أجلت محكمة جنايات القاهرة في جلستها المنعقدة، اليوم الأحد، برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي، إعادة محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك، ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه، إلى جلسة 2 أغسطس المقبل. وجاء قرار التأجيل لبدء الاستماع إلى مرافعة هيئة الدفاع عن مبارك ونجليه علاء وجمال، وذلك أن انتهت المحكمة من الاستماع إلى مرافعة الدفاع عن اللواء إسماعيل الشاعر مساعد وزير الداخلية مدير أمن القاهرة الأسبق. وأمرت المحكمة بنسخ صورة من محضر جلسة اليوم وتسليمها إلى مبارك بالجلسة المقبلة، حتى يقف على ما دار بالجلسة التي تخلف عنه حضورها.. وكلفت المحكمة النيابة العامة بندب كبير الأطباء الشرعيين بالقاهرة بالانتقال إلى مستشفى المعادي للقوات المسلحة، للإطلاع على الأوراق والتقارير العلاجية الخاصة بمبارك، ومناقشة الفريق الطبي القائم على علاجه للوقوف على حالته الصحية، وبيان مدة العلاج التي يحتاج إليها، وبيان ما إذا كان بإمكانه الحضور في الجلسة المقبلة ولو تطلب الأمر مساعدات طبية، من عدمه. ويحاكم مبارك وحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق ومساعدوه الستة في قضية اتهامهم بالتحريض والاتفاق والمساعدة على قتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير، وإشاعة الفوضى في البلاد وإحداث فراغ أمني فيها.. كما يحاكم مبارك ونجلاه علاء وجمال ورجل الأعمال حسين سالم بشأن جرائم تتعلق بالفساد المالي واستغلال النفوذ الرئاسي في التربح والإضرار بالمال العام وتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار زهيدة تقل عن سعر بيعها عالميا. وتضم قائمة مساعدي العادلي الستة المتهمين في القضية كلا من: اللواء أحمد رمزي رئيس قوات الأمن المركزي الأسبق، واللواء عدلي فايد رئيس مصلحة الأمن العام الأسبق، واللواء حسن عبد الرحمن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، واللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة الأسبق، واللواء أسامة المراسي مدير أمن الجيزة الأسبق، واللواء عمر فرماوي مدير أمن السادس من أكتوبر السابق. وقد تغيب الرئيس الأسبق حسني مبارك عن حضور الجلسة، حيث قدم ممثل النيابة المستشار وائل حسين المحامي العام لنيابات شمال القاهرة الكلية، إلى المحكمة إفادة رسمية من واقع محضر أحوال قسم شرطة المعادي، ورد به أنه مستشفى المعادي للقوات المسلحة قد أفادت بأن الحالة الصحية للمتهم "مبارك" لا تسمح بنقله من المستشفى إلى المحكمة. وسأل رئيس المحكمة المستشار محمود كامل الرشيدي المحامي مصطفى علي عضو هيئة الدفاع عن مبارك، حول ما إذا كان يمنع لدى دفاع المتهم من استمرار الجلسة وإبلاغ المتهم بما دار في غيابه، فأكد المحامي أنه يطلب استمرار الجلسة، وأن مبارك يتابع ما يدور بها، وأن فريد الديب رئيس هيئة الدفاع عن مبارك سيتولي إخطاره بكل ما دار بالجلسة. وطالب المحامي علي الجمل عضو هيئة الدفاع عن إسماعيل الشاعر إلى المحكمة، ببراءته مما هو منسوب إليه من اتهامات، وحمل بشدة على تحقيقات النيابة العامة في القضية، معتبرا أنها انتقت من التحقيقات ما يسير باتجاه القضية نحو ترجيح الإدانة بحق المتهمين، وذلك بالمخالفة لدورها الحقيقي من التحقيق العادل بغية التوصل إلى حقيقة ارتكاب الجرائم ومرتكبيها وكيفية وقوعها. وقال الدفاع "بعدم انطباق مواد القانون التي ذكرتها النيابة في قرار الاتهام، في شأن قيام جريمة تحريض المتهمين لضباط آخرين على قتل المتظاهرين، نظرا لعدم توافر الشروط التي حددها القانون لإثبات ذلك الاتهام من ضرورة وجود فعل مادي وأن يكون التحريض بصورة علنية ووجود القصد الجنائي، وذلك بأن يكون التحريض لأشخاص محددين وضد أشخاص بعينهم".. لافتا إلى أنه على العكس من ذلك فإن قرار الاتهام حمل "شيوعا" في توجه الاتهام، وأسند الاتهامات إلى جميع المتهمين بصورة مجملة وليس بصورة محددة مفصلة. ودفع الدفاع ببطلان قرار الاتهام بطلانا جوهريا بسبب الخطأ في تطبيق القانون والقصور بتحقيقات النيابة العامة والعوار بتلك التحقيقات، واختلال فكرة النيابة حول تصوير الوقائع ونسبتها إلى المتهمين.. موضحا أن النيابة استندت في تحقيقاتها إلى أقوال شهود من المجني عليهم المصابين وذوي القتلى وآخرين والذين جاءت شهاداتهم "تسامعية ونقلية" وليست شهادة على واقعة، علاوة على الاستناد إلى تقارير طبية مشكوك في صحتها. وأشار الدفاع إلى أنه كان يتوجب على النيابة العامة أن تتنازل عن الاتهامات بحق المتهمين، وذلك بعدما تكشفت أمامها الآن الحقائق في شأن الكثير من واقعات الاتهام بالقضية، وذلك باعتبارها ممثل المجتمع بأسره وليست مجرد سلطة اتهام، غير أنها أصرت على الاستمرار في القضية وتوجيه الاتهامات كاملة إلى المتهمين، على الرغم مما أثبتته تطورات الأحداث الحالية من عدم صحة تلك الاتهامات. واعتبر الدفاع أن النيابة العامة قد أقدمت على "الإجهاز على الشرطة وإضعافها".. موضحا أن النيابة تسببت في حدوث حالة "الانفلات الأمني" التي عمت البلاد، بسبب مسارعتها إلى تقديم رجال الشرطة من ضباط وأفراد إلى محاكم الجنايات، بغير أدلة قاطعة، وبأقوال شهود لا يعول عليهم بسبب أن شهاداتهم جاءت قائمة على الظن والنقل من آخرين والتسامع دون أن يكون لدى هؤلاء الشهود شهادة رؤية للوقائع التي جرت. وأضاف الدفاع أن "ضباط الشرطة حينما رأوا أن تأدية واجبهم في حفظ الأمن ومطاردة المجرمين والخارجين عن القانون والتصدي لهم، يترتب عليه إحالتهم للمحاكمات بتهم القتل العمد والشروع فيه، أصابهم الإحباط والخوف وسرت في أوساطهم حالة من التخاذل، وتقبلوا أن يحالوا إلى المحاكمات بتهم الامتناع عن أداء واجباتهم الوظيفية، باعتبار أن هذا الأمر هو أقل في الضرر من الإحالة للمحاكمات عن تهم القتل التي تصل العقوبة فيها إلى الإعدام". وأكد الدفاع أن النيابة العامة لم تقدم أي متهم أو متظاهر في عموم الجمهورية إلى المحاكمة الجنائية عن تهم قتل والشروع في قتل ضباط وأفراد الشرطة وحرق وإتلاف المنشآت الشرطية في أحداث ثورة يناير 011 ، في حين أن الضباط أحيلوا للمحاكمات بتهم القتل العمد والشروع فيه أثناء التصدي للمجرمين أو بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات الوظيفية. وقال الدفاع إن "النيابة ضمنت إسماعيل الشاعر في أمر الإحالة (قرار الاتهام) وما حواه من وقائع قتل والشروع في قتل المتظاهرين في عموم الجمهورية، في حين أن إسماعيل الشاعر غير مسئول عن أية وقائع خارج نطاق مسئولية مديرية أمن القاهرة فقط، ومن ثم فإنه كان يتوجب على المحكمة حينما ارتأت إحالته للمحاكمة، أن تحيله عن الوقائع المتعلقة بمحافظة القاهرة فقط، وليس عن كافة الوقائع في جميع محافظات الجمهورية". واعتبر الدفاع أن النيابة العامة أرادت تهدئة الشارع والرأي العام المصري، فأحالت مبارك والعادلي وقيادات الداخلية إلى المحاكمات ككبش فداء، وفي غضون شهر واحد فقط من التحقيق، على الرغم من كبر عدد الوقائع وحجم التحقيقات التي تتضمن آلاف القتلى والجرحى. وأشار الدفاع إلى أن هناك 1633 شاهدا تم الاستماع إلى أقوالهم بالتحقيقات في القضية، وأن النيابة قامت ببناء القضية فيما يتعلق بارتكاب جريمة "التحريض على القتل" مستندة في ذلك إلى أقوال شاهد واحد فقط من بينهم وهو اللواء حسن عبد الحميد مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع قوات الأمن والتدريب، باعتباره كان حاضرا للاجتماعات السابقة لوزير الداخلية مع مساعديه للتحضير للمظاهرات التي دعي إليها اعتبارا من 25 يناير 2011. وأكد الدفاع أن القانون وضع تسلسلا يوجب قبل تقديم المتهم بارتكاب جريمة التحريض إلى المحاكمة، أن يتم التحقيق أولا للتوصل إلى الفاعل الأصلي مرتكب الجريمة، ثم استجوابه للوقوف على ما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت وفقا لتحريض شخص أو أشخاص آخرين، ثم ضبط المحرض أو المحرضين والتحقيق معهم، وإحالتهم جميعا (الفاعلين الأصليين والمحرضين) إلى المحاكمة.. مشيرا إلى أن النيابة العامة لم تقم بالتحقيق للتوصل إلى هوية مرتكبي الجرائم، وقامت مباشرة بإسناد الاتهام إلى المتهمين بارتكاب جريمة التحريض على القتل والشروع فيه، وذلك بالمخالفة لموجبات التحقيق القضائي والقانوني السليم. وقال الدفاع إن "النيابة العامة نقلت (صورة منقوصة) لأحداث ووقائع القضية إلى المحكمة، حيث لم تذكر النيابة أن المتظاهرين حاصروا الأقسام والمراكز الشرطية وأطلقوا الرصاص عليها وعلى ضباط وأفراد الشرطة، وسرقوا محتوياتها وأسلحتها وذخيرتها، وأتلفوا تلك الأقسام والمراكز وحرقوها بعد أن هربوا السجناء منها. وأضاف أن النيابة أغفلت أنه في ظل تلك الأوضاع المحتدمة، كانت الأوامر والتعليمات الصادرة من مديري الأمن إلى مأموري وضباط أقسام الشرطة المحاصرة، بتأمين السجناء والسلاح والذخيرة، وفي حالة الضرورة القصوى يتم "إطلاق النيران في الهواء لحمل المهاجمين والمتظاهرين على التفرق".. مؤكدا أنه لو كانت هناك نية مسبقة وسبق إصرار على قتل المتظاهرين لدى الشرطة، لكانت الأوامر الصادرة في مثل هذه الحالة، بالتعامل بالسلاح والذخيرة الحية مباشرة مع من يحاصرون أقسام الشرطة ويحاولون اقتحامها. وأكد الدفاع أنه بافتراض وقوع تجاوزات في عدد من المناطق، فإنها قد وقعت تحت وطأة الضغوط وحالة الفوضى العارمة وما جرى من استهداف للضباط وأفراد الشرطة ومحاولات قتلهم.. وهو ما يمثل رد فعل أمام الاعتداءات ويجعل تصرفات الشرطة في تلك الظروف العصيبة في إطار من حق الدفاع الشرعي عن النفس والممتلكات. وذكر الدفاع أن العديد من التقارير الطبية في شأن قتل وإصابة المتظاهرين، والتي أوردتها النيابة على أنها أدلة فنية ضد المتهمين تقطع بارتكاب جريمة قتل المتظاهرين بشكل ممنهج، جاءت متضاربة بين حقيقة الواقع وبين ما هو مثبت.. فضلا عن أنه تم إكراه العديد من الأطباء على كتابة تلك التقارير تحت وقع التهديد، وإجبارهم من قبل ذوي المصابين والقتلى على إثبات أن الإصابات قد وقعت جراء إطلاق أعيرة نارية، في حين حقيقة العديد من الإصابات كانت جراء أسلحة بيضاء أو إصابات أخرى غير نارية. ولفت الدفاع إلى أن العديد من المصابين الذين تقدموا بتقارير طبية أمام النيابة العامة متهمين الشرطة بالتسبب في إصاباتهم، رفضوا إحالتهم إلى الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي عليهم بصورة رسمية لإثبات إصاباتهم وبيان سببها، كما أن العديد من ذوي القتلى رفضوا تشريح جثامين قتلاهم بمعرفة الطب الشرعي للوقوف على أسباب وحقيقة مقتلهم، واكتفوا بتوجيه الاتهام وإلقاء اللائمة على الشرطة.. مشيرا إلى أن النيابة قامت باعتماد تلك الأقوال والتقارير دون تمحصيها وتحقيقها. وقال الدفاع إن "العديد من ذوي المصابين في قضايا اتهام رجال الشرطة بقتل المتظاهرين في المحافظات، قرروا أمام المحاكم أن محامين يتبعون جماعة الإخوان المسلمين، هم من أمدوهم بأسماء ضباط وأفراد شرطة لتوجيه الاتهام إليهم بقتل أبنائهم وأفراد أسرهم، دون أن تتحقق تلك الأسر من حقيقة الأمر، وأن معلوماتهم حول وقائع القتل والإصابات جاءت نقلا عن أشخاص وأفراد دون أن يشاهدوها بأعينهم، وهو الأمر الذي أدى إلى حصول ضباط الشرطة في هذه القضايا على أحكام بالبراءة من المحاكم في عموم الجمهورية. واعتبر الدفاع أن حصول ضباط الشرطة في عموم محافظات مصر على أحكام بالبراءة في القضايا التي اتهموا فيها بقتل المتظاهرين، يستتبع بالضرورة تبرئة مبارك والعادلي والقيادات الشرطية المتهمين في هذه القضية، باعتبار أن ضباط الشرطة الذين حصلوا على أحكام البراءة هم بالضرورة "الفاعلين الأصليين" وأن تبرئتهم تعني بالضرورة تبرئة "المحرضين" من كافة الاتهامات المنسوبة إليهم. وأكد الدفاع أن النيابة العامة حينما بدأت التحقيقات وردت إليها - بناء على طلبها - 3 تقارير رسمية من جهاز مباحث أمن الدولة "المنحل" وقطاع الأمن المركزي ومباحث الوزارة، في 26 فبراير 2011 .. وأن تلك التقارير شرحت الأوضاع تفصيلا وما جرى من أعمال حرق وإتلاف ممنهجة واعتداءات بحق قوات الشرطة، غير أن النيابة لم تلتفت إلى مضمون تلك التقارير وغضت الطرف عنها، والتي لو كان قد تم التحقيق فيها لتغير وجه الدعوى برمته وما كان المتهمون قد أحيلوا للمحاكمات منذ البداية.. وذلك بحسب قول الدفاع.