ستيقظنا في الثامن والعشرين علي خبر وقعَ علي كالصاعقة.. وانقلبت الفرحة بالتخرج للانضمام الي صفوف القوات المسلحة كمُقاتل يحلم بتحرير أرض وطنه الغالي المُغتصبة الي حُزن وبُكاء وقلق علي مُستقبل عملية التحرير التي كُنت في هذه السن لا أتصور قائداً آخر يمكنه أن يقودها غيرُ عبد الناصر من الجميل أن نجد اهتماماً كبيراً ومُفاجئاً يسمح بإحياء ذكري أحد زُعمائنا بعد أربعين عاماً من وفَاته.. صحيح إنه من المُؤكد أن عبد الناصر من الزعماء التاريخيين.. سواءً أيدناه أو اختلفنا معه.. الزعيم الذي تمرعلينا ذكري وفاته هذه الايام.. وهذه ذكري لها عندي ذكريات خاصة.. فقد توفي وأنا أستعد مع زُملائي من طلبة الكلية الحربية لاستقباله مع الرئيس الليبي مُعمر القذافي والرئيس السوداني جعفرنُميري لحضورحفل التخرج في الثلاثين من شهرسبتمبر ولكننا أستيقظنا في الثامن والعشرين علي خبر وقعَ علي كالصاعقة.. وانقلبت الفرحة بالتخرج للانضمام الي صفوف القوات المسلحة كمُقاتل يحلم بتحرير أرض وطنه الغالي المُغتصبة الي حُزن وبُكاء وقلق علي مُستقبل عملية التحرير التي كُنت في هذه السن لا أتصور قائداً آخر يمكنه أن يقودها غيرُ عبد الناصر واُلغي حفل التخرج لنُشارك في تشييع جنازة الرئيس عبد الناصرفي وسط الجماهير الغفيرة المُندفعة في جنازة لم يرها العالم من قبل.. لقد حَزنت عليه كثيراً فقد جاءالحب من الجو العام الرسمي والشعبي المصري والعربي وكاريزما شخصية عبد الناصر وخِطاباته النارية التي تُلامس أوتارمَشاعرالعِزة والكرامة والوطنية والقرارات الاشتراكية والنقلة الاجتماعية المُتسرعة التي لم يستوعبهاعامة الشعب.. لقد اشتاق جميع المصريين لزعيم يأخذ بيدهم الي التحرر والتقدم والنماء.. وعندما وجدوا في عبد الناصرالمُنقذ انصهر الشعب في شخصيته للدرجة التي جَعلتنا نؤيد دون وعي كل قراراته.. وأصبحنا نَعتمدُ عليه اعتماد الطفل لابيه الذي يحبه.. لقد سَلبنا لُبنا.. فأصبحنا نسير خلفه سواءً أخذنا للنهر لنشرب أوللنزول إليه دون أن نعرف السباحة.. هذا الحب الذي أعمانا عن حقائق مؤلمة.. بالرغم إننا لا نَستطيع أن نُنكر عليه حُبه الشديد لبلده وشعبه.. لا نستطيع أن نُنكر عليه أمانته ونَزاهته.. ولا نَستطيع أن نُنكر عليه وطنيته وقوميته العربية.. التي لم تكن يتبناها أغلب القادة العرب وليست بنفس القدر عند الباقين.. ولولا بِطانة السوء التي زينت له أنه الزعيم الذي لا يخطئ.. وهونفس الوتر الذي لعب عليه الغرب والدول الإستعمارية وأغلب الحُكام العرب الذين كانوا يتمنون القضاء عليه لتأثيره علي شُعوبهم وشاركنا نحن كشعب في ِزيادة هذا الشعورالذي رَسخَ حُكم الفرد.. فتآمر عليه وعلينا الجميع مُستغلين مُكونات شخصية الزعيم الذي أيدناه في كل كلمة قالها وكل خُطوة خَطاها وكل قراراتخذه.. فنحن شعب لايوجد مِثله بين شعوب الأرض.. فلم نَسمع عن شعب يندفع مُطالبا ببقاء قائد تسبب في نكسته.. (وهي إحدي جينات العاطفة المدمرة لشعبنا).. النكسة التي لخصت سلبيات الفترة من عام52 الي عام67 والتي أخذت معها كل مكاسب نفس الفترة.. بل كانت لها تداعياتها التي نُعاني منها حتي الآن.. فبالرغم من أن درس النكسة وتمسُك الجماهير به قد أصاب عبدالناصر إصابة جَعلته يفيق من أحلام تفوق قُدرته وقدرتنا جعلته يضع أمامة هدفاً واحداً كرس له ما تبقي من حياته وهوتحريرالأرض التي احتلها العدو والتي كان لها من الآثار الكارثية علي كل مناحي حياتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. الاقتصادية لتكريس كل الموارد والإمكانات بل والقروض لإزالة آثار العدوان.. والسياسية فقد تسببت النكسة في فقد كثير من مكانتنا وتأثيرنا العربي الذي باركه كثير من الحكام العرب وكذا الإقليمي والإفريقي والدولي.. والاجتماعية والتي حدث بها ارتداد لتأثر القيم والأخلاق والمبادئ من آثار تدني الحالة الاقتصادية والتهجير والتي لم نَستطع استردادها حتي الآن بالرغم من استردادنا للأرض في حالة من حالات الإصرار والانصهار والتضحية والفداء النادرة لكل قوي الشعب يتقدمهم قواتنا المسلحة الفتية التي خَاضت حرباً لم يتخيل نتائجُها أكثرالمُتفائلين في العالم حتي الخُبراء العسكريين في السادس من أكتوبر 73..والتي لم نَستطع استثمارها في العودة للقيم والمبادئ التي كنا نُباهي بها العالم.. فأستغل الانتصار من استغله وتكونت طبقات طُفيلية سيطرت علي الحياة في مِصر.. فاستمرالتراجع لنصل الي ما نحن فيه مُستسلمين لليأس.. فانتشر الفساد الذي لولا عناية الله لهذا البلد لانهار.. فهل نثق في الله وانفسنا لتعود لمصرلمكانتها وتستطيع أن تتقدم?!.. نرجو ذلك.. ولن نفقد الأمل. Email:[email protected]