لا وجود للمستبد العادل فهما ضدان لا يجتمعان الاجتهاد مصدر رئيسي للتشريع مع القواعد الكلية للقرآن و السنة أول جمعية تأسيسية فى عهد الرسول لعن الله رجلا أم قوما و هم له كارهون من أعان ظالما سلطه الله عليه بين صراع الهوية و الأيديولوجية ، تعلو هتافات إسلامية إسلامية و يقابلها هتافات مدنية مدنية ، و يذكر د. عبد المعطى محمد بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية فى كتابه " الإسلام و الدولة المدنية " ، أن الدولة الإسلامية هى مدنية فى الأساس لا دينية . وفي الكتاب الصادر عن دار الهلال 2005 ذكر بيومي أن الدولة الدينية هى التى قامت فى مصر القديمة و فارس و أوروبا فى القرون الوسطى ، حيث يتحكم الكهنوت و رجال الدين فى مقاليد الحكم ، و كان ينظر للحاكم على أنه ابن الله أو المفوض من قبل الله فى حكم الدولة . أما الدولة الإسلامية التى نشأت على يد الرسول صلى الله عليه و سلم فلا تختلف أسسها عن معالم الدولة الحديثة بل تتفوق عليها ، فقد جعلت الأمة مصدر السلطة و أعطتها حق الاختيار من خلال " البيعة " ، و أرست المساواة بين الجميع ، و مبدأ الشورى ، و الحرية ، و الشفافية و محاسبة المسئولين و العدالة و سيادة القانون . الأمة مصدر السلطات الرسول لم يكن طالبا لسلطة أو جاه ، و برغم أنه رسول الله و لكنه لم يبنى حكمه على ذلك ، بل أسس لمبدأ الأمة مصدر السلطات ، فى بيعة العقبة الثانية ، فأسس لحكمه فى المدينة على بيعة أهلها ، و انشأ أول " جمعية تأسيسية فى الإسلام " عندما طلب الرسول من ال 73 رجلا أن يختاروا 12 نقيبا ، كما أرسى اول دستور إسلامى عند بناء الدولة فى المدينة بعقد الوثيقة الشهيرة التى تحدد الحقوق و الواجبات. و قال صلى الله عليه و سلم " لعن الله رجلا أم قوما و هم له كارهون " ، فأسس الرسول و من بعده من الخلفاء الراشدين حكمهم على " البيعة " و اختيار الناس ، و عن شعار الحاكمية لله ، فإن كان الحكم حقا إلهيا ، لأخذه الرسول دون مبايعة ، و من يأخذ البيعة غصبا عن الأمة فلها إلا تطيعه و تعزله . و عن قيمة صوت الإنسان و تعبيره عن رأيه فى اختيار من يحكمه قال الرسول : " من خلع يدا من طاعة ، لقى الله يوم القيامة لا حجة له ، و من مات و ليس فى عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية " . و صار الخلفاء على خطى الرسول فقال أبو بكر : " إنى وليت عليكم و لست بخيركم ، فإن رأيتم فى خيرا فأعينونى و إن رأيتم فى إعوجاجا فقومونى " ، فردوا عليه : إن أسأت قومناك بسيوفنا ، مما يظهر مدى الحرية التى تتمتع بها الأمة ، و أنها مثال حى على حكم الأمة نفسها بنفسها . و عن " تداول السلطة " فلا يوجد نص يمنعه ، فالإمامة عقد تراض بين الحاكم و الرعية ، و لذا فالشروط مفتوحة ، و كان ابن الخطاب كل عام يتسبقى الولاة الصالحين و يعزل الآخرين . الدستور و الشريعة أسس النبى للفصل بين أمور الدنيا و الدين بقوله : " إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه ، و إذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر " ، و قوله " أنتم أعلم بأمور دنياكم " . و يقول بيومى أن الشريعة لا تهدد استقلال العقل البشرى بل تأخذ بيده لاستنباط القانون الذى يحقق المصلحة ، فكان الرسول يطلب إلى أصحابه أن يفتوا و يقضوا بين الناس حتى يدربهم على فقه الرأى و القضاء . و يستدل بقول ابن القيم : " فإن الشريعة معناها و أساسها على الحكم و مصالح العباد فى المعاش و المعاد ، و هى عدل كلها ، و رحمة كلها ، و مصالح كلها ، فكل مسالة خرجت من العدل إلى الجور ، و من الرحمة إلى ضدها ، و من المصلحة إلى المفسدة ، و من الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة " . النظام الإسلامى يسع الجميع ، فلا يجوز تشريع أى قانون يضر بغير المسلمين أو يؤذيهم ، الرسول لم يعد القرآن دستورا ، بل هو فوق الدستور ، فالدساتير متغيرة وفقا للأزمنة و الأحداث ، و أن كان الدستور أبو القوانين ، فالقرآن روح الدستور. و قال بيومى أن الحركة الإسلامية التى تعلن القرأن دستورا تفتقد الرؤية الصحيحة ، و يدلل على ذلك عندما بعث الرسول بمعاذ بن جبل لليمن ، و سأله بما يحكم ، قال : بكتاب الله ، فقال الرسول فإن لم تجد ، فقال : بسنة رسوله ، فسأله فإن لم تجد ؟ قال أجتهد . فمصادر التشريع ثلاث هى القرآن و السنة و الاجتهاد ، و الاجتهاد مصدر أساسى للتشريع مع القواعد الكلية للقرآن و السنة ، و لب الشريعة إقامة العدل و تحقيق مصالح العباد ، و يوضح بيومى أن الفقه ليس الشريعة و انما هو فهم أحكام الشريعة، و كل قانون يحقق المصلحة و يقيم العدل هو قانون إسلامى . حكومة الرسول مصطلح " حكومة " لم يكن متعارف عليه أيام الرسول " و لكن الأسس التى يقوم عليها فى أكثر الدول الديمقراطية كانت متوافرة فى عهد الرسول ، و كان الرسول منفتح على تجارب الأمم الآخرى ، ويأخذ منها ما يناسب . كان منهج الرسول فى اختيار الرجال إلا يولى أحدا أمرا يطلبه ، و كان يختار القوى الأمين الكفء ، و يرفض أن يولى ضعيفا لما يسببه ذلك من أزمات و خراب . لم يكن الرسول متفردا بالسلطة ، و كانت حكومته قوية ، و كان له هيئة تشريعية من كبار الصحابة كأبو بكر و عمر و عثمان و على ، و كان يوسع دوما دائرة مستشاريه ، حتى أنه كان يجمع أهل المدينة كلهم فى المسجد و يستشيرهم ، و كان يغلب رأى الأكثرية . و ذكر الرسول " الوزارة " فى قوله " وزيراى من أهل الأرض أبو بكر و عمر " ، و عين " الولاة " و هم أشبه بالمحافظين الآن ،و عين الرسول القضاة . كما كان للرسول " سفراء " و هم مبعوثو الرسول للدول ، و كان " حذيفة بن اليمان " صاحب سر رسول الله ، و يعادل فى عصرنا " الأمين العام أو رئيس الديوان " ، و كذلك وظيفة " المحاسب " و كان الرسول يشرف عليها بنفسه ، و كان يقول " و الله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله يحمله يوم القيامة " ، فقد سن الرسول فى عهده " حرمة التربح بسبب الوظيفة " ، و هذا أشبه بدور الرقابة الإدارية الآن و الجهاز المركزى للمحاسبات . بالإضافة لوظيفة " المحتسب " الذى يراقب الأسواق و يظبط الأسعار و الغش ، و ممن تولت هذا العمل امرأة تسمى " سمراء بنت نهيك الأسدية " ، و غيرها من الوظائف . الرقابة كان عمر بن الخطاب يراقب الولاة و يهتم بشكاوى الناس ، فأرسل لأحد الولاة يقول : " كثر شاكوك و قل شاكروك ، فإما اعتدلت و إما اعتزلت " ، فالولايات ليست إقطاعات يقطعها الحكام لمن يوليه ، بل أمانات يعزل من يخونها . و تأكيد أن الموظف لدى الأمة وقته مرتهن للمؤسسة ، روى ابن سعد أن الخليفة ابو بكر ذهب للسوق يتاجر فلقيه ابن الخطاب و عبيدة بن الجراح ، فسألوه ماذا يفعل ، و قد ولى أمر المسلمين ، فقال و من أين أطعم عيالى ، فقالوا له أنطلق حتى نفرض لك شيئا ، و كان يصادر عمر مازاد على مرتبات الولاة و فعل ذلك مع أبو هريرة . و قال المؤلف أن على الحاكم أن يحمى نفسه من غرور السلطة ، و يعلم أن الله يحاسبه قبل الناس ، و يوقف الخارجين على القانون ، و يقضى على العصبيات القبلية التى تهدد الوحدة ، و أن يعيش فى وسط الناس و لا يأخذ السلطة امتيازا . و كان عمر بن الخطاب يرى ان المسئول الذى يثرى من السلطة كالبهيمة التى مرت بواد خصيب ، فلم يكن لها هم إلا أن تأكل وتسمن ، و يقول" أن أشقى الناس من شقيت به رعيته " . و لم يكن الحاكم فقط هو من يراقب و يحاسب بل الأمة ايضا لأنهم فطنوا أن الأمارة اجارة ، و أن الحاكم أجير عند الأمة ، فنجد أحد المسلمين يصيح فى عمر بن الخطاب لأنه استأثر لنفسه بثوبين فى حين اخذ الجميع ثوب واحد ، فلا سمع و طاعة له عليهم ، فأجابه عبد الله أنه أعطاه من ثوبه ليتم ثوبه ، فقال الرجل : أما الآن فالسمع و الطاعة . لم يكن هناك اجهزة معينة للرقابة لأن الأمة كلها كانت تراقب و تحاسب الحاكم شخصيا حتى انها تحاسبه على ثوبه الذى يرتديه ، مما أتاح " شفافية " لم تستطع أن تحققها الأنظمة الحديثة ، و عندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية انشئ " ديوان المظالم " لحصر الشكاوى و المخالفات و محاسبة السلطة . دعائم النظام الإسلامى النظام الإسلامى ليس بكونه إمارة أو خلافة أو ملكية أو جمهورية ، فالنظام الإسلامى يتحقق بالشورى و العدالة و الحرية و المساواة و دونهم لا يكون إسلاميا . الحرية و الشورى لقد جعل الله الإنسان مخير ، و أعطاه حرية الإيمان أو الكفر " فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر " ، و حرية اختيار طريقه ، حتى يكون اختيار الإنسان للفعل قبول لجزائه . " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهم أحرارا " هذة كلمات بن الخطاب ، فأباح الإسلام جميع الحريات إلا ما يخالف الشرع ، فأنت حر ما لم تضر ، سواء كان الضرر لنفسك أو لغيرك ، فيشجع الإسلام الحرية المسئولة . و فى عهد الرسول لم يكن الجميع يتنفس حرية فحسب ، بل كانت واجبا ، بل حرم كتمان الرأى فقال الرسول " كاتم العلم ملعون " و قال أبو هريرة " ما رأيت أحدا أكثر مشورة من رسول الله صلى الله عليه و سلم " ، و قال النبى : " ما تشاور قوما إلا هدوا لأرشد أمرهم " . المساواة و العدالة قال رسول الله " كلكم لآدم و آدم من تراب لا فضل لعربى على عجمى و لأبيض على اسود إلا بالتقوى " ، و قال الناس سواسية كأسنان المشط . و فى النظام السياسى سوى بين الناس فى الحقوق و الواجبات فقال عن غير المسلمين " لهم ما لنا و عليهم ما علينا " و " من آذى ذميا فقد أذانى " ، و فى إقامة العقوبات فقال الرسول " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ، و كان يقول الرسول عن نفسه " إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " . و فى عام الرمادة فى عهد عمر ، كان عمر يأكل الزيت فيقرقر بطنه ، فيقول قرقر ما شئت ، فوالله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس " ، و غضب من عمرو بن العاص عندما أقام حد شرب الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب فى بيته ، و قال انما عبد الرحمن من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين ، و لكن قلت هو ولد أمير المؤمنين ، و قد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندى فى حق يجب لك على ، فإذا جاءك كتابى هذا فابعث به فى عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع ". و حتى العبادات تضرب مثالا فى المساواة فيقف المسلمين صفوفا لا فرق بين غنى و فقير ، و يفرض الصوم على الجميع حتى يشعروا بحرمان الفقراء ليشعروا بواجبهم نحوهم ، و كذلك الزكاة ، و فى الحج يتجرد الإنسان من كل مظاهر النعمة و عن العدل قال تعالى " و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " ، " يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى و جعلته محرما بينكم " ، و قال النبى " من أعان ظالما سلطه الله عليه " ، فالحاكم المستبد عبر التاريخ ضعيف يستمد القوة من حاشيته، و ما يلبث أن ينقلب عليهم ، فالسلطة المطلقة ضعف مطلق . و يختلف المؤلف مع الأمام محمد عبده فيما سماه " المستبد العادل " على أنه الأصلح للقيام بشئون الرعية ، قائلا أن الاستبداد و العدل ضدان لا يجتمعان ، فالمستبد ضعيف فى داخله يستبد لاستجلاب القوة مستعينا بنفوذه و الظلمة طلاب الدنيا ، أما العادل يشعر بالقوة فى داخله فلا يخشى انفلات الأوضاع من يده و يستعين بالصالحين فى حكمه ، و لذلك فالقوى لا يطلب الأمارة ، فى حين يستجديها الضعيف .