انتقادات عنيفة لأنجلينا جولي بسبب فيلم عن جرائم الاغتصاب الصربية في البوسنة تواجه الممثلة الهوليوودية الشهيرة أنجيلينا جولي، عاصفة من الانتقادات الحادة في البوسنة، بسبب فيلمها الجديد المثير للسخط، والذي يجدد جراح الماضي الأليم والقريب، كما فتح باب الجدل حول طبيعة الفن، وما إذا كان يحمل رسالة الحقيقة، أو إذا كان مدخلا لكل الأغراض الرفيعة والدنيئة، من خلال نفي البعد الرسالي عن موضوعاته، وجعله في إطار البحث عن الإثارة، حتي إن صادمت الحقيقة، وجنت علي التاريخ، والناس (الضحايا)، والواقع. الفيلم الجديد الذي بدأت أنجيلينا جولي في إنتاجه، والذي يتم تصويره حاليا في كل من المجر والبوسنة، يتحدث عن قصة خيالية، تتحدث عن سقوط فتاة من ضحايا الاغتصاب في البوسنة في حب من اغتصبها من الصرب، الأمر الذي أغضب الكثير من منظمات المجتمع المدني في البوسنة، وفي مقدمتها جمعية "نساء ضحايا الحرب"، وطالبت بوقف التصوير وتغيير السيناريو بما يتوافق وحقيقة ما كان يجري في معتقلات الاغتصاب. وقالت رئيسة جمعية "نساء ضحايا الحرب" بكيرة هيساتشيتش "في كل الحروب، حدثت عمليات اغتصاب، ولكن ما حدث في البوسنة كان فريدا ومختلفا؛ حيث كان ضمن مشروع متكامل، أي مخطط له سلفا، ولم يحدث عفويا، فمعظم اللاتي تم اغتصابهن، أنهي المجرمون حياتهن بالقتل". وتابعت "لقد استخدم الاغتصاب كسلاح لتدمير القوة المعنوية للمسلمين وتدمير روح المقاومة لديهم؛ لذلك اغتصبت فتيات في سن بين 11 و18 سنة ونساء كبيرات في السن، تجاوزن ال65 عاما، وتمت جرائم الاغتصاب في المعتقلات الجماعية، وفي المؤسسات العامة، وفي المنازل الخاصة، وتعرضت المغتصبات للترهيب وللرعب وللضرب، وكانت المعاملة القاسية بهدف الإهانة بكل أصنافها، وكل مفرداتها، وكل أنواعها، ثم تأتي أنجيلينا جولي، لتغطي علي كل ذلك في فيلم يتحدث عن قصة حب بين ضحية وجلاد، وهذه خسة ليست بعدها خسة، وشكل من أشكال الإمعان في إهانة المسلمين، لا سيما البوسنة، خاصة الضحايا وذويهن". واستطردت "ما حدث هو الاغتصاب، والقتل، والإهانة، والرعب، والمرض، والمعاناة، وليس الحب". وعن سبب اختيار جولي للبوسنة من دون غيرها من الأماكن بحكم أن ما جري لم يكن فيه أي مجال لتصور علاقة حب بين الضحايا والمجرمين قالت "اغتصب النازيون اليهوديات والفرنسيات والبولنديات، كما اغتصبت الألمانيات عندما سقطت برلين علي يد جنود الحلفاء، لا سيما الروس، وحصلت زيجات بين الجنود والنساء، فلماذا لم يتحدث فيلم واحد عن ذلك؟ حيث حدث ما لم يحدث في البوسنة إلا في مخيلة جولي، وأنا أدعوها أن تقرأ عن جرائم الاغتصاب في البوسنة، وأن تطلع علي مستوي التدمير الذي أحدثته في الأسر والمجتمع، وأن تطلع علي الثقافة السائدة لدي المسلمين والتي تفضل قتل الابن علي اغتصاب البنت أو الزوجة أو الأخت. لقد ارتكبت جولي من حيث تدري أو لا تدري جريمة فظيعة أشد من جريمة الاغتصاب نفسها". وذكرت بكيرة أن "عدد النساء اللواتي تم اغتصابهن بلغ 25 ألف امرأة، في أجواء من الكراهية والإهانة والسادية في أبشع أشكالها". ووصفت فيلم جولي الذي سيستمر تصويره حتي نهاية العام الحالي بأنه "تزييف للتاريخ والحقيقة، فليس في السادية حب، وفي الكراهية عواطف، سوي الكراهية ذاتها. فالصربيات اللواتي كن يسهمن في إذلالنا داخل المعتقلات الجماعية، كن يقلن لنا لن تلدن أتراكا بعد اليوم وإنما ستلدن صربيين، كن يصفننا بأننا تركيات". وأفادت بكيرة بأن "56 امرأة حملن سفاحا داخل المعتقلات ولم يكن بإمكانهن إجراء عمليات إجهاض، وقد تمت عمليات الاغتصاب في 67 مكانا في مختلف أنحاء البوسنة، ولم تفكر أية ضحية في حب من اغتصبها وتأتي أنجيلينا لتقول في فيلمها هذا حدث، ليبصق علينا العالم، فأي احترام لامرأة يتعرض شعبها للإبادة ونساؤه للاغتصاب تقع في حب السفاح الذي يقتل ويغتصب؟!". ووصفت الفيلم بأنه "ألم كبير نتيجة سهام يرمينا بها من لا إنسانية لهم، هذا تزوير، وكذب، وتزيين للجرائم، ويحمل في ثناياه بذور التأسيس لعدوان مستمر وقادم، وإعطاء صورة مغايرة لما حدث، ما يجعل مشاهد الفيلم يعتقد أننا مجتمع من الإماء، وحتي البغايا، وأنه لم يقع اغتصاب المسلمات، وإنما سقطن في حب أعدائهن، إن الفيلم، كما قلت، يجعل المتفرج يبصق علينا". وقالت عضو جمعية "نساء ضحايا الحرب" أميلا هيجوسكياس "لا أحد يستطيع إيقاف هذا العدوان الثقافي الجديد ضد الضحايا وضد البوسنة، لا سيما من اكتووا بالعدوان السابق، ونكأ الفيلم جراحهم". وتابعت "كتب علينا أن نتجرع المرارة من دون توقف، إنهم يفعلون ذلك لأننا مسلمون". أما زميلتها وعضو الجمعية سانيلا هيساتش، وكلتاهما من فيشي جراد، في شرق البوسنة، ومن المناطق التي حصلت فيها جرائم اغتصاب واسعة أثناء الحرب، فقد اتهمت أنجيلينا جولي ب"الإسهام في حالة الحرب ضد الإسلام والمسلمين، لا سيما في البوسنة". وأضافت "لقد جاءت في وقت سابق إلي البوسنة، وقدموها علي أنها إنسانة رقيقة المشاعر، وتحب عمل الخير، واستقبلت في البوسنة أحسن استقبال، وفي الأخير توجه لنا هذه الطعنة الغادرة". وواصلت "أنجيلينا أصبحت إحدي الجهات التي مارست وتمارس ضدنا كل أصناف الاستفزاز والاضطهاد والكراهية". وقال السياسي والدبلوماسي أدهم باشيتش "الاغتصاب أسوأ تصرف إنساني، وعندما يقدَّم في قالب حب، وهو أرقي المشاعر الإنسانية، يقع من يفعل ذلك في التناقض". وأردف "لا يمكن تفسير هذا إلا بأنه أحد مظاهر الانحطاط الأخلاقي بمفهومه الثقافي والحضاري والإنساني، وليس بالمفهوم التقليدي فحسب". وتساءل "ماذا لو أقدم مخرج نازي علي تصوير فيلم يظهر اليهوديات اللاتي اغتصبن من قبل النازيين، فضلا عن ضحايا السبي الجماعي في التاريخ، يسقطن في حب الجنود النازيين؟ هل كان العالم سيبقي ساكنا في مكانه؟". وأكد أن "الحقيقة يجب أن تقال، وأن يدافع عنها، وليس الكذب من أجل الإثارة، في قضية إنسانية وتاريخية؛ حيث لم تحدث ولو حادثة واحدة أحبت فيها مغتصبة المعتدي عليها". وعن الخطوات التي اتخذنها للرد علي رسالة فيلم أنجيلينا جولي، والذي لم يحدد له عنوان حتي الآن، قالت بكيرة "عقدنا اجتماعا مع مسئولين في مكتب الأممالمتحدة في سراييفو؛ حيث إن جولي سفيرة الأممالمتحدة للنوايا الحسنة، وهذا اللقب محل تساؤل كبير، فكيف لأصحاب النوايا الحسنة أن يسقطوا في أعمال شريرة ومعادية ومنافية للإنسانية؟!". وتابعت "لقد وصلنا إشعار بإرسال تقرير عن موقفنا لمكتب الأممالمتحدة في جنيف، ونحن ننتظر رد أنجيلينا جولي والمكتب". وذكرت أن "جمعية نساء ضحايا الحرب ستقوم، إلي جانب جمعيات ومؤسسات أخري، بتنظيم مظاهرة أمام مكتب الأممالمتحدة، وسنعقد مؤتمرا صحافيا، ونناشد كل الأطراف أن يوصلوا صوتنا للعالم، لوقف تصوير الفيلم وتغيير السيناريو بما يوافق الحقيقة، وليس مطالب الإثارة الخيالية، وسنذهب إلي جنيف أيضا لهذا الغرض". وتفكر أنجلينا حاليا في كتابة مذكراتها، وسوف تذكر في هذه المذكرات طريقة تربيتها لأطفالها الست سواء من زوجها براد بيت أو بالتبني، بالإضافة إلي أنها سوف تتحدث عن شخصها كأم، كما أنها ستشرح علاقة الوفاء بينها وبين شريكها، ويشاع أن عرض عليها مبلغ 20 مليون دولار لشراء هذه المذكرات. ويذكر أن آخر أفلام جولي هو فيلم الأكشن "salt " من إخراج فيليب نويس والذي يروي قصة المؤامرات الجاسوسية الروسية ضد المصالح الأمريكية ولكنه لم يحقق الإيرادات المتوقعة، وتحضر جولي الآن لفيلمها الجديدThe Tourist" "والذي يتم تصويره من قبل "فلوريان هينكل فون "من المتوقع أن يواجه هذا الفيلم منافسة شديدة ويحقق إرادات مرتفعة. محمد شوقي الشماع