"الألماني" و"عبده موته" و"إبراهيم الأبيض" كرست لعنف مبالغ فيه البعض اعتمد على مشاهد الدم والعنف لجذب المشاهدين ظهور العنف والعنف المضاد انعكاس لمضمون سينمائي عنيف يتمادي لمرحلة ما فوق الواقعية الحية بكثير مشاهد العنف الدموي تؤثر سلبًا على الأطفال في الشوارع والمدارس والحضانة والنوادي موجات العنف السينمائي بدأت في السينما المصرية منذ مرحلة ستينات القرن الماضي شكلت مجموعة أفلام سينمائية منها "إبراهيم الأبيض" و"الألماني" و"عبده موته" علامة فارقة في التحولات التي طرأت على المجتمع المصري، وتبين بما لا يدع مجالاً للشك ان هناك وجهاً للارتباط بين نجاح تلك النوعية من الأفلام، وبين عالم البلطجة السري والخفي، وإدارة العالم السفلي لعمليات المافيا والتهريب وتجارة الممنوعات . وبين أفلام الدم المسفوح، وتأثيرها على المجتمع والأطفال بشكل سلبي وضار بالأمن الاجتماعي، حاولت شبكة الإعلام العربية "محيط" أن ترى أفلام العنف والدم بعيون نقاد السينما والمجتمع المصري، في السطور التالية: في البداية، يقول الفنان أحمد السقا -الذي قدّم مجموعة من أفلام الأكشن والإثارة، والذي كان أكثرها عنفاً "مافيا" و"تيتو" ثم "الجزيرة" و"إبراهيم الأبيض"- أن من يتهمون "إبراهيم الأبيض" بالدموية والعنف، وأنه يفوق الواقع ويكرس لعمليات العنف وإراقة الدماء غير منصفين، فالواقع فج وأكثر قسوة من أن نتناوله في عمل سينمائي، وبالتالي فالسينما دورها انتقاء مشكلات الواقع وإعادة تقديمها بصورة متوازنة مع ما يحدث في المجتمع بدون زيادة أو نقصان، ولا ننسى أن المشاهد المصري يتابع أفلاماً أجنبية تفوق في مشاهد الدماء والقسوة كل التخيلات. ويتابع نعم أعلم أن الواقع المصري به الكثير من عمليات انتهاك لبراءة الأطفال ولكل معاني الإنسانية، وذلك نتيجة تردي مستوى الخدمات الأمنية في البلاد نظرأً للظروف السياسية والأمنية، التي مرت بها، والتي نتمنى جميعا الخروج منها بمساعدة الدراما والسينما . مبالغة في العنف المتخصصون كان لهم رأي أخر .. فتقول الناقدة السينمائية ماجدة خير الله، إن نوعية الأفلام التي ظهرت في الآونة الأخيرة، والتي تهتم بطرح قضية العنف في المجتمع وتتناول الشارع الشعبي والحارة بمشاكلهما تعتمد على مستوى فني عالي وتكنيك وأداء رائع، ومن أبرز نماذجها (إبراهيم الأبيض، والألماني، وأخيرًا عبده موته)، ولكن يؤخذ عليها مبالغتها في العنف، كما لو كان العنف هو الشيء الوحيد الأكثر أهمية في المجتمع، ولم يكن فيها مساحات لأبعاد مجتمعية أخرى أكثر قيمة وواقعية كالتسامح وروح المحبة والإخاء التي يشتهر بها المصريون. واعتبرت "موريس" أن تلك الأفلام تعد من النوعية الناجحة سينمائياً وجماهيرياً، وخاصة فيلم "عبده موته" الذي حقق في أيام عرضه الأولى أكثر من 9 مليون جنيه، ولكن يعاب عليه أنه يتناول العنف بمقادير غير متوازنة مع الواقع الحقيقي، ولم يُقدّم توازن لأشخاص البيئة الشعبية الواحدة، ولم يبرر لأسباب العنف وجرعاته للمشاهد كي يكون هناك اقتناع به، لذلك لابد لتلك النوعية من الأفلام، أن تعتمد على التحليل والتفسير الواقعي وعدم المبالغة، كي يحتفظ العمل السينمائي بقيمته الحقيقية ويَحوذ اقتناع المشاهد بعيدًا عن عوامل الجذب بالدم والقتل. انعكاس على السلوكيات ومن منظور نفسي .. يقول الدكتور إبراهيم محمد المغازي -أستاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية التربية جامعة قناة السويس- إن هناك عدوى نفسية تتفشى بين المجتمع رجالاً وسيداتٍ وأطفال، وتنتقل من خيالات السينما وتنعكس على المشاهد، وتتراوح شدتها على حسب الثقافة، والبيئة، والفئة العمرية للإنسان، وذلك لأن الأمر يتطور نفسيًا من المشاهدة إلى التصور فالتفاعل مع الخيالات السينمائية يتم تطبيقها في الواقع، وهي عملية توصف بأنها استقراء للضعف النفسي وسيادة مناخ البيئة المحيطة، وما نشاهده سينمائيًا ينعكس سلباً وإيجاباً على سلوكيات الفرد والمجتمع، ومصر تعيش سمات نفسية عنيفة منذ مرحلة ما بعد ثورة ال 25 من يناير، فظهر العنف والعنف المضاد، وهو انعكاس لمضمون سينمائي عنيف ويتمادي إلى مرحلة ما فوق الواقعية الحية بكثير. وأشار "المغازي" إلى أن أكثر من يتأثرون بمشاهد العنف الدموي والقتل وبورتريهات الدم المسفوح هم الأطفال في الشوارع، والمدارس، والحضانة، والنوادي، ويمتد التأثير إلى داخل الأسرة الواحدة وبين أفرادها، كما أن الشيء المفزع، أن تشاهد الأطفال في الشوارع والأزقة تقلد حركات أبطال تلك الأفلام الشعبية بحكاياتها العنيفة، ومعارك السلاح الأبيض، التي تدور في أزقتها الضيقة وأسواقها الصاخبة بواسطة العصي الخشبية،وطالب أستاذ علم النفس، بأن تتحرر السينما من قيود السعي إلى الكسب على حساب مستقبل الأجيال القادمة من المتابعين الصغار، وتقليل جرعات العنف والقتل والدم قدر الإمكان، حتى لو كان ذلك على خلاف ما يجري في الواقع. وفي السياق ذاته .. يرى الدكتور على المكاوي -رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، ورئيس مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة- أن السينما عامة تُعّد من وسائل التعبير الاجتماعي، لأنها تقدم النموذج العملي الجذاب السريع والمقبول، وتدفع المشاهد للاستيعاب والمقارنة، ولذلك فالفيلم السينمائي الواحد أكثر تأثيرًا على المجتمع من معركة حربية، ومضمون الأفلام يؤثر سلبًا وإيجابًا على المجتمع ككل، وقد تفرز بعض الأفلام أنماطاً بشرية سيئة للغاية. العنف بدأ قديماً ويرى "مكاوي" أن موجات العنف السينمائي بدأت في السينما المصرية منذ ستينيات القرن الماضي، متوازياً مع ما تقدمه السينما الأمريكية من أعمال عنف ودماء، لذا كان التأثير السيئ لتلك النوعية من الأفلام بالغ الأثر، حتى أن المصريين اعتادوا على كون فريد شوقي بطل لا يضرب فلما ضُرب من محمود المليجي في أحد الأفلام استشاط المتابعون غضبًا وكادوا يكسرون مقاعد دور العرض وقتها. كما أن نوعية الأفلام التي تقدم جرعات العنف الزائدة تسهم في سوداوية النظرة المستقبلية، وانتشار الخوف لدى الأجيال الناشئة التي تتأثر سلبًا بمحتوى تلك الأفلام, وذلك كون الإنسان بطبيعته لديه دوافع قوية للتقليد والمحاكاة، ويرى أن هدف العمل السينمائي قد يكون توصيل رسالة خيرة، ولكن يخطئ في صياغتها وتصويرها للمشاهد، سواء بالمبالغة من باب الحبكة السينمائية، أو التسرع، فتحمل الرسالة مردودًا عكسيًا على المجتمع ككل، وطالب بتحرير الأفلام من جرعات العنف في ظل تأثر الجمهور المصري الشديد بمضمون تلك النوعية من الأفلام، خاصة أن جمهور السينما في غالبه شباب لم تتبلور ثقافتهم بعد.