- هزال الإنسان وضعف ذكاءه أبرز ما يميزه في المستقبل - مبان مهجورة واختفاء الفنون والحضارات ظلام يحيط بالبشر - الحضارة في رواية "ويلز" بناء متهالك سيدمر البشرية "إن كل روايات السفر عبر الزمن التى خرجت للنور منذ ظهور رواية "آلة الزمن" تدين بالفضل لرواية ويلز". هكذا يؤكد كبار كتاب الروايات العلمية. تمر اليوم 13 أغسطس ذكرى رحيل الكاتب البريطاني البارز هربرت جورج ويلز، كان ويلز من عائلة فقيرة تعيش في مقاطعة "كنت" بانجلترا ولد في 21 سبتمبر 1866 ومات بلندن في 13 أغسطس 1946. بسبب فقره اضطر لأن يعمل صبيا في متجر لبيع الأقمشة، وكان حينذاك في الرابعة عشرة من عمره، ثم ترك المهنة في سن السابعة عشرة، وعمل مدرساً في مدرسة صغيرة بإحدى القرى. لكن طموحه لم يتوقف عند هذا الحد، واستطاع أن يحصل على منحة دراسية ساعدته في الالتحاق بالجامعة، وقضى في تلك الدراسة ثلاث سنوات ولكنه لم يوفق في الحصول على الشهادة الجامعية في دراسة العلوم، ومع ذلك فقد أشعلت هذه الدراسة قدرته على الخيال العلمي وكانت مصدر إلهام لرواياته الأدبية. ثم ثابر ويلز على الدراسة العلمية حتى استطاع الحصول على شهادته الجامعية عن طريق الانتساب. كان ويلز هزيل الجسم ويعاني من مرض صدري وتزوج زواجا غير موفق من طبقته الاجتماعية المتواضعة تدعى "ايزابيل"، وعندما تخلص من هذا الزواج تزوج من فتاة شابة أصبحت أماً لاثنين من أبنائه. التحق ويلز بعد ذلك بمهنة الصحافة وأصبح من كتاب القصة القصيرة وكان أسلوبه يتميز بالعمق والطافة والجاذبية الشديدة، وذاعت شهرته عندما كتب رواية "آلة الزمن" التي نتوقف عندها في السطور القادمة. نشرت رواية "آلة الزمن" لأول مرة في عام 1895 وتم إعدادها في وقت لاحق مباشرة لإنتاج فيلمين روائيين طويلين يحملان نفس الاسم، وكذلك اثنين من الأعمال التلفزيونية، وعدد كبير من إصدارات الرسوم للناشئة. كان النجاح الذي حققه ويلز في كتابة هذا النوع من أدب الخيال العلمي دافعاً له على ترك مهنة الصحافة، وترك المدينة أيضاً ليعيش حياة هادئة في الريف، تفرغ فيها لفن الكتابة العلمية والأدبية والاجتماعية والتاريخية. السفر عبر الزمن يقول مسافر الزمن في روايته : "منذ وقت طويل جاءتني فكرة اختراع آلة في مقدورها أن تسافر في اي اتجاه أو بعد في المكان أو الزمان، وقمت بالتجربة بالفعل وتأكدت من صحة فكرتي". يواصل: "قضيت في صنعه عامين". ويشرح مسافر الزمن اختراعه قائلاً: الآلة لها مقبضين، عندما أدير أحدهما تندفع آلة الزمن في المستقبل، أما هذا المقبض فهو يعكس الاتجاه ويدفع الآلة في الاتجاه الماضي. ويشرح لأصدقائه هذا مقعد المسافر، وحين أدير المقبض تختفي الآلة، سوف تندفع في زمن المستقبل ولن ترونها فيما بعد. آلة الزمن هى قصة عالم يصنع آلة تنتقل به عبر الزمن ويدفعه الفضول فينتقل فعلا بها إلى المستقبل، وعندما انتقل إلى المستقبل البعيد وجد كيف أن مستقبل البشرية مظلم حيث أنه من خلال المسافة الطبقية بين الأغنياء والفقراء سيظهر جنسين من البشر كل جنس أحفاد لمن سبقوه، فأحفاد الأغنياء سيكونون جنساَ غبياَ ضعيفأ يسمى "الأيلو" وذلك بسبب تطورهم عبر الزمن وما الحاجة إلى القوة أو الذكاء بالنسبة لهم أو لآبائهم أو لأجدادهم حيث أنهم كانوا منعمين!. أما أحفاد الفقراء فسيتحولون إلى حيوانات لا تمت إلى البشر بصلة هم "المورولوك" فهم يحيون تحت الأرض ويعملون ويكدون دائماً كما كان يحيا آبائهم وأجدادهم، ولكنهم يزيدون عنهم في أنهم تكيفوا وتطوروا مع هذا الوضع المزري،لكن هناك شيء قد يعيد إلى الجنس المتدني الحيواني هذا بعض كرامتهِ وهو أنهُ سيستغل ضعف الجنس الأخر "الأيلو" ويستخدمونهم في التغذية حيث سيدعونهم يأكلون ويشربون وينعمون إلى أن يأتي الدور على أحدهم فيخطفهُ "المورولوك" ويأكلوه. ظلام البشرية مسافر الزمن عالم عاش في القرن التاسع عشر في لندن لم يرو لنا اسمه، تبدأ قصته ذات يوم عندما كان جالسا مع جماعة من الرجال الكبار في المجتمع، يشرح لهم مبدأ عمل جهاز يعمل على إنهائه، هو "آلة الزمن". انطلق مسافر الزمن إلى رحلته في المستقبل في غضون أسبوع منذ ذلك اللقاء. لقد أخذته آلته إلى سنة 802,701بعد الميلاد وكان أول انطباع له عن هذا المستقبل هو أنه مستقبل هادئ وسالم، وتعرف على مخلوقات تدعو أنفسها الأيلو، استقبلت الأيلو الرحالة بفضول وترحيب، لكن الرحالة خاف على آلته من السرقة فأبطل عملها قبل أن يذهب إلى التجول. اكتشف الرحالة إن الأيلو هي مخلوقات أصلها البشر لكنها تتصرف مثل الأطفال وتتصف بصغر حجمها وبساطة منظرها, تتغذى على الفواكه الشهية، وتعيش في مجتمعات هادئة وصغيرة، لم تعرف هذه المخلوقات الخوف، أو العمل أو الجهد. لقد تحولت لندن إلى حديقة كبيرة مليئة بالزهور والمباني المتباعدة, لقد كانت الحياة كما بدت للرحالة بسيطة وجميله لهذه المخلوقات، ووصف الرحالة هذا العصر بالعصر الذهبي. عندما حاول الرحالة التكلم مع الأيلو اكتشف أن لغتهم غريبة لم يسمع بها من قبل، وكان مستوى ذكائهم شديد الانخفاض، ولم يظهروا أي علامة اهتمام به أو بأسئلته، فقرر الرحالة بأن يذهب للاستكشاف وحده وأثناء تجواله بدأ بالتفكير بالأسباب المؤدية إلى تحول الإنسانية بهذا الشكل وغروب شمس الجنس البشري، حيث أفترض أن القدرة العقلية المنخفضة للأيلو هي نتيجة صراع البشر نحو التطور في جميع المجالات، وعند وصولهم إلى أعلى درجات الراحة والرفاهية توقف البشر عن التطور وبسبب عدم وجود أي حاجة للتطور أصبحوا بلا خيال أو إبداع. يواصل: وبدون أي حاجة إلى العمل ضعفوا جسديا، وتوقع الرحالة أن الطب الوقائي قد تم إكماله لأنه لم يرى أي علامة لأي مرض عند الأيلو وبلا عمل أو صعاب لم يعد هناك حاجة للتعاون أو القيادة أو المنافسة أو التفريق الطبقي وبلا هذه العوامل تختفي الحروب والجريمة. أيضاً لاحظ "مسافر الزمن" اختفاء الفنون والحضارات التي قادها الطموح والتغلب على الصعوبات، مع مرور الزمن وزيادة حملات إيقاف زيادة السكان قل أيضاً عدد الناس وعدد الأيدي العاملة مما يفسر المباني المهجورة والكبيرة التي عرضت نفسها أمام الرحالة بشكل يدل على أنها في يوم من الأيام كانت مكانا عامرا. فقد قضى الإنسان عصورا وهو يحاول أن يصل إلى الراحة المطلقة وما قاد الإنسان نفسه إلا إلى الهلاك فقد كانت هذه النظرية الأولى للرحالة عن هذا الزمن!. عندما عاد رحالة الزمن إلى المبنى الذي جلس فيه ذلك اليوم مع الأيلو لاحظ أن آلة الزمن قد اختفت، في البداية شك بأن الايلو قد أخفوها وبدأ بسؤالهم لكن لم يحصل على أي نتيجة، فذهب للبحث عنها في ظلمات الليل لكنه لا يجدها. صراع الطبقات الحقيقة التي يكتشفها الرحالة هي أن هذا المجتمع له جانب سلبي كبير، فقد وجد مخلوقات شنيعة المنظر قبيحة الوجه لا تمت إلى البشر بصلة تشبه العناكب الكبيرة، تسمى بالمورولوك، يحيون تحت الأرض ويعملون ويكدون دائماً، يكرهون الضوء كما يكره الايلو الظلام، واكتشف الرحالة أن التميز الطبقي في القرن التاسع عشر انطلاقا من مشاكل عصرنا والاتساع التدريجي في الفرق الاجتماعية والرأسمالية تمدد حتى تطور الجنس البشري إلى عرقين : الأغنياء الأغبياَء والضعاف الذين يعيشون حياة ترف والفخامة (الايلو)، والفقراء (الطبقة العاملة) الذين أصبحت التعاسة روتين حياتهم اليومية وتكيفوا مع هذا الوضع المزري (المرلوك). نهاية الزمان بعد صراع وبحث طويل يجد الرحالة الآلة ويعمل على إعادة تشغيلها أثناء هجوم المرلوك عليه ويهرب الرحالة إلى زمن آخر، يصل الرحالة إلى زمن يتعدى القرن التاسع عشر بثلاثين مليون سنة. يرى الرحالة انقراض البشر وموت آخر ما بقى على الأرض من مخلوقات حية، يرى أن لندن تحولت إلى صحراء يشتد فيها ضوء الشمس ثم يتقدم الرحالة في الزمن إلى أن تتحول لندن إلى أرض يملأها الظلام والبرد القارص ويعم الصمت المطبق بها ولا يوجد فيها أي أثر للحياة . يشعر الرحالة بالاشمئزاز فيعود إلى القرن التاسع عشر فقط بعد ثلاث ساعات من رحيله ويجد أن جماعة الرجال ينتظرون حضوره وعندما يخبرهم بقصته، يرفضونها ويشككون في صدق روايته، حتى أن الرحالة نفسه بدأ بالتشكك في ما حدث له لولا عثوره على وردة في جيبه أهدتها لها احدى "الأيلو" فتختفي شكوكه. تنتهي الرواية بإعداد "مسافر الزمن"لرحلة جديدة، ويعد الرحالة بالعودة بعد نصف ساعة، ومضت ثلاث سنوات ولم يعد الرحالة بعد، ويبقي مصيره لغزا لن يحل أبدا!. ويتساءل الراوي: هل يعود في يوم من الأيام؟ إنني أعرف أن أمله كان ضعيفاً في تقدم البشرية، كان يرى في حضارتنا هذه مجرد بناء متهالك لن يلبث في النهاية أن يسقط فوق رؤوس صانعيه، ويدمرهم. ويؤكد الراوي: إني أرى المستقبل لا يزال مظلماً ومجهولاً، إنه مساحة من المجهول المطلق ليس بها كثير من الضوء، ولكن لدي الآن زهرتين بيضاوين جافتين تشهدان بأنه إذا ذهب العقل والقوة. فإن الامتنان والحب الرقيق بين الإنسان، سيبقيان في قلب الإنسان!.