وكأنني مواطن من زيمبابوي جئت الي القاهرة في زيارة لعدة أيام ..! أتابع ما يجري فيها عبر شاشات التليفزيون وأنا ممدد في فراشي بعيون نصف نائمة ..! رغم ما يتردد حولي من أن ما يجري في القاهرة ..في مصر خطير للغاية ..! انتخابات 28 نوفمبر.. وزير التضامن الاجتماعي الدكتور علي المصيلحي يصفها بأنها الأخطر في تاريخ مصر..! أهذا سبب أزمتي.. أن الدكتور المصيلحي يري ما لا أري ؟.. هو يراها الأخطر ..واني أري أنها لاتعني سوي5720 مرشحا..وبضعة آلاف من أعوانهم..الذين ينتظرون تسديد فاتورة خدماتهم بدءا من التهليل والتطبيل وانتهاء بالبلطجة ..! أهذا موقف طبيعي لي كمواطن مصري ..ولد من أب مصري وأم مصرية ..وكل جدودي مصريون ..! لكنني بالفعل معني ..لأسباب مهنية ..صفحة عن الانتخابات نقدمها للقاريء يوميا تقتضي مهام عملي أن أشارك في الاشراف عليها..! خلال سني الجامعة ..كنت أحشد زملاء الدراسة في قريتي في العطلة الصيفية لنقيم مشروعات لتقوية الطلاب ومحو أمية الفلاحين..وبالطبع أثار المشروع مع نجاحه حفيظة الكثيرين .. ! وأتذكر تعليقا غريبا داهمني به أحد هؤلاء وكان مدرسا في المدرسة الاعدادية ..حيث قال لي : باين عليك ناوي ترشح نفسك في انتخابات مجلس الشعب ..بس انت صغير..دا انت لسه ما وصلتش 20 سنة !! ومنذ عدة شهور وأنا أطرق أبواب المسئولين في محافظة الدقهلية ليضعوا قريتي المنسية علي خرائط التنمية في المحافظة ..قالها لي موظف في الوحدة المحلية : انت وغيرك بتجروا دلوقتي علشان الانتخابات وبعد كده هتختفوا ..! والعبارة تهبط علي رأسي كالصاعقة ..مثلي هل يمكن أن يتقدم بأوراق ترشيحه لأية انتخابات عامة ولو علي مستوي المجلس المحلي للقرية ؟ هل يمكن أن يحدث هذا وما سبق لي حتي أن أدليت بصوتي كناخب الا مرة واحدة..! وكانت تجربة مرة ..في الانتخابات البرلمانية الماضية ..عثرت بين المرشحين في دائرتي مركز بلقاس دقهلية وجها مقبولا ..ثقافة ونزاهة ..قلت ينبعي أن أسلك سلوكا ايجابيا كمواطن مصري صالح ..وأسافر لقريتي للادلاء بصوتي لهذ المرشح ..قدم نفسه لأبناء الدائرة كمرشح مستقل ..وهذا سبب ثالث وجوهري دفعني الي التواجد في لجنة الانتخابات منذ الصباح الباكر.. أنه مستقل..ونجح ! لكن لم تمض سوي بضعة أيام الا وعلمت أنه انضم للحزب الوطني ألهذا انسحب بعيدا عما يجري ..! وما أهمية انسحاب مواطن ؟ قد يتساءل غيري في سخرية ..لكن ألايمكن أن يكون هذا المواطن نسخة مكررة من 80 مليوناً ..هؤلاء الذين يطلقون عليهم الأغلبية الصامتة ..؟!ذلك هو الخطر الأشد الذي يمكن أن يهددنا .. الانتخابات التي ينبغي أن تعني كل الشعب ..لايبالي بها السواد الأعظم ..من الشعب ! ولم لا أغادر شرنقتي وأكون إيجابيا وأشارك فيما يجري ..؟ كيف أمسك بقلمي وأكتب مقالات سياسية وأدبا حول هموم وأحلام الناس في بلادي..وأحظي بعضوية اثنتين من أهم منظماتنا المدنية ..اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين ...ثم أحجم عن ممارسة أبسط حقوق المواطنة ..أن أكون ناخبا ..!؟لماذا أزنزن نفسي في شرنقة اليأس ؟ ..لماذا لاأصدق أن ال 5720مرشحا ..ليسوا 5720 متربصا ببلادي ..بل أبطالا .. مثل أبطال حرب أكتوبر ..والا ما الذي يدفع المئات منهم الي انفاق الملايين من أجل مقعد تحت القبة ..؟ما الذي يدفعهم الي تجييش الأعوان وتأجير الفتوات و تسليح البلطجية الا اذا كانوا مدفوعين بعشقهم لهذا البلد .. يتصارعون من أجل رفاهيته..! لماذا لا أري فيهم سوي مقامر تتقاطع طموحاته مع طموحات الوطن أو عاشق ساذج لتراب الوطن يظن أن بمقدوره أن ينجح ويفعل شيئا من أجل الوطن الذي يعشق .. لماذا أراها حربا غير مقدسة تلك التي يخوضونها ! وما أكثر الأسئلة التي تنغرس في مسامي لتحيل احساسي بالمواطنة الي جحيم ..فان اتخذت قرارا بالتطهر منها يداهمني الواقع بما يبدد قراري ..هشام عبد الحميد عناني أمين الحزب الوطني بميت غمر ورئيس المجلس الشعبي المحلي للمدينة.. حين علم بأن الحزب لم يأت به مرشحا ..تقدم بطلب لاعفائه من موقعه كأمين للحزب بالمدينة ليتمكن من ترشيح نفسه كمستقل ..وهذه فقرة من اعتذاره الذي تقدم به للحزب "أتقدم بهذا الاعتذار المسبب عن تكملة تكليفي كأمين لأمانة بندر ميت غمر مع كامل الود والتقدير للفترة السابقة كأحد الجنود المخلصين في أمانة الدقهلية واليوم أتقدم باعتذاري مع كامل أسفي مع احتفاظي بعضويتي كعضو من أعضاء الحزب الوطني بالدقهلية" ! وكأن استقالته ..اعتذاره.. أخدود هائل يشطرني عن أكون المواطن الناخب ..!ولاأدري .. لو كنت من أبناء دائرة المرشح المحترم ..فعلي أي أساس أيديولوجي أقيمه ..كعضو في الحزب الوطني أم كمستقل ..!عضو في الحزب ويرشح نفسه مستقلا.. ! كيف يتقبل نظامنا التشريعي هذا العبث ..؟..انني حين أمنح مرشحا مستقلا صوتي فهذا يعني ببساطة وجلاء تام أن عقدا وقعته معه ..أن أمنحه صوتي في مقابل أن يمارس دوره البرلماني ممثلا عني طبقا للهوية التي قدم نفسه لي بها وانتخبته علي أساسها ..فان فاجأني وانضم الي أي من الاحزاب ..كان هذا اخلالا صارخا بمتن العقد المبرم بيني وبينه يستوجب مقاضاته وطرده من البرلمان ..! تكرر الأمر مرارا في انتخابات سابقة .. وكانت دائما عودة حميدة لكل منشق الي حزبه ..بالطبع بعد أن نجح في الانتخابات ..وليذهب الناخب الذي منحه صوته الي الجحيم ..! وحنان الزهيري المذيعة بقناة بدر والعضوة بالحزب الوطني تلك التي شعرت بأن الحزب لن يرشحها فلاذت بحزب الجيل .. ونظريا يفترض أن لكل من الحزبين فكره وأيديولوجيته ..ان كانت لأحزابنا أفكار وأيديولوجيات !هل سبق وأن انضمت للحزب الوطني انبهارا بسياساته وأفكاره ! ..فكيف يخبو هذا الانبهار فجأة وعشية الانتخابات ..! تلك الانشقاقات التي يشهدها الحزب الوطني ..كنت أتمني أن تحدث نتيجة الاعتراض علي قانون ما يقف وراءه الحزب أو سياسة بعينها يتبناها الحزب ..ولاتعجب هذا العضو أو ذاك ..فيعلن عن انسحابه ..لكنها انشقاقات لأن الاختيار لم يقع عليهم كمرشحين للحزب ..مما يمثل تهديدا لطموحاتهم الخاصة والخاصةجدا .. لو هؤلاء يشعرون بانتماء حقيقي للحزب هل سيتخذون هذا القرار الرهيب بالانشقاق..! أليس الذي يحدث في سوق عكاظ هذا ....برهانا يقدم مجانا الي هؤلاء الذين يراهنون دائما علي استحالة تشييد حياة ديموقراطية حقيقية في هذا البلد ..!لكن للأسف أن بعضا ممن يشاركون في لعبة الديموقراطية التي تجري الآن من أنصار هذا المفهوم ..أن الشعب المصري لم يصل بعد الي سن الرشد ليمارس الديموقراطية! فلماذا يشاركون اذن في اللعبة ..؟ الاجابة ببساطة.. لأنها لعبة !!!!