في ندوة حول "الوهابية" ... الفكر العلماني يتلقي ضربة موجعة
محيط – علي عليوة
الوهابية والسلفية رؤية حقوقية تحولت الندوة التي عقدها أمس الاثنين "صالون ابن رشد" بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلي مناظرة ساخنة مع فكري عبد المطلب مؤلف كتاب "التيار الوهابي في مصر" التي عقدت الندوة لمناقشة الأطروحات الواردة بهذا الكتاب من وجهة النظر الحقوقية .
بدأ مؤلف الكتاب فكري عبد المطلب في عرض مضمون كتابه بالقول بأن صعود المجموعات الموصوفة ب " السلفية " الإسلامية، في مصر وخارجها، جاء ليمثل ظاهرة لافته للعيان، منذ أحداث سبتمبر الأمريكية عام 2001 م .
وذلك عبر خطابات تضاربت فيها تلك المجموعات ومواقفها بين ثنائية : الإذعان و التمرد أي بين سلفية الطاعة وسلفية " الانقلاب".
حتى بدا وكأنه انقسام في الرؤية و العمل بين هذه وتلك ، حول أنظمة وقو اعد الدولة و المجتمع .
واوضح أن تلك الثنائية جعلت السلطات الرسمية -لاسيما في بلد كمصر – تولي رعايتها إلي السلفية الأولي بدعوى أنها مسالمة بينما و اجهت السلفية الثانية بأشد الوسائل الأمنية بأساً، بدعوى أنها إرهابية .
و لكن الذي بدا مفاجئاً لهذه السلطات ، أنه بعد إقد ام العديد من قادة تنظيمي " الجماعة الإسلامية و الجهاد" من إعلانات التوبة عن العنف و المراجعة العقائدية، و التي ارتبطت في معظمها بمشروعية "الخروج المسلح علي الحاكم .
الوهابية ومحاربة الابداع !!
وواصل فكري عبد المطلب كلامه قائلا : وقد تبين أن هذه المراجعات تجاهلت الاشارة لموقف هذه الجماعات من منظومة "الحقوق المدنية " رغم أنها أساس "حقوق المواطنة " بحسب ما بلغته أبنيه المجتمع الحديث، وتشريعات الدولة العصرية. مما جعل "مراجعاتها " أشبه ما تكون باستراحة المحارب .
وهى توجهات وجدت صداها – أيضاً – في صفوف جماعات ( السلفية) الموصوفة ب "المسالمة" ما يثير التساؤل حول طبيعة المشتركات العقائدية بين تلك الجماعات وبين هذين التنظيمين المتر اجعين، وما إذ ا كانت الأولي امتدادا للثانية ، عبر وسائل أخرى إرهابية ، تجرى دون قعقعة السلاح .
وتستهدف هذه الوسائل النيل من كل عمل إبداعي وفني، بغرض مصادرته ، وما اقترن بذلك من مطاردة رموز وعناصر لامعة في الجماعة الثقافية المصرية عبر البلاغات الأمنية الكيدية و الدعاوى القضائية المصطنعة استناد اً إلي الصياغات البيروقراطية الفضفاضة للنصوص القانونية الحاكمة .
وقال إن هناك جماعات أخرى، تمارس ذات التوظيف الشائن لظاهر الدين مثل " الإخو ان" في هذا اللون من الصراعات السياسية المستعر ة، إلي اليوم في مصر ، حيث تتبادل كل من جماعات ( الإخوان) و(سلفية الطاعة ) و إد ارات الدولة الأدوار في أعمال المصادرة و القمع الفكري، و التمييز الطائفي.
واضاف بأن هذه الجماعات السلفية تتخذ "التقية" وسيلة لها لاخفاء توجهاتها ويتم تمويلها من خارج مصر مثل جماعة "أنصار السنة "التي هي امتداد للوهابية السعودية ويمارسون التكفير للمتصوفة والشيعة .
وهذه الجماعة تعترف بأنها وراء تأسيس جماعات العنف في مصر وتراجع هذه الجماعات عن العنف من خلال مراجعاتها هي نوع من "التقية" لان العنف أصيل في بنيتها الفكرية والعقائدية .
وأشار إلي أن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا يقول انه يمثل الإسلام وغيره ليس مسلما وان هناك صلة بين إخوان محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية في السعودية وبين الإخوان المسلمين في مصر
كما ان الوهابية تجرم المرأة وتلغي وجودها و الأزهراصبح مرتعا للوهابية . وأن هناك كتب للمتصوفة فندت الأصول العقدية للوهابية وأثبتت أنها خاطئة .
الكتاب خطاب إنتخابي
وماإن انتهي مؤلف الكتاب من كلامه حتى بدا عدد من الحضور في تفنيد أطروحاته فقال الدكتور نبيل عبد الفتاح رئيس وحدة البحوث الاجتماعية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إن مؤلف الكتاب يسعي لتأويل النصوص التي يقرأها لتحقيق هدف سياسي وهو ما يتعارض مع المنهج العلمي والبحث العلمي الرصين.
وأضاف بأن هذا النهج يعد نمطا من أنماط الايديولوجيا التي تستخدم لتحقيق هدف سياسي وبالتالي فهو لاعلاقة له بالعلم لافتا إلي أن المؤلف ينسي ان الخطاب السلفي هو خطاب تثويري لعلاج أوضاع يراها سلبية في الواقع المعاش وانه لاتوجد سلفية خارج نطاق سياقها الاجتماعي الذي تنشا فيه.
ونبه إلي أن وضع السلفية كلها في سلة واحدة ووصفها كلها بالعنف أسلوب غير سليم ويفتقد الموضوعية فلدينا سلفيون مثل حسن البنا والإمام محمد عبده ورشيد رضا ومحمد ابو زهرة وغيرهم كثيرون نهجوا نهجا تنويريا تربويا لاعلاقة له بالعنف .
وحتي الذين اتخذوا نهجا راديكاليا فقد كان هذا ردا علي ظروف موضوعية كانوا يواجهونها ومن هنا فإن التعميم الذي لجأ إليه المؤلف غير منطقي ويصيب بحثه بالعوار العلمي كما أن الأزهر يميل للمذهب الأشعري وليس الوهابي .
ومن جانبه انتقد الدكتور عبد الرحمن البر الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين استخدام المؤلف لمصطلح "الوهابية " مشيرا إلي ان هذه التسمية خاطئة ويستخدمها خصوم الفكر الإسلامي للتنفير منه .
ونبه إلي أن الإسلام لايعرف تقديس الأفراد او اجتهاداتهم فكل إنسان ماعدا رسول الله صلي الله عليه وسلم يؤخذ منه ويرد وأنه ليس صحيحا ان مؤسس جماعة الاخوان المسلمين قال" ان الاخوان هم فقط المسلمون " .
ووصف هذا الكلام من جانب المؤلف بأنه عار تماما عن الصحة وبعيد عن الامانة العلمية مؤكدا علي ان البنا ظل يؤكد طوال حياته ان الاخوان جماعة من المسلمين وليسواهم وحدهم المسلمون .
التفتيش في النوايا !
وأكد عبد الرحمن البر علي ان خطاب المؤلف المعادي لكل التيارات الإسلامية هو خطاب سياسي انتخابي وليس بحث علمي وأنه لاعلاقة بين إخوان محمد بن عبد الوهاب في السعودية وبين جماعة "الإخوان المسلمين".
ولفت إلي أن زعم المؤلف أن مراجعات الجماعات الإسلامية "الجهاد والجماعة الإسلامية "هي نوع من "التقية " هو بحث وتفتيش في النوايا المأمورين شرعا بتجنبه .
كما أن المصادر التي استند إليها المؤلف غير موثقة ومنهجه يقوم علي اختطاف كلمة من هنا وكلمة من هناك وإخراجها من سياقها الاجتماعي والظروف المحيطة بها ويقوم بتوظيفها لخدمة هدفه الرئيس من الكتاب وهو تشويه الحركة الاسلامية الوهابية والسلفية .
وهو يفعل ذلك ليخدم فكرته الكارهة لكل ما هو إسلامي وهذا لايعبر عن منهج علمي إنما هو انتهازية يتم استخدامها في الأمور السياسية لخداع العوام .
وانتقد الصحفي علي عبد الوهاب قول المؤلف بأن الوهابية "تجرم المرأة وتحتقرها" مشيرا إلي أن القرآن خصص سورتين هما سورة "مريم" وسورة" النساء" تكريما منه للمرأة وقرن النساء بالرجال في الكثير من الآيات في التكاليف الشرعية والأجر .
كما أن السنة النبوية المطهرة جعلت النساء شقائق الرجال ولا يستطيع أي فصيل إسلامي أو جماعة الخروج علي هذه الثوابت التي تكرم المرأة وتساءل اين هذا التجريم المزعوم والمرأة في السعودية" معقل الوهابية " تتعلم لارقي المراحل العلمية وتمارس العمل في المؤسسات العامة والخاصة بل والعمل التجاري والاستثماري .
حق المبدع في ازدراء المعتقدات !!
وتساءل عبد الوهاب إذا كان المؤلف يتهم الإسلاميين بمعاداة الفن والأدب وأنهم يرفعون القضايا علي المبدعين فأي إبداع في قصيدة مثل "من شرفة ليلي مراد " للشاعر اليساري حلمي سالم والتي يصف فيها الذات الإلهية بأوصاف سيئة ؟؟
وأين هو الابداع في رواية مثل (وصايا في عشق النساء ) التي استخدم فيها كاتب الرواية آيات من القرآن في حواره مع عشيقته في غرفة النوم ؟؟!!.
وشدد علي أن المؤلف حين يدافع عن حق المبدع في سب عقائد ومقدسات الآخرين ويسمي ذلك إبداعا له حق الحماية والدفاع عنه ويلوم من يقاضون هذا النوع من الابداع ممن غضبوا لما لحق معتقداتهم ومقدساتهم من ازدراء وإساءة وتجريح فهو يتبني منطقا مريضا وبعيد تماما عن الإنصاف .
وتساءل لماذا يتجاهل العلمانيون أن للمتلقي للاعمال الادبية حقا اصيلا في الا يسيء احد إلي مقدساته ومعتقداته تحت زعم الابداع؟ .
ولفت إلي ان الاعمال التي يتم الاعتراض عليها امام القضاء اهانت بالفعل مقدسات جمهور المتلقين من المسلمين ومنها علي سبيل المثال رواية "وليمة لاعشاب البحر " لمؤلفها الملحد حيدر حيدر الذي شبه فيها القرآن الكريم بالفضلات التي تخرج من الانسان .
مؤكدا علي ان الدفاع عن حق المبدع في سب عقائد الناس والسخرية منها يجعل حركة حقوق الإنسان تسير في اتجاه واحد فقط وتصب في صالح المسيئين لعقائد الآخرين تحت زعم الابداع وهي بذلك تنتصر لهؤلاء المسيئين وتتنكر لحقوق من نالتهم الإساءة والتجريح لمقدساتهم .