نعم اصبحنا علي شفا حفرة من الدم، بل اصبحنا في عمق الحفرة، . وتفجير الاسكندرية لم يكن الاول ولن يكون الاخير. وعلينا ان نملك القوة و الشجاعة لنقول ان الضحية القادمة، ربما يكون انا او انت، ربما يكون ابني الكبير او ابنتك الصغيرة، وربما يكون طفلا رضيعا لم تخط الايام بعد علي ذاكرته اي حدث من احداث اية مرحلة من المراحل الحاسمة في تاريخ امتنا، تلك المراحل الحاسمة التي لاتنتهي، ولانعرف علي وجه اليقين ماهو وجه الحسم ومتي تأتي مرحلة غير حاسمة، يعم فيها السلام والاطمئنان. في سباق القتل المجاني الذي يحدث في الكثير من بقاع الارض ربما تكون الضحية هي امي، او امك، هي التي مازالت تدعو لنا بالخير، وان يكون لنا في كل خطوة سلامة. لكن سلامة لم يعد في خير، انما اصبح عرضة للظلم، وللخوف وللرعب، وللقتل، واصبح ايضا عرضة للتحول فجاة بدون اسباب ظاهرة اومخفية، الي اشلاء تتناثر في كل ارجاء الكون، لتعلن عن همجية بعض البشر في غابة الحضارة المنكوبة.كان قتل كلبه الجيران في فيلم ( النافذة الخلفية )، الذي اخرجه الفريد هتشكوك عام، 1954حدثا كبيرا اثار الشفقة والفزع عند صاحبته، وعند جيف بطل الفيلم. وعندما سالوا هتشكوك لماذا قدم فيلم ( سايكو ) بالابيض والاسود عام، 1960 قال انه اشفق علي جمهور المشاهدين من رؤية لون الدماء وهي تسيل من بطلة الفيلم ماريون عندما انقض عليها نورمان بطل الفيلم ليطعنها وهي عارية طعنات متواصلة حتي الموت، في مشهد الحمام الشهير. لكن يمكن القول ان المخرج الاميركي اوليفر ستون افتتح عصر القتل المجاني في السينما المعاصرة بفيلمه الشهير (ولدوا ليقتلوا ) 1994 عندما غطي الشاشة بدماء ضحايا بطلي فيلمه ميكي ومالوري، وكان يبدو ان الفيلم اطلق الشرارة الاولي لظهور مجموعة من الافلام اغرقت الشاشة الكبيرة بسيل من الدماء المسفوحة بسبب ودون سبب وكان علي رأسها ( اقتل بيل ) بجزئيه، و( مدينة الخطيئة ). وغيرها. لكن من المهم ان نذكر ان التجاذب بين عنف السينما، وعنف الواقع، كان يغذيه دائما وعلي مرالسنوات حروب دامية تخلف ضحايا بالملايين، ويتسبب في اشعالها بشر مرضي بالسلطة والتسلط. هذا غير اطماع افراد ومنظمات وحكومات تتغذي علي اشعال الفتنة، واللعب علي الفروقات المذهبية والطائفية. وفي سباق العنف كان للواقع ان ينتصر علي السينما في النهاية ليقدم لنا كل يوم مع قهوة الصباح ( كفعل اجباري نكرهه ) عصائر مركزة من دماء ابرياء كتب عليهم ان يدفعوا فواتير كهرباء لم تضئ حياتهم. وثمن غذاء لم يتناولوه.و يحرمون من اوقات فرح لم يشعروا بها. وكان عليهم اخيرا ان يدفعوا حساب قوي متصارعة لم ينتموا لها. ويخوضوا معارك، لم يكونوا طرفا فيها. كيف سنواجه الالغام المزروعة الان في كل مكان بعد حادثة الاسكندرية. واقول في كل مكان لان هناك اوضاعا متفجرة في غزة، وفي لبنان، وفي السودان، وفي افغانستان، وفي باكستان، وفي ايران، وفي العراق، وفي اوروبا. ذلك لان الارهاب اصبح صناعة مهمة، وتجارة رابحة، تخصص لها المليارات من اموال الاقتصاد الاسود الذي يتكسب من بيع المخدرات والدعارة ثم غسيل الاموال بعد غسيل العقول. انها العقول الفاسدة التي تصبح بعد حين قادرة علي قلب الحق الي باطل، والباطل الي حق. هذه العقول المغيبة التي تقع فريسة لتفسيرات دينية تحلل الحرام، وتحرم الحلال، وتكفر كل من يختلف معها وتبيح دمه. هذة العقول اصبحت خالية من الاحساس، وخالية من الضمير لاتعرف الا لغة واحدة هي لغة الدم. وهي عقول جبانة، وعمياء، تختبيء في اعماق البحار مثل سمك القرش. ولاتظهر الا في الظلام مثل دراكولا. ماحدث في الاسكندرية لايجب ان يمر مرور الكرام رغم قناعتي التامة بان شعب مصر من المسلمين والمسيحيين علي قدر كبير من الوعي بان هناك مؤامرة كبيرة تستهدف الجميع وتسعي لاجهاض بقايا احلامنا في غد افضل. و من المهم ان نخطو خطوات بحجم الكارثة. لا يكفي الادانة والتنديد والحداد. ولايكفي اقامة مؤتمر محلي اوعربي اوعالمي للارهاب. ولايكفي تجديد الهروات وتشديد الحراسات. ولايكفي اقامة ندوات وعمل محاضرات. ولايكفي بعض مظاهرات شكلية ديكورية تنادي بالوحدة الوطنية. اهم من ذلك كله هو زرع الارض بالعدل، وتحصين الحياة بالحرية المسؤولة. حتي لاتكون اجسادنا وعقولنا نهبا للجهل والمرض والفكر الواحد. واهم من ذلك كله ان تكون لدينا القدرة لنكتشف بسرعة الجناة وننزل بهم اقصي العقاب ليكونوا عبرة لمن لايعتبر. اوليفر ستون عندما ضرب بعرض الحائط وطوله، خجل هتشكوك بان يري المشاهد لون الدم الاحمر كان محقا. ومن المتوقع ان تظل السينما لسنوات طويلة عاجزة عن اللحاق بعنف الحياة.