيرو". ولكن اختفي القشاش الآن؛ ومما يتردد عن سبب اختفائه أن الهيئة الحديدية اعتبرته عاراً لا يناسب رقيها؛ علاوة علي أن مشيته الهادئة تعطل قطاراتها الرياضية الحديثة عن القيام برياضة"القفز العالي"بركابها نحو الترعة؛ بالإضافة إلي أن انضباط مواعيد القطارات القشاشة؛ يتنافي مع اللخبطة الحالية في مواعيد القطارات المفتخرة؛ فيظهربذلك عيوب الهيئة الحديدية؛ ويعرقل خطوات توصيل تذاكر المقاعد المحجوزة لمستحقيها من"آل شخللة"وعائلة" قرعايه"الذين يمتلكون حاليا ثلاثة أرباع الهيئة ؛أما الربع الباقي فيتنازع علي امتلاكه أنجال"المرحوم بلوشي" مع أولاد"الحاجة مصلحة". وآخر ما سمعناه عن القطارات القشاشة ؛أن الهيئة الحديدية أجبرتها علي ابتلاع عربة محملة" بالظلط"؛ فلفظت تلك القطارات أنفاسها الأخيرة في مخابئها السرية؛ ولحقت بالجنيه الذي غطس في مياه الصرف وتظهر"بقابيقه"علي السطح من وقت إلي آخر.. لك الرحمة ياقشاش أنت ورفيق صباك الجنيه"الغاطس"؛ الذي كان في يوم من الأيام أغلي من الجنيه الذهب بنصف"فرنك"؛ إذ مما يذكره الستينيون والسبعينيون الحاليون - مد الله في أعمارهم-؛ أنهم كلما أرادوا تغيير جنيه ذهبي بجنيه ورقي؛ أعطوا للبوسطة الجنيه الذهبي ونصف" فرنك" ليأخذوا جنيها ورقيا !!!؛ وهذه إحدي الحقائق المعروفة عن الأيام الذهبية.