هل تفتقد الدراما المصرية للغة الحب والتدين؟ خلال العاملين الماضيين انتشرت المسلسلات التركية علي شاشة القنوات المصرية وكسرت قاعدة ما يقال عن أن الدراما تفسد عندما تزيد حلقات المسلسل الواحد علي 15 حلقة حيث يصل عدد حلقات المسلسل التركي الواحد إلي ما يفوق ال .100. حلقة وحينما نظر البعض للمسلسلات، التركية علي أنها ظاهرة لن تستمر وأنها غزت السوق المصري والعربي بالمصادفة ورغم ذلك انتشرت اسماء أبطالها نور ومهند وعاصي لتصبح مثار حديث كل أسرة مصرية وعند سؤال أي من يشاهدها خصوصاً من الفتيات عن سر تعلقها بهذه النوعية من المسلسلات تكون الاجابة السريعة لأنها تحتوي علي قدر كبير من الرومانسية أما الزوجات فقلن إن هذه المسلسلات تتعرض للحياة الزوجية بالشكل الذي يجب أن يكون.. في حين نظر لنا الأبناء والأجداد علي أنها مسلسلات تعبر عن العلاقة الأسرية الحميمة. مؤخراً بدأت المسلسلات الإيرانية أيضاً تغزو الشاشة العربية من خلال مسلسل .يوسف الصديق. فالمسلسل رغم أنه سبق عرضن منذ عدة سنوات إلا أنه عند عرضن علي شاشة مصرية أصبح له مذاقاً خاصاً وحصد أعلي نسبة من المشاهدة رغم أنه يواجه اعتراضات شديدة من شريحة كبيرة لأنه يجسد صورة الأنبياء إضافة إلي الرفض الصريح من الأزهر الشريف. عندما تسأل كل من يشاهد مسلسل .يوسف الصديق. فلن يتطرق من قريب أو بعيد عن ظهور الأنبياء علي الشاشة ولكنه يتحدث إليك عن وجهات نظر أخري تدور حول السرد التاريخي لقصة سيدنا يوسف ويحدثك عن التدين والتواضع والسماحة ويذهب للأمور الفنية فيحدثك عن الديكور الرائع ويقارن بين ديكور المسلسلات المصرية وديكورات هذا المسلسل ولذا رحل مهندس ديكوره قبل أن يخرج المسلسل إلي النور ويحدثونك عن التسلسل التاريخ لحقبة شديدة الأهمية لمصر الفرعونية لدرجة تعلق أبناء المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية بها.. بل وصل الأمر إلي حد اهتمام دارس التاريخ الفرعوني في كليات الآداب به.. والأغرب أن هناك من يحدثك عن الموسيقي التصويرية والاضاءة.. والمدهش التطرق إلي عملية دبلجة الصوت الماهرة والمتقنة. هذه المسلسلات لم يستطع أي من النقاد أن يقترب منها فالكل يشاهدها وهو مذهول ومهما حاول أن يطبق عليها فنون النقد لا يستطيع. إذن هناك كثير من الأسرار التي لم تتكشف بعد غزو هذه الدراما الجديدة علينا للبيوت المصرية ولا توجد دراسات تمت حولها حتي الآن وأن كان الواقع يؤكد أنها تستمر لسنوات في ظل غياب مريب للدراما المصرية .الابداعية. دون القليل منها فهذه المسلسلات قد تقارن بمسلسلات الثمانينيات مثل .الشهد والدموع. و.رأفت الهجان. و.محمد رسول الله.. نعود للأسباب البديهية التي قد تتسبب في ارتباط أفراد الأسرة المصرية بهذه النوعية من المسلسلات ومن قبلها .أوشين. الصيني و.الجريء والجميلات. ونتحدث عنها بتلقائية شديدة فنقول إن الرومانسية والحياة الأسرية وحلم العلاقة الزوجية السعيدة هي أحد أهم اسباب التعلق بالمسلسلات التركية وهو ما يجعلنا نتساءل هل أصبحت المصرية تفتقد إلي روح الجماعة وغاب عنها الجو العائلي الذي كان وهل الحياة الزوجية وعلاقة الأزواج ببعضهم لم تعد بالصورة التي كان يتخيلها كل زوج قبل أن يقبل علي الزواج بصفة عامة هل نحن نفتقد للحب؟. نذهب لمسلسل .يوسف الصديق. فهو مسلسل يجمع بين ثلاثة أنواع من الدراما وهي السيرة الذاتية والدراما الدينية والدراما التاريخية.. فقصة سيدنا يوسف من أشهر القصص التي تستطيع أن تسكن العقول بسهولة وهي قصة تم تفسيرها في .القرآن الكريم. بوضوح إضافة إلي تفسير العلماء ولا شك أنها قصة داعبت خيال كل مؤلف لأن يسير حولها.. دعوة التوحيد في المسلسل لم تبتعد عن القصة الحقيقية ولا شك أن جرعة التدعيم في الاحداث كبيرة وجذابة.. والتسلسل التاريخي لفترة خصبة جاءت سلسا وجذاباً لأقصي الحدود وهو ما يجعلنا نسأل هل نحن شعب محب للدين والتاريخ لهذا الحد؟.. المسلسل أكد هذه الحقيقة ولكنه القي بالاتهام في ملعب صناع الدراما المصرية والمتخصصين فيها الذين اعتقدوا لوهلة من الوهلات أن الدراما التاريخية والدينية باهظة التكاليف ولا تحقق الجذب للمشاهدين ولا للمعلنين وهنا نسأل هل الأسرة المصرية تفتقد إلي من ينمي بداخلها مشاعر التدين الصحيح والسرد التاريخي للأحداث سواء للكبار أو الصغار؟. هناك دراما جديدة اخترقت أبواب الأسرة المصرية وهو ما يعني أن هناك حالة من التشتت ابعدت المؤلفين المصريين عن المشاهدين وأن المشاهد المصري أذكي من صناع الدراما وأكثر قدرة علي التذوق الفني منهم. ولكن تكمن منطقة الخطر الحقيقية في امكانية حدوث غزو ثقافي لعقولنا هذه المسلسلات ذات الحبكة الدرامية الرائعة فمسلسل مثل .يوسف الصديق. تم عرضه في وقت تم فيه كشف ألاعيب بعض الفضائيات الدينية ومشايخها ورغم ذلك استحوذ علي نسبة مشاهدة عالية وهو ما يجعلنا نخشي من عدو المعتقدات الدينية الخاطئة أو الوافدة عن طريق صناعة المزيد من الدراما الدينية المقبلة من الخارج.. وهو ما سنعرض له خلال الاعداد المقبلة. ولكن لحين استعراضها ما يزال السؤال يراودني هل نجحت هذه المسلسلات لأننا نفتقد الدراما التي تغذي بداخلنا مشاعر الحب والتدين الصحيحين؟! هشام زكريا