السجيني ترسم لوحة رومانسية للطفلة المصرية!! الريشة حينما تجول متأملة تارة .. مشاكسة أخرى ومداعبة في كثير من الأحيان بخلجات المرأة والطفلة عبر ألوان ناعمة ، فنانة رومانسية رقيقة اسمها منقوش بذاكرة الفن المصري منذ الستينات زينب السجيني .. لوحة لزينب السجيني ثلاثون لوحة هي محتوى أحدث معارضها الفنية بجاليري الزمالك ، وقد أنتجتها الفنانة خلال ثلاث سنوات مضت . محيط : رهام محمود ولدت السجيني بالقاهرة عام 1930, وتربت في بيئة التراث والحضارة المصرية "الجمالية والحسين وشارع المعز", بيتها فني بجدارة فقد كان والدها فنانا وعمها ذو شهرة واسعة في مجال النحت وهو جمال السجيني , وزوجته التي كانت فنانة أيضا, تعودت السجيني منذ نعومة أظفارها على رؤية الأعمال الفنية , والتواجد في أتيليه عمها جمال السجيني الذي كان من أبرز فناني مصر وقتها, فكانت تلك الفتاة تساعده وأحيانا ما كنت تجدها جالسة لساعات طويلة أمامه كموديل له أثناء النحت . توقع لها الجميع في صباها دراسة النحت بكلية الفنون الجميلة, نتيجة احتكاكها طوال الوقت بأسرار النحت ومراحله وتقنياته ، ولكن عندما دخلت كلية الفنون الجميلة فضلت دراسة التصميم "الديكور" حتى لا تتأثر بأحد وتكون لها شخصيتها المستقلة , تخرجت من كلية الفنون الجميلة عام 1956, ثم درست بالمعهد العالي للتربية الفنية وتخرجت في 1957, وحصلت على الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية عام 1978, وعملت بالسلك الأكاديمي بالكلية ، شغلت منصب رئيسة قسم التصميم بكلية التربية الفنية جامعة حلوان . تزوجت من الفنان "الراحل" عبد الرحمن النشار أحد عمالقة الفن التشكيلي بمصر ، وكان حينها أستاذا للرسم بمعهد التربية الفنية ، تأثرت به كثيرا منذ زواجهما وبدأت ممارسة إبداعاتها الفنية في مجال التصوير . اتخذت تيمة وأسلوبا خاصا اشتهرت بهما وهي الفتيات صغار السن والأمهات التي أعتدنا أن نراهن برؤية جديدة في كل معرض أقامته, الفنانة ترسم إسكتش للموضوع قبل كل لوحة, لوحة لزينب السجيني ثم تبدأ ريشتها في رسم احاسيسها ومشاعرها تجاه موضوع الأمومة, لتنعكس بالألوان " الزيتية والاكليريك على توال" على لوحاتها, فالفنانة أم حقيقية قلبها مليء بحنان الأمومة, تأخذنا دائما برومانسيتها إلى عالم خاص بها يصور مشاعر الطفل وروحه الفياضة التي تكاد تنطلق خارج لوحاتها, فبينما نحن نتابع اللوحات قد نرى فتيات صغيرات بلعبهن الهاديء في الريف وهي هنا تعكس الخجل والهدوء الذي تتمتع به الطفلة . بدت لوحاتها تعبيرية رمزية تصور وجوه الأمهات والأبناء بعيونهم الواسعة وقد صورت الفنانة فتياتها في حالات مختلفة, انظر لتلك اللوحة مثلا .. صغار يلتفون حول مائدة ولا شيء عليها غير سمكة كبيرة ، وقد بدت على وجه كل طفلة تعبيرات خاصة .. من تفكر ومن تستلق على المائدة أومن تسرح, وفي مشهد آخر طفلة جالسة في ركن بمفردها مستندة على ركبتيها التي تحتضنهما ، بينما نجد بنتين تعلبن على عجلة خشبية وسط المزارع, وتجسد الفنانة هنا في لوحة أخرى أحلام الصغيرات ننظر إليهن واقفات على سلالم منزل ينظرن في اتجاه واحد وكأن البيت ملكا لألعابهن ، وتنثرهم السجيني تارة أخرى على شجرة كبيرة, أو تحمل إحداهن عنزتها في حنان كأنها ابنتها, ومن احتضنت حمارها, ومن ركبت ظهر حيوانات الحقل .
ولم تغفل الفنانة عن البيئة الساحلية ، فهنا في لوحة الصغيرات يلعبن على شاطئ البحر , واحدة ركبت قاربا وأخرى جلست على الرمال , لوحة لزينب السجيني وتتسلل الأم الحانية داخل لوحات زينب السجيني لتشارك بناتها اللعب , فهي تحمل الشبكة مع بناتها على الساحل, وتقف بجانبهن في البيوت , وجلست على الشاطئ بمفردها لرعايتهن, ورأيناها دوما تقف محتضنة ابنتها, أو تمشط شعرها, أو تحمل الطعام والسمك لهن, فكل هذه المشاعر لا تنبع إلا من إحساس الام لصادق . ماء النيل والمزرعة مصدر وحي دائم للفنانة , كما أن اللون الأصفر يغلب على جميع اللوحات وذلك لتأثرها بالصحراء, ومنطقة دهشور, وجو أسوان الحار . تحدثت السجيني ل " شبكة الأخبار العربية محيط" عن تجربتها في هذا المعرض قائلة : " إن تجربتي إحساس بالود والسلام يتوافق وطبيعة مشاعر المرأة, حيث انطلقت عاطفة الأمومة الجياشة لتحكي عن شخوص ذات ايماءات إنسانية, شخوص تنبيء أحيانا عن شاعرية رقيقة ودافئة, وأحيانا أخرى تبوح وترصد مشاعر الألم والخوف, وانطلق الحس الحالم ليؤكد الحلم والأمل والمجهول, إنه ارتباط وثيق لما يدور على أرضنا المصرية من أحداث وحواديت وشجن, الأم والطفل هم الأبطال يلعبون الدور الرئيسي ويسطرون ملامح البراءة والعطاء, والمكان النيل والجبل, وتتعاظم حكاياتي وتكتمل مع الزرع والمنزل ورمزيات الطائر والحيوان . وبسؤالها عن جميع أعمالها التي تتضمن الأم والأطفال أكدت أنها تشعر بالعلاقة بين الأم والطفل ومدى أهميتها ؛ فالأم هي صانعة الأجيال الجديدة . وعن الاتجاهات الفنية الأخرى التي سلكتها في معارضها السابقة بخلاف التعبيرية ، تقول الفنانة :" في السبعينات دخلت في مرحلة جديدة وهي التجريدية وقد أجدت المنطقة التي عملت عليها كما أن لوحاتي حازت إعجاب الجميع, ويوجد لي بمتحفي نموذجا من التجريد وكان موضوعه مرتبطا أيضا بالأمومة, فجسدت المرأة مثلا وهي حامل وراء الميكروسكوب ليتأمل المشاهد ويتساءل "جوة فيه إيه ", ولكني لم أجد نفسي مع هذه المرحلة بالرغم من نجاحها, وسرعان ما عدت لأسلوبي الذي اتبعته من قبل " . عميد كلية التربية الفنية سابقا الدكتور فرغلي عبد الحفيظ كتب عنها بمطوية دعوة المعرض " في معارض الفنانة زينب السجيني السابقة كان الزمان حاضرا على الدوام متمثل في المتوسط العمري الذي يجمع ويقارب بين فتيات لوحاتها الصغيرات, وكان المكان في أغلب اللوحات حاضرا متمثلا في الأرضيات التي تشير إلى الريف المصري, غير أن حضور المكان في معرضها الحالي قد تخطى الاشارات العامة للمكان ليصور ويعبر عن أماكن بعينها أماكن يمكن تسميتها 00 أضاف: " وأظن أن حضور المكان في العمل الفني على هذا النحو يسهم كثيرا في استدعاء مشاعر وعواطف وحنين الفنان في اتجاه أماكن محددة... ويسهم كثيرا في تقليص العمومية لحساب القدرة على رصد كنوز المعارف العاطفية التي يمتلكها الفنان... كم هي جميلة وبريئة ورقيقة تلك المجموعات اللونية التي تطرحها علينا لوحات هذا المعرض وعلى رأسها اللون الأبيض النبيل الذي تتمكن زينب السجيني وتتحكم في تحميله قدرا هائلا من النقاء ". أعمال السجيني قال عنها الناقد أحمد فؤاد سليم :" ندخل إلى عالم زينب السجيني وقد تطهرنا من واقعنا البشري, واغتسلنا من الضوء الروحي, ودلفنا إلى المثالي.. نتعرف في لوحاتها المنسوجة بالألوان المنبسطة لوحة لزينب السجيني على ذلك العالم الذي نتملاه في حلمنا اليومي, فكل لوحة من لوحاتها هي حالة نموذجية في زمن لا نعرف أوله و آخره" . إبراهيم عبد الملاك الناقد عبر عن أنها بحنان الأم تحتضن الفرشاة, وتبثها ودها , وإخلاصها, فهي لا ترسم , وإنما تمارس أمومتها رسما، ويقول د. صبحي الشاروني :"الصدق في التعبير الفني أصبح عملة نادرة في أعمال رسامي العصر الحاضر المصريين, هذا الصدق يجعل أعمال زينب السجيني تصل إلى القلب مباشرة وترتقي بالثقافة البصرية للمشاهدين . الفنانة الناقدة فاطمة علي ترى السجيني فنانة لا ترسم الفرح الطفولي قدر ما ترسم معاناة طفل العالم الثالث, فالطفل في لوحاتها وراؤه شيئا غامضا يظهر بوضوح في عيونه وتطلعه إلى المستقبل . بينما قال الناقد الكبير الراحل حسين بيكار إن الطموح كان يدفع السجيني دائما لتطوير اسلوبها, والتجديد في الشكل مع الاحتفاظ بالمضمون الذي ينبع من وجدانها وعواطفها كإمرأة وأم, ولقد دفعها هذا التجديد إلى نبذ المباشرة الموضوعية السافرة واللجوء إلى الرمزية الشكلية تستوحي منها أشكالها بحرية أكثر وانطلاق في رحاب أوسع...