في معني العمل كنشاط إنساني فإنه يعد مصدر الوجود وناموس الحياة ، وبه ترتبط ديمومة هذا الكون وازدهاره وعبر عصور التاريخ المختلفة شغل العمل اهتمام المفكرين والفلاسفة وذهبوا إلي الربط بين " العمل " ، و " الإنسانية " ، وبين تقدم البشر ورقيهم ، وسمو الحضارات وتطورها هذه القيمة والأهمية للعمل أخذت تنمو وتزداد علي مر العصور ، وحفظ التراث الإنساني الكثير من قيم العمل ، وأصبح للعمل قدراً من الإجلال والتقدير ، كما غدا الحق في العمل حقاً أصيلاً وثيق الصلة بالحق في الحياة ، والحق في التنمية ، بل كافلاً لضمانة الحق في الحياة واحداً من أهم روافدها وعلي خلاف العمل ، تمثل البطالة ظاهرة اجتماعية لها تداعياتها السلبية الخطيرة من جوانب متعددة ، فمن جهة تعد اهداراً لعنصر العمل وهو أهم عناصر الإنتاج ، ومن شان الطبيعة الإنسانية لعنصر العمل أن تجعل للتعطل أبعاداً سياسية واجتماعية خطيرة 0 فالتعطل يوفر أرضاً خصبة لنمو التطرف السياسي والعنف الجنائي 0 ونظراً لعدم وجود آلية رسمية لإعانة العاطلين من قبل الدولة ، فإن التعطل يعني إنحدار العاطلين إلي هوة الفقر المدقع والمتجذر 0 ومن جهة أخري ، فقد اكتست البطالة في المجتمعات المعاصرة مظهراً ينبئ بأنها لم تعد ظاهرة دورية قصيرة الأجل ، وإنما أصبحت ظاهرة بنيانية طويلة الأجل ، وهو ما يوجب التصدي لها من خلال خطط وبرامج عاجلة وأخري آجلة ، وفي الحالين يتعين إعتماد وسائل غير تقليدية والوقوف علي أسبابها في مصر والتي تكمن في الإختلال الذي أصاب هيكل الإقتصاد ، ويرجع ذلك في جانب كبير منه إلي السياسة الإقتصادية المطبقة والتي إتسمت بوجود إنفصال تام بين سياسة الإستثمار ، وسياسة استخدام قوة العمل ، واتباع نمط غير ملائم لتخصيص الإستثمارات بين القطاعات الاقتصادية المختلفة 0 وفي جانب أخر ، ترجع البطالة إلي عدم ملاحقة الزيادات في فرص العمل للتدفقات المستمرة إلي سوق العمل نتيجة للنمو السكاني السريع 0 هذا فضلاً عن عجز نظام التعليم بوضعه الحالي عن تلبية احتياجات سوق العمل ، وقد ترتب علي ذلك وجود مخرجات سنوية من التعليم لا تتلاءم فقط واحتياجات سوق العمل ، بل أصبح هيكل الاقتصاد غير قادر علي استيعابها ويأتي المؤتمر الاقتصادي ليمثل منطلقاً أساسياً لضخ استثمارات جديدة في شرايين الإقتصاد المصري مما يساهم في تنامي معدلات الإستثمار ، وتنمية القدرة الإقتصادية لمصر ، ويشكل عاملاً رئيسياً في تحديد حركة مستوي التشغيل والبطالة 0 ولا شك أن الجهود الحثيثة والدؤوبة التي تقوم بها الدولة علي كافة مستوياتها للإعداد لهذا المؤتمر وإنجاحه وفي القلب منها وضع مشروع قانون تطوير منظومة الإستثمار ، ما يؤدي في النهاية إلي تحسين المناخ الإقتصادي واستنهاض الإستثمارات المحلية ، وجذب الإستثمارات الأجنبية كما يجسد إنشاء وزارة للتعليم الفني ( التقني ) والتدريب المهني – ودون أن يخل ذلك بوجوب إصلاح منظومة التعليم العام - التوجه الحقيقي للدولة في إعداد القوى العاملة وتدريبها وتزويدها بالمهارات والمعارف اللازمة لمواجهة احتياجات مجتمع المعرفة والتغيرات العالمية في أوضاع أسواق العمل لقد أصبح هذا النوع من التعليم بما يتضمنه من ( تمهين التعليم Vocationalism Education ) في بؤرة الإهتمام علي المستوي العالمي ، فضلاً عن تنامي الحاجة إلي مستويات أعلي من الإبتكار والإبداع بشكل متزايد للتكيف والتلاؤم مع معطيات النهضة العلمية والتقنية وإتاحة فرص أفضل للعمل المتميز 0 ومن جهة أخري فقد بات من الضروري أن تتوافر للقوى العاملة الجودة الشاملة حتى تتمكن من المنافسة في أسواق العمل وتلبية احتياجات المشروعات الإستثمارية العملاقة التي تعتزم مصر طرحها في المؤتمر الاقتصادي ، بل إن القدرة علي جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الأكثر تقدماً واستيراد التكنولوجيا وتطويعها وتكوين قاعدة تكنولوجية يقف وراءها عنصر بشري فاهم وقادر علي إنجاز المطلوب وليس من قبيل المبالغة القول بأن الحصول علي موضع قدم في السوق العالمية يقف عند أعتاب جامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا وما يدور من تفاعل بين عناصر منظومتها التعليمية ، فالتعليم والتدريب في أي بلد أصبح ذا أبعاد دولية متعددة الجوانب