لم يعد هناك مجال للشك بأن اقرار الدستور قبل الانتخابات الرئاسية القادمة بات ضرورة حتمية رغم تشكيك بعض القوى فى امكانية انجاز هذه المهمة الصعبة خلال الفترة الزمنية القصيرة المتبقية على موعد انتخاب رئيس مصر القادم. فى تصورى أن الحل الأمثل لهذه الأزمة يكمن فى تشكيل تأسيسية الدستور بالكامل من خارج البرلمان بحيث تعبر عن كافة طوائف الشعب المصرى وتضم أكبر عدد من الفقهاء الدستوريين والقانونيين المصريين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة على المستوي العالمى خاصة أن من بينهم من شارك فى وضع الدستور التركى ودساتير العديد من الدول العربية. والحق يقال أن ما أدهشنى وأحزننى خلال الآونة الأخيرة تلك الحملة الشرسة التى تقودها بعض التيارات السياسية لاجراء الانتخابات الرئاسية قبل وضع الدستور تحت زعم أن وضع دستور لكل المصريين فى أيام قلائل من شأنه أن يصيبه العوار وهناك من وصفه قبل مولده بأنه سيكون دستورا مسلوقا لا يعبر عن تطلعات الشعب وثورته المجيدة.. هذه الحملة الموجهة تبدو فى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب .. باطنها بالقطع تأخير عملية التحول الديمقراطى وتسليم السلطة لإدارة مدنية واغراق البلاد فى مستنقع الفوضى وعدم الاستقرار لكن فى النهاية لا يصح إلا الصحيح.. ومن الطبيعى التعجيل بتشكيل اللجنة التأسيسية على أسس ومعايير موضوعية للانتهاء من وضع الدستور قبل الرئيس للأسباب الجوهرية الآتية : أولاً : أن الدستور هو قانون البلاد الذى يحدد نظام الحكم فى الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث وطريقة توزيع هذه السلطات وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم.. وهل نظام الحكم فى مصر سيكون رئاسيا أم برلمانيا أم مختلطا؟ وما هى صلاحيات الرئيس القادم.. ثانياً : من البديهى والمعقول بالفطرة لكل من له عقل أن وضع قواعد البيت سابق ومقدم على إقامته. ثالثاً : من غير المقبول سياسيا ودستوريا ان يستأثر فصيل سياسى بعينه يمتلك صناعة القرار تحت قبة البرلمان بوضع دستور البلاد لأن الدستور وثيقة توافق وطنى لا يجب أن ينفرد بها أغلبية حزبية أو حتى رئيس الدولة واذا كانت الجمعية الدستورية أعلى فى المرتبة من السلطات التى تنظم الدستور عملها ونشاطها ومنها البرلمان فكيف يكون تشكيل .. الجمعية التأسيسية وهى الهيئة الأعلى من جانب هيئة أدنى »البرلمان«. لقد أدرك الأزهر الشريف المعروف بوسطيته واعتداله المخاطر التى تتهدد المصريين بسبب الخلافات السياسية ورغبة كل طرف فى الاستحواذ على وضع الدستور وفقا لأهوائه ومصالحه فما كان منه إلا أن تقدم بمبادرة طيبة تتضمن مجموعة من المعايير الموضوعية لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وبها ما يبدد المخاوف التى تنتاب الكثيرين من انفراد تيار بعينه لاستحواذه على السلطة.. ولعل أبرز هذه المعايير مبدأ الجمع بين تمثيل مختلف فئات الشعب وتحقيق أقصى قدر من الإفادة من الكفاءات الوطنية المعروفة فى هذا المجال.. كما شدد الأزهر على أهمية الاحتكام إلى العقل والمنطق، وتغليب الصالح العام على المصالح الخاصة واستلهام منطق الوسطية والمحبة والتسامح مؤكدا على وجوب الاحتكام فى هذا المسار القانونى للقضاء المصرى الرصين ذا التاريخ المشرف العريق. أن اللحظات الفارقة الراهنة تتطلب من الجميع أعلى درجات اليقظة والوعى والتوافق لمواجهة التحديات الداخلية والمؤامرات الخارجية الأمر الذى يقتضى من جميع الفرقاء التنازل عن الذاتية والتعصب والرؤى الحزبية الضيقة.. فهل نلتقى فى منتصف الطريق لنخرج جميعا من عنق الزجاجة ونحقق أهداف الثورة فى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. أم نظل مختلفين متشرذمين.. أضحوكة فى العالمين؟