صرخة تعبيرية للإنسان المعاصر بمعرض القشيري محيط - رهام محمود من أعمال القشيري ضمن فعاليات مؤتمر "المواطنة وحقوق الإنسان في ظل المتغيرات الدولية الراهنة"، عرضت الفنانة والناقدة شادية القشيري أعمالها في أحدث قاعة للفنون التشكيلية بالمكتبة المركزية بجامعة 6 أكتوبر تحت عنوان "تداعيات الصمت 3"، وبرعاية الأستاذ سيد التونسي رئيس مجلس أمناء الجامعة. افتتح المعرض الدكتور أحمد عطية رئيس الجامعة حيث أشار إلى " أن المعرض له مذاق خاص للفنانة التشكيلية المتميزة شادية القشيري، لما له من رؤى عميقة تدفعنا للتأمل والتفكير في هذا العالم المضطرب، الذي يحتاج إلى إعادة التوازن إليه" يتناول المعرض أزمة الإنسان المعاصر وتداعياته المتمثلة في الإيذاء النفسي بكافة أنواعه ومستوياته، تلك الأزمة التي باتت تؤرق عقول ونفوس كل البشر، والتي تتسع يوما فيوم لتشمل البشرية جمعاء. تقول الفنانة شادية "انتقيت اللوحات المعروضة من أعمالي السابقة التي تتناسب مع موضوع المعرض؛ لذلك لم تكن جميع الأعمال جديدة كما كنت أعرض في معارضي السابقة، وهي من معارضي "تداعيات الصمت(1) "، و"تداعيات الصمت (2)"، ومجموعة معرض "الأبيض والأسود"، ومجموعة الكولاج "أبيض وأسود". أعمالي في مجملها ترصد الحالة الداخلية للإنسان المعاصر، وإنفعاله بكل ما يحدث من حوله، وتنقل وسائل الإعلام المختلفة هذه المعاناة ليل نهار ، ووصلنا إلى إهدار كبير ومتواصل لأهم حقوق الإنسان وهي السلام النفسي والشعور بالأمان في عالم أصبح الإرتباك سمة من سماته، والإنشقاق صفة من صفاته، والقوة والعنف أهم مقوماته". من اعمال القشيري تعرض القشيري نحو خمس وعشرين لوحة "تصوير" مستخدمة الألوان الباستيل بالألوان المعدنية التي تفضل العمل بها وهي "الذهبي والفضي والنحاسي" على ورق أسود ليكون خلفيه لأعمالها، بالإضافة إلى لوحتين "أبيض وأسود" من معرضها السابق الذي استخدمت فيه أيضا أقلام الباستيل البيضاء والسوداء على أوراق باللون الأسود؛ لتلقي الضوء على ما يمكن اكتشافه من علاقات جمالية فيما بينهم؛ لتؤكد أن الأبيض والأسود بتجاورهما معا يمكن أن يخلقا نوعا رائعا من التوافق الجمالي. وقد جردت الفنانة في هاتين اللوحتين ملامح الوجه البشري لتصبح أقواسا أو مستطيلات مختلفة الأطوال والأحجام, فتنوعت هذه الملامح الآدمية بين التجسيم والتسطيح.. الدقة والعفوية.. الاقتراب والتباعد.. الصعود والسقوط أو الانحدار.. وكل ذلك من خلال الإضاءة التي يوحي بها الأبيض, والقتامة التي يجسدها الأسود, مما يؤكد على المتغيرات المتلاصقة والمتناقضة المختلفة التي يعيشها الإنسان المعاصر في كل مكان, كما يؤدي تجاور الأبيض والأسود دون مناظر على المستوى الإنساني إلى رقي الجنس البشري دون انحداره أو فنائه. كما تعرض الفنانة عشرين لوحة "كولاج ورق" تميزت فيهم بإحساس عال ودقة بالغة، فالكولاج عندها لم يبدو كذلك في وهلته الأولى، فهي تستخدم قصاصات الورق الصغيرة وتبدأ في تشكيل لوحتها وكأنها تعزف بريشتها على المسطح، وهذا ما يميز فن الكولاج الناجح بأنه لم يظهر قصاصات الورق مرصوصة ليتعارف عليها المتلقي بسهوله، فالرائي حين تقع عيناه على تلك اللوحات وينتابه شعور غريب بالتدقيق والتمحيص باللوحة، حتى يكتشف أنها "كولاج"، كما يكتشف شيئا أخر، أن الفنانة القشيري هي أول من فكر في إبداعه، وهو أنها استوحت تلك الأعمال من أعمالها الباستيل المعروضة في نفس المعرض، صورت الفنانة هذه الأعمال أبيض وأسود وقامت بتقطيع الأوراق وتشكيلها بشكل آخر، حيث تعتمد هذه الأعمال على التجزئة وإعادة التركيب للحصول على تكوينات تشكيلية جديدة مبتكرة؛ تؤكد في النهاية نفس المعاني التي تهدف إيصالها للمتلقي، وهو التعبير التشكيلي عن أزمة الإنسان المعاصر، كما أنها أكدت أيضا على روح التجانس بين جميع أعمال المعرض حتى لم يكن بها أي غرابة على الرغم من تعدد الأسلوب. من اعمال القشيري أوضح الدكتور أحمد حجازي عميد كلية العلوم الاجتماعية " أن المعارض التشكيلية تلعب دورا كبيرا في المقاربة بين الشعوب والفكر بشكل عام، فلكل مجتمع خصوصياته الثقافية، لكن الفن التشكيلي به عوامل ثقافية مشتركة يمكن من خلاله أن ينشر كل القضايا التي تنشأ بين البشر، ومعالجتها حتى ولو كان هناك تباعد بينهم في المساحة أو الحواجز المختلفة. أما عن اختيارنا لأعمال الفنانة شادية القشيري فهذا يرجع لما تحمله من صرخة تعبيرية رائعة لإنسان هذا العصر، الذي يعاني من التفكك والتجزؤ والتشيؤ وإحساسه بالوجود الهيبولي، وتزامنه مع مؤتمر كلية العلوم الاجتماعية عن حقوق الإنسان، وأنا في ذلك أؤيد آراء كبار نقاد الفن التشكيلي ومنهم مكرم حنين الذي يقول "أن الفكرة التعبيرية في معرض القشيري أكثر بكثير من التفاصيل الجمالية، فالوجوه في لوحاتها ووراء شكلها المادي حركة فكرية وتاريخية ودينية، إنها وجوه أو رؤوس قد وقع عليها جرم كبير، تبدو كوجوه ضحايا أو شهداء أو معذبون أو مقهورون، ورغم ذلك تصرخ وتبوح بفاجعة هذه الوجوه الطوطمية العجيبة الأشكال، وهنا خرجت من عالم الصمت وتداعياته إلى التعبير عن فاجعة إنسانية ما".