إذا لم تكن تدربت في صغرك على الكاراتيه أو الجودو أو حتى التايكوندو فاحذر الذهاب إليه، وإذا لم تكن تجيد في كبرك إحدى رياضات الدفاع عن النفس فالحذر كل الحذر، وإذا لم تعمل بالسيرك القومي وتمرست على ملاعبة القرود وملاطفة الذئاب وترويض النمور وركوب الفيلة فإياك والقرب منه.. إنها وحدة «مرور فيصل»، فقد تحتاج إلى كل تلك الخصال لتصبح قادرًا على إنهاء مصلحتك به، تحتاج "فكاكة" أي المكر، و"الفتونة" أي استخدام القوة الجسدية الباطشة، والخروج عن اللياقة للرد على أحدهم عندما يستلزم الأمر، وكذلك الحيطة والحذر من النشالين. رغم افتتاح مرور جديد بفيصل لحل أزمة التكدس فى مرور فيصل، إلا ان المعاناة مازالت مستمرة، أزمة يعانيها البسطاء ومحدودو الدخل. فهؤلاء ليس بإمكانهم دفع «المعلوم» للسماسرة لإنهاء إجراءاتهم، فهم يعانون مشاكل الازدحام والفوضى والبطء في الإجراءات وعدم الرقابة من المسئولين، وصولاً إلى جشع«السماسرة»الذين يضطر المواطنون للجوء إليهم بعد معاناة ورحلة عذاب ما وجدوا فيها سوى الصلف والعجرفة. لا ننكر أبدًا الجهد المضنى الذي يبذله وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار ومساعدوه، والتضحيات التي يبذلها رجال الشرطة الأوفياء والدماء الطاهرة التي ضحوا بها من أجل استقرار الوطن وسلامة أراضيه، إلا أن هناك قلة «مسئولة»، وهي في الحقيقة غير مسئولة تحاول إضاعة كل جهد تقوم به وزارة الداخلية، وهذا ما يحدث في «وحدة مرور فيصل»، على رأسهم رئيس الوحدة ودائمًا ما يتحدث بصلف وكبر، وكأن ما حدث في السنوات الأربع الماضية غاب عن ذاكرته، رغم أن الوزارة تحرص على حسن معاملة المواطنين وتعاقب من يخالفها عقابًا شديدًا. فى هذه الوحدة تحديداً دون سائر وحدات مرور الجيزة الاجراءات معقدة ورتيبة معها يضطر المواطن «الغلبان» بعد استنفاد طاقته – إلى «سماسرة المرور» الذين يستقبلونك أيما استقبال، عارضين عليك إمكانياتهم وما يمكن أن يقدموه لك، وكله حسب التسعيرة، والغريب أن ذلك يتم في وضح النهار وعلى مقاه على بُعد أمتار من وحدة المرور. على مرمى حجر من وحدة المرور يقبع باعة الأظرف والمستندات اللازمة لرحلة العذاب، والكارثة أنهم يبيعون شهادات طبية وهي اللازمة لاستخراج رخص القيادة مختومة على بياض ، والتي تؤكد أن المتقدم لرخصة القيادة لا يعاني أمراضًا يصعب معها الحصول على تلك الرخصة، وإذا كانت تباع في غفلة من رجال المرور فتلك مصيبة وإذا كانت تباع بعلمهم فالمصيبة أعظم. أما عن الزحام والفوضى ولامبالاة الموظفين وعدم اكتراثهم بواجباتهم، وعشوائية منظومة العمل وغياب الرقابة والإهمال فحدث ولا حرج، تقع وحدة المرور أسفل كوبري فيصل تحيط به شوارع عشوائية غير محددة المعالم، على نواصيها أكشاك لبيع ما تحتاجه إجراءات الترخيص، ويفترشها باعة جائلون يتاجرون في مستندات وأظرف وملفات الترخيص بأسعار مبالغ فيها، حتى الشهادات الطبية وهي الإجراء الضروري للحصول على رخصة القيادة يبيعونها، مختومة على بياض، ويحيط بهؤلاء رجال يبدون استعدادهم لعمل أي شيء وكل شيء، وبعضهم يزعمون أنهم يعملون لحساب أحد الموظفين بالوحدة؛ حيث يعرض عليك السماسرة قائمة بأسعار شهادات البيانات والمخالفات وإجراءات الترخيص والفحص بكل مراحلها، ويسمع المواطن دون أن يبدى موافقة ولا رفضًا ليقارن بين أسعار السماسرة الموجودين والمحيطين بالوحدة. أما إذا كان حظك عثرًا وخدعتك سذاجتك، وظننت – وفي هذه الحال كل الظن إثم- أنك تستطيع أن تنهي ما تريد دون مساعدة أحد، فتأكد أن يومك هذا طويل جداً قد يمتد الى يومين أو ثلاثة. فداخل مكان ضيق غير منظم حار مشمس صيفًا، بارد ممطر شتاءً، العشوائية اسم من أسمائه والفوضى صفة من صفاته، والتخبط والإهمال وعدم النظافة عنوانه، داخل ذلك المكان تتعثر قدماك في أشخاص وملفات وباعة، يوجد صفان من المكاتب على اليمين وعلى اليسار تكون محظوظًا عندما تلتقي القابع خلفها أو حتى تخاطبه من وراء حجاب، لتصطدم بعجرفته وصلفه بعد عناء ومشقة الوصول إليه، تندهش جميع المواطنين ينادي بعضه بكنيته واسمه وكأنهم يعرفون بعضهم البعض من كثرة ترددهم على المكان، بعضهم يتردد على المكان من شهر مضى إما بحثًا عن ملف تائه ديس تحت الأقدام وتبعثرت محتوياته وأوراقه بين كهوف ومغارات أرشيف مهترئ، وإما طلبًا لورقة أو شهادة وحينها اللجوء للسماسرة أجدى وأنفع. وأما إذا خدعتك حماقتك وغررت بك حماستك وظننت أن هناك من يلجأ المظلومون إليه حين يفشلون في حل شكواهم، فتأكد أنك أحمق، فرئيس الوحدة مشغول دائماً برفض لقاء أصحاب المظالم، تاركًا ختمه وعمله لثلاثة مجندين أميين أو شبه أميين، قادرين على التمييز بين الوجوه التي يحب أن يراها «سيادة المقدم» وبين التي تعكر مزاج معاليه، وحين تفشل محاولتك الأخيرة في الشكوى لرئيس الوحدة فما عليك إلا الذهاب أسفًا متأسفًا للسماسرة، طالبًا العفو والمغفرة عن كل تجاهل سابق أظهرته، وعن امتعاض أو فصال في الأسعار أبديته.