قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إنه على الرغم من الدور المصري المتضائل في الشرق الأوسط إلا أن الاضطرابات من ليبيا إلى سوريا إلى العراق قد أجبرت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أن يستجيب لها، فبعد شهرين فقط على بداية حكمه، بدأت الخطوط العريضة للسياسة الخارجية المصرية الجديدة في الظهور، وهي سياسة خارجية ترتكز على الاستقرار مع التشدد على حد قول المجلة، معتبرة أن الأولوية القصوي لرجل مصر القوي هي سحق الإسلاميين من غزة إلى ليبيا إلى العراق. وقالت المجلة في تقرير لها تحت عنوان "مبدأ السيسي"، إن السياسة المصرية الإقليمية هى امتداد لمخاوفها الداخلية من النزعات الإسلامية، والتشدد والإرهاب ومناخ عدم الاستقرار. ويري كاتب المقال أن هذه المخاوف تشرح قسوة مصر وتشددها تجاه حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وكذا التصعيد في الخطاب المصري تجاه الفوضى الجارية في ليبيا. وترى المجلة أن وضع مصر في إقليم مضطرب يوضح جهود النظام المصري الحالي لتعزيز سلطته وإعادة فرض حالة الاستقرار بالقوة، لكن المجلة ترى أن ما يمكن أن نطلق عليه ب"مبدأ السيسي"، لا يسير علي وتيرة واحدة كما يبدو بالنظر إلي تعامله مع أزمة غزة، فحين يتعامل مع سورياوالعراق، فإن الموقف المصري أكثر دقة واختلافًا عنه مع غزة، فمصر قادرة على تقييم المخاطر والحلول لها بشكل أكبر خارج حدودها، حين تبتعد عن ما وصفته المجلة ب"نظريات المؤامرة الفاسدة" التي تحكم سياستها الداخلية. وقالت المجلة إن مصر برزت في الإقليم كدولة حافظت على الوضع القائم بداخلها مركزة على الوقوف ضد التشدد وضد الإسلام السياسي رافضة كل أشكال تغيير النظام وتشبثت بصرامة بوحدة الدولة العربية وسلامة حدودها. ويري الكاتب أنه من المثير أن مصر نأت بنفسها عن أجندة الصراع السني الشيعي، التي تزيد الشرق الأوسط التهابًا، فعلي الرغم من عدائها لإيران والذي لا توجد أية علامات علي تضاؤل حجمه، فإن مصر واصلت بشكل نشط علاقاتها الدبلوماسية مع طهران وحلفائها في العراقوسوريا. فالسيسي يظهر اهتمامًا أكبر باستقرار في الإقليم بغض النظر عن الولاءات الطائفية. فيما يخص ملف الوساطة بين حماس وإسرائيل، ترى المجلة أن مصر لا يمكن الوثوق بها كوسيط، إذ عبرت الحكومة الحالية بمصر عن كراهيتها لحماس بشكل جلي، إلا أنها تظل الخيار الواقعي الوحيد للوساطة، فرغم أن الدور الإقليمي المصري يتناقص منذ عقود، فإنه منذ الانسحاب أحادي الجانب لإسرائيل من غزة عام 2005 فإن الدور المصري أصبح ضروريًا بشكل لا يمكن الاستغناء عنه في الوساطة بين حماس وإسرائيل، إلا أنها لم تكن يومًا تحت حكم مبارك أو السيسي وسيطًا أمينًا، لكن معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل وحدودها مع غزة جعلت الأمر حتميًا بشكل لا يمكن تفاديه. وقالت المجلة إن سمة أساسية للسياسة المصرية هي العداء لحماس ومنذ الإطاحة بمرسي العام الماضي، وأجهزة الأمن المصرية ترى أن حماس مرتبطة بشكل لا يمكن أن ينفصم عن مشاكل مصر الداخلية من انعدام الأمن وعدم الاستقرار، وقد تزايدت حدة هذا الموقف مع ازدياد الاضطرابات بمصر ما بعد مبارك. ورغم اختلاف مرسي الأيديولوجي تمامًا عن سلفه وخلفه، فإنه لم يستطع أن يغير الموقف المصري من حماس بشكل كبير. وقالت المجلة إن هناك أسبابًا للاعتقاد بأن سياسة مصر المتشددة تجاه أمن الحدود والمعابر والتشدد تجاه الميليشيات المسلحة في غزة قد يمتد إلي ليبيا، ووضعت المجلة في هذا الإطار تصريحات عمرو موسي، الذي وصفته باللاعب السياسي الذي عاد للحياة مجددًا ويعمل كمستشار غير رسمي للسيسي، والتي حذر فيها من أن ما يجري بليبيا يهدد الأمن القومي المصري، وقد عززت تلك التصريحات هذا الاعتقاد، رغم نفي وزير الخارجية سامح شكري وجود أي نية للتدخل العسكري في ليبيا. ويقول التقرير إنه رغم هذه النغمة التخفيفية، فإن التسريبات والمحادثات الخاصة مع المسئولين المصريين تظهر أن ما يحدث في ليبيا يشكل قلقًا كبيرًا، ولكن ما هو غير واضح هو ما الذي يعتقدون أنه يمكن القيام به حيال الوضع هناك، فمصر لديها حدود مع ليبيا تمتد بطول 745 ميلا، ومنذ سقوط القذافي فإن العديد من الأسلحة وبينها أسلحة متطورة قد دخلت مصر وقد أثار هذا رعب المسئولين المصريين، ولكنهم قلقون بنفس القدر من تفكك ليبيا ووقوعها في براثن الفوضي بعدما وجدت الميليشيات الإسلامية في ليبيا أرضًا خصبة. وأورد التقرير المطول تصريحًا لمسئول مصري عن وجود ثلاثة معسكرات لتدريب المسلحين في صحراء درنة الليبية القريبة من مصر، ويعتقد المسئولون الأمنيون أن العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين تم القبض عليهم بمصر قد حاولوا الاختباء بليبيا. وقال التقرير إن دور الإسلاميين والإخوان المسلمين في مصر علي وجه التحديد سوف يستمر في إزعاج المؤسسة الأمنية المصرية، لكن المجلة استبعدت أن تتدخل مصر عسكريًا في ليبيا في الوضع الحالي مع مواجهة الجيش المصري لمخاطر عسكرية داخلية منها مواجهة المسلحين بسيناء، وهي ليست في وضع يمكنها من أن تتدخل في صراع متعدد الأطراف وحرب أهلية دائرة في ليبيا. وفي سوريا بدأت مصر في السعي نحو منحي أكثر دعوة للمصالحة والدبلوماسية، واستعانت المجلة بتصريحات وزير الخارجية السابق نبيل فهمي في يوليو 2013 حين قال إن حلاً دبلوماسيًا أصبح ضروريًا، مؤكدًا المخاوف من امتداد المظاهر المسلحة إلي باقي دول الإقليم، إضافة إلى تميز الموقف المصري بعد الإطاحة بمرسي عن موقف حكومة مرسي من القضية السورية، بالتأكيد علي أنه لا نية للجهاد في سوريا وأن حلاً سياسيًا بين جميع الأطراف في إطار جنيف 2 هو الحل بغض النظر عن الآلية التي سيتم بها ذلك. ويقول التقرير إن مصر ليست أحد اللاعبين الدبلوماسيين المركزيين في سوريا ولن تصبح واحدًا، لكن دبلوماسيى القاهرة سعوا إلى التدخل من وراء الكواليس بطرق تعمل ضد ما تريده المملكة العربية السعودية، التي تعد أحد أكبر رعاة القاهرة الآن، وكذلك سعت مصر إلي تسهيل لقاءات بين المعارضة السورية المعتدلة والنظام السوري، بهدف الوصول إلي انتقال سياسي يحافظ علي الدولة السورية مع إشراك رموز المعارضة السورية المقبولة لدي أغلب الأطراف، وتعمل مصر على تجنب الأهداف الطائفية في سوريا وتعمل الآن علي الحفاظ علي الوضع الذي كان قائمًا بسوريا. وفيما يتعلق بالعراق، عبرت مصر بشكل أوضح عن سعيها للحفاظ علي الوضع القائم في بلد ترفض فيه الأغلبية السنية الاعتراف بالوضع الجديد الذي يتولي الشيعة فيه مقاليد السلطة. ويأتي الموقف المصري من العراق صادمًا في ضوء الدعم المالي والدبلوماسي الهائل الذي تلقته مصر من السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ الإطاحة بمرسي، فحتي في وسط الاضطرابات الممتدة والقلق الذي تتشاركه كل منهم مع الحكومة العراقية حول إعلان الدولة الإسلامية بالعراق، فإن السعودية ودول الخليج لم يقوموا بأي جهد يذكر لإصلاح العلاقات مع الحكومة العراقية، وبدلاً من ذلك ظلت العلاقات بين دول الخليج والعراق ترى من منظور طائفي، وعلي العكس منذ ذلك جاء الموقف المصري. فبعد سقوط الموصل تحدث الرئيس المصري مباشرة إلي رئيس الوزراء العراق نوري المالكي وعبر له عن دعم مصر له، وقد تبعت تلك المحادثة الهاتفية تصريحات أخري استهحن فيها السيسي احتمال استقلال الأكراد وتقسيم العراق، معتبرًا أن استفتاء الأكراد على الانفصال ليس إلا بداية كارثية لتقسيم العراق لدول أصغر. واعتبرت المجلة إن إعادة تنشيط دور مصر الإقليمي يأتي في وقت تتوتر فيه العلاقات المصرية مع واشنطن بدرجة كبيرة لم تشهدها تلك العلاقات منذ عقود. وتقول المجلة إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حاول إصلاح العلاقات مع مصر دون جدوي في ظل تردي البيئة السياسية بمصر. كما أن السيسي بدأ أيضًا في التعبير عن رغبته بتحقيق استقلال أكبر عن الولاياتالمتحدةالأمريكية عن طريق الاعتماد على روسيا. لكن التقرير يستنتج أنه رغم ارتسام ملامح سياسة خارجية جديدة، فإن الصراعات الداخلية بمصر سوف تظل التركيز الأساسي للنظام في المستقبل المنظور. لكن مع تطور وامتداد الاضطرابات في الإقليم، فإن نظام السيسي أصبح مجبرًا علي تطوير السياسة الخارجية، ومن الواضح أن السياسة الخارجية التي بدأت في الظهور الآن تعتمد بشكل أساسي علي محاربة التشدد والنزعات المسلحة وعدم الاستقرار وتسعى لإعادة الوضع الذي كان قائمًا بالشرق الأوسط إلى ما هو عليه.