لم أكن أتصور أو يجول بخاطري أن ترزية القوانين ودعاة «التكويش» يمكن أن يعودوا تحت قبة البرلمان بعد الثورة وحصول الإخوان والسلفيين علي أغلبية مقاعد مجلسي الشعب والشوري حتي صدمت وصدم معي كل أفراد الشعب المصري بما لا يصدقه عقل.. الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب وهو رجل أجله واحترم تاريخه النضالي تحول بين يوم وليلة إلي منافس شرس لسلفه الدكتور فتحي سرور شيخ مشايخ الترزية وناظر مدرسة السلق والتفصيل البرلمانية.. يمرر ما يحقق مصالح جماعة الإخوان وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة ويمنع ما يتعارض مع برامجها وأهدافها وتوجهاتها.. ويكمم أفواه نواب الأقلية الليبرالية إذا ما اصطدمت مواقفهم وآراؤهم بمصالح هذه الأغلبية التي باتت تشبه إلي حد كبير أغلبية الحزب الوطني المنحل. وكنت أظن وليس كل الظن إثما أن الدكتور سعد الكتاتني وهو سياسي وبرلماني مخضرم ومعه نواب الإخوان سيطبقون معايير الحرية والعدالة المشتقة من الاسم الرسمي لحزبه علي جميع ممثلي التيارات والقوي السياسية داخل المجلس في حق إبداء الرأي مهما كان مخالفا لرأيه ورأي جماعته.. وبالمثل مراعاة تطبيق نفس المعايير عند وضع التشريعات علي المصريين جميعهم دون تمييز إلا ان ظنوني تبددت علي صخرة صلف وغرور القوة الذي أصاب معظم ممثلي التيار الإسلامي وإصرارهم علي تفصيل القرارات والقوانين وكافة أدوات العمل الرقابي علي مقاس مصالحهم الخاصة وقد تجلي ذلك بوضوح في المواقف التالية: طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور التي أثارت غضب كافة القوي السياسية وانتهت ببطلانها أمام المحكمة الإدارية العليا.. بعدها أكدت الأغلبية البرلمانية حرصها علي تصحيح الأخطاء لإعادة اللحمة بين أطراف العمل الوطني ثم حنثت بوعودها من خلال مشروع قانون معيب يعطيهم الأغلبية في التمثيل مما أثار غضب النواب الليبراليين الذين هددوا بالانسحاب من جلسات البرلمان وتقديم مذكرة بتوقيع 90 نائبا يرفضون مشروع القانون التفصيل الذي أعدته اللجنة التشريعية في البرلمان. أدهشني وبدد ثقتي في التيار الإسلامي الذي منحته صوتي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ومعي أفراد أسرتي الرغبة الجامحة لدي البعض للثأر وتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين من خلال قانون العزل السياسي الذي تم تفصيله لاستبعاد مرشحين بأعينهم في الانتخابات الرئاسية.. وقلت في نفسي هل يعقل ان يقنن التيار الإسلامي الذي طالما عاني من العزل والاستبعاد والظلم والقهر نفس الأساليب التي كانت تنتهجها الأنظمة المتعاقبة ضدهم علي مدي ثمانين عاما؟ وأين سماحة الإسلام التي تدعو إلي العفو عند المقدرة؟ ألم يقرأوا الآيات القرآنية « إدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» ، «إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر»، «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ». صدمت كما صدم الكثيرون من تراجع جماعة الإخوان عن خطة الطريق التي وضعها المرشد العام الدكتور محمد بديع قبيل الانتخابات البرلمانية والتي ترتكز علي المشاركة وليس المغالبة، وان الجماعة لن تقدم مرشحا لها في الانتخابات الرئاسية وفوجئ الجميع بحصول الإخوان علي ما يقرب من نصف مقاعد مجلس الشعب، وتقديمهم لأكثر من مرشح علي مقعد رئاسة الجمهورية وهو ما اعتبرته القوي الوطنية بأنه كذب ممنهج وتضليل للشعب الذي منحهم الثقة رغبة في التغيير وعلي اعتبار أنهم بتوع ربنا كما كان يردد البسطاء. رفض نواب حزب الحرية والعدالة تشريعا قانونيا يتعلق بأمن واستقرار البلاد ويتضمن اضافة نص لقانون العقوبات برقم المادة 86 مكرر لتوقيع عقوبة السجن المشدد علي من يتلقي أموالا من الخارج لتمويل جرائم إرهابية.. والأدهي والأمر أن النواب المحترمين تعللوا في رفضهم بأن مشروع القانون به شبهة للاعداد لتولي نظام جديد وتفوح منه رائحة فخ ينصب لجماعة الإخوان بعينها خاصة في حالة نجاح الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية.. وفجر النائب المؤذن ممدوح إسماعيل أثناء المناقشات الكثير من الشكوك حول مصادر تمويل الإخوان وجماعات الإسلام السياسي قائلا: إن المادة تم وضعها لغرض سياسي.. ولو تولي شفيق الحكم حنتحبس.. وكل بتوع الحرية والعدالة هايرجعوا المعتقلات.. هايحبسونا بالقانون!! مشروع قانون انتقائي آخر تبناه نواب التيار الإسلامي وهو القانون الخاص بالحد الأقصي للدخل والذي تم تحديده بخمسين ألف جنيه.. كلام جميل وكلام معقول لكن الطامة الكبري عندما اكتشف الناس ان القانون يطبق علي كل المسئولين والموظفين بالدولة باستثناء رئيسي مجلسى الشعب والشوري والسادة الأعضاء الأمر الذي يؤكد أن أعضاء المجلس الموقر ورئيسه الدكتور الكتاتني يشرعون ويفننون لتحقيق مصالحهم الشخصية وليذهب الشعب الذي انتخبهم إلي الجحيم. كل هذه المواقف تدحض ادعاءات واتهامات أصدقائي الإخوان بتعمد الاساءة لهم وللبرلمان فزارع الشوك لا يجني الورود.. صحيح أنكم نجحتم 80 عاما من العمل والنضال والتنظيم تحت الأرض لكن سقطتم سقوطا مدويا في شهور فوق الأرض بسبب أنانيتكم وغروركم. شكة دبوس: الحديث التليفوني الهابط الذي اذاعته قناة الملاعين علي لسان الضابط المفصول الهارب عمر عفيفي بهدف تلويث السمعة الشخصية للدكتور محمد مرسي المرشح للانتخابات الرئاسية يمثل نموذجا صارخا للدعارة الإعلامية والانحطاط الأخلاقي ولا يمكن ان يخرج إلا من إنسان معتوه أو متخلف عقليا.