أصدرت دار "الثقافة الجديدة" ترجمة كتاب "إجهاض الديمقراطية .. الحصاد المر للعلاقات المصرية الأمريكية في أربعين عاما" تأليف جايسون براونلي، الخبير السياسي الاكاديمي، وترجمة أحمد زكي عثمان . وبحسب كلمة الناشر : "يسعى هذا الكتاب لتفسير أسباب النصر السياسي الذي حققه المصريون الذين تظاهروا منذ يوم الغضب 25 يناير عام 2011، وهو النصر الذي استعصى عليهم تحقيقه في خريف غضب عام 1981. كما أنه يهدف إلى تفسير لماذا نجح المصريون في إسقاط الرئيس وليس إسقاط النظام الحاكم ككل. وتستدعي الإجابة على هذه الأسئلة دراسة، ليس فقط الأمور التي تغيرت، وإنما دراسة الأمور التي ظلت على حالها طيلة هذه العقود. فسر باحثو العلوم السياسية أسباب استمرار أي نظام سلطوي إلى وجود عاملين سياسيين رئيسيين هما: القمع الداخلي والدعم الخارجي . ومن المثير للدهشة في ثورة 25 يناير 2011، أن كلا العاملين كانا قويين بما فيه الكفاية مثلما كانت عليه الحال في 1981. فقبل يوم الغضب، ظلت أركان نظام مبارك على درجة عالية من الثبات والصلابة. كما تمتع النظام الحاكم بشبكة علاقات قوية مع شبكة الدول الأجنبية الداعمة له. إلا أن الجديد في الأمر هو تغلب المحتجين على قوات الأمن وإجبارهم للنخب السياسية {في القاهرة وواشنطن} على إعادة تقييم مردود تأييدهم لمبارك. بكلمات أخرى لم تحدث أية انقسامات داخل النظام الحاكم لتسفر عن اندلاع ثورة يناير، وإنما اندلعت الثورة بفعل تعبئة القواعد الشعبية. وبالرغم من إخفاق المتظاهرين في تغيير النظام بشكل كامل، ذلك لأن الجيش المصري لم يزل مسيطرا، إلا أن تأثيرات الانتفاضة الشعبية أوضحت كيف تمكنت حركة جماهيرية واسعة من هز أركان نظام سلطوي راسخ" "وبرغم الاختلافات بين الطرفين واصطدام صناع شبكة العلاقات المصرية- الأمريكية بعضهم البعض بشكل مباشر وغير مباشر، إلا أن مسئولي البلدين، وهذا هو الأمر الأهم، توافقوا على تبني مسلمات محددة؛ اعتبروها أساس الإطار المفاهيمي الذي يجري من خلاله حل أية اختلافات فيوجهات النظر. فعلى سبيل المثال، تمثل الهدف الرئيسي للعلاقات المصرية- الأمريكية بعد حرب عام 1973 في الحفاظ على أمن إسرائيل وعلى الوجود الأمريكي في الخليج. ولم تكن هذه القضايا مطروحة على طاولة النقاش بين البلدين لسبب أساسي هو وقوع هذين الهدفين في صلب الإطار المرجعي لأية مباحثات بين البلدين. كما شمل الإطار المرجعي للتعاون بين البلدين توافقا حول فرضيتين أساسيتين: رفض منطق السيادة الشعبية (في الحالة المصرية)، وقبول {القاهرة} لفكرة الهيمنة الأمريكية. وعلى حين أيد بعض المسئولين الأمريكيين إجراء إصلاحات ليبرالية محدودة في مصر، إلا أنهم اعتبروا في الوقت نفسه أن فتح الباب بصورة مفاجئة للمشاركة الشعبية ربما يؤدي إلى وصول شخصيات غير معروفة إلى سدة السلطة، وهو ما يمكن أن يهدد التعاون الإستراتيجي بين البلدين. ومن ثم لم يرغب أي رئيس أمريكي، فضلا عن نظرائه المصريين، في أن تتحول مصر إلى إيران ثانية، سواء عن طريق الانتخابات أو عن طريق الثورة. يضيف المؤلف : في الواقع، اعتبرت الولاياتالمتحدة أي مزيج من السياسة الشعبوية والقومية، حتى لو مزيج معتدل، تهديدا للدعم الإستراتيجي الذي تقدمه مصر. وبناء عليه فإن الولاياتالمتحدة سترحب بإجراء الانتخابات الحرة النزيهة وفتح الباب للإصلاح السياسي شرط الحفاظ على استقرار البلاد وكبح جماح القوى التي تصفها بالمتطرفة. أما المجال الثاني للتوافق بين الطرفين، المصري والأمريكي، فتمثل في إقرار مسئولي البلدين بالنتائج المترتبة على اختلاف طبيعة وقوة كل من القاهرة وواشنطن. ومن هذه النتائج أن الالتزامات المتبادلة بين البلدين لم تُغير من حقيقة أن مصر لم تكن شريكا على قدم المساواة مع الولاياتالمتحدة وإنما تابع محوري للسياسة الخارجية الأمريكية. لقد كانت هناك تراتبية بين البلدين نبعت من اختلافات سياسية واقتصادية ولم تفلح الروابط المشتركة طيلة ثلاثين عاما في تخفيف حدتها. " ومما نشر حول الكتاب : "ظلت مصر شريكا إستراتيجيا لواشنطن في الوقت الذي عملت الولاياتالمتحدة فيه على ضمان أمن إسرائيل ودعم حلفائها من مصدري النفط العرب. وعلى الرغم من عدم مشاركة القاهرة في عمليات قتالية مع القوات الأمريكية، باستثناء عمليتي درع الصحراء وعاصفة الصحراء ، إلا أن نظام مبارك قدّم معلومات استخباراتية لواشنطن كما قدّم تسهيلات للبنتاجون من أجل نقل قواته من عرض البحر المتوسط إلى الخليج العربي عبر قناة السويس. وعندما كانت القوات الأمريكية تقاتل في أفغانستان والعراق، سمحت مصر للطائرات الأمريكية بالتحليق فوق أراضيها بمعدل 20 إذنًا للطيران يوميا في عام 2005. ولم يعرقل نشوب توترات بين البلدين بين الحين والآخر، على غرار ما حدث في منتصف الثمانينيات وسنوات الألفية، التعاون الإستراتيجي بين البلدين. وسعى المسئولون الأمريكيون للحفاظ على التعاون الأمني مع القاهرة في اللحظة التي أصبحت فيها سياسة "تعزيز الديمقراطية" سمة بارزة من سمات السياسة الخارجية الأمريكية في إدارة جورج بوش الابن. وحتى عندما حاول المشرعون الأمريكيون وضع شروط على المساعدات العسكرية لمصر في عام 2007، فإن هدفهم لم يكن الضغط على مبارك من أجل تغيير سياسته القمعية، وإنما للضغط عليه لإبداء قدر أكبر من التعاون للحفاظ على أمن إسرائيل. أي أن نفوذ الولاياتالمتحدة القوى على القاهرة لم يكن يصب في صالح قضية الديمقراطية، بل صب في خدمة المصالح الأمريكية الرامية إلى إضعاف حماس في هذه الحالة.