أزمة مياه (نهر النيل) هي آخر الأزمات التي نفيق عليها والتي أتتنا من جانب (أشقائنا) في أدغال إفريقيا والذين تربطنا بهم علاقات قوية ووطيدة قادرين من خلالها علي معالجة هذا الجرح الكبير الذي أحدثه هؤلاء الأشقاء لشقيقتهم الكبري مصر من جراء توقيعهم للاتفاقية الإطارية لتقاسم ميه النهر المقدس بدون مصر والسودان. فإذا كنا قد أهملنا دورنا في هذه البلدان السمراء الشقيقة لظروف ومستجدات اقليمية ودولية فإنه يكفي أن نذكر أن التعاون والروابط مع هذه الدول ليس وليد اللحظة وإنما هو منذ قديم الأزل، فيكفي أن نعرف أنه في عهد (محمد علي باشا) ذلك القائد الألباني وقد وصلت إلي أذهان عصورها (عبر التاريخ بأكمله) حتي أن الاسطول المصري في البحر المتوسط وصل إلي حدود (الأستانة) وصارت مصر ثالث قوة علي وجه الأرض بعد الانجليز والفرنسيين بالإضافة إلي الامبراطورية العثمانية المترامية الأطراف والتي تجاوزتها القوة المصرية في بعض الأحوال حتي أن (محمد علي باشا) كان يرسل البعثات الاستكشافية والعلمية إلي الدول الافريقية خاصة دول منبع نهر النيل إيماناً منه بأن النيل ليس هبة المصريين فقط، ولكنه شريان الحياة لهم. والقيام بالمشاريع المشتركة علي ضفاف النهر العظيم في بعض هذه الدول وهو ما استمر حتي يومنا هذا وإن لم يكن بنفس الحماسة والكفاءة ولكن مصر أبداً لم ولن تنسي العمق الجنوبي لها فهو الدرع الواقية لنا من الجنوب والذي يمدنا بشريان الحياة، نهر النيل الذي قدسه قدماؤنا المصريون وأيضاً قدسه كل من جلس علي الحكم حتي الآن، ومصر لم تنس دورها في افريقيا ولا حماية مصالحنا في هذه الدول التي تعتبر اشقاء لنا، فإذا كانت أزمة مياه النيل قد أحدثت شرخاً كبيراً وتصدعاً في العلاقة ما بين مصر والدول الافريقية التي تشاركنا مياهه فإننا لا يجب أن ننسي أننا بمثابة الشقيق والأخ الأكبر أيضاً لأشقائنا وجيراننا الأفارقة فإذا كنا قد تراجعنا (بعض الشيء) لظروف خارجة عن إرادتنا عن لعب الدور المنوط بنا في هذه البلدان يوماً ما باعتبارنا (وبدون مبالغة ولا تكبر علي أحد) الدولة الكبري والأكثر ثقلاً افريقياً وعربياً.