عاد الحديث مجددا عن الدور الأمريكي في مصر، وما إذا كانت واشنطن "مع" أم "ضد" الرئيس! الرهان على الولاياتالمتحدة، يتنامي بشكل لافت، داخل حسابات النخبة، على النحو الذي يترك تصورا، بأن مستقبل أي رئيس مصري سابق أو لاحق يقرر خلف الأبواب المغلقة بالبيت الأبيض. بل إن قوى مصرية نشطة، اعتادت على أن تشكو بعضها، إما للسفارة الأمريكية في القاهرة، وإما للساسة الأمريكيين في واشنطن. كان ذلك أيام مبارك، عندما قدم نفسه بوصفه "البديل الآمن" لجماعة الإخوان المسلمين "المعادية" للحداثة وللغرب أيضا. بعد مبارك لم يتغير الحال، لا عند السلطة ولا عند المعارضة.. لقد سافرت قيادات إخوانية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ل"تخويف" الأخيرة من "السلفيين".. وقال عصام العريان نفسه للأمريكيين : الإخوان هم "البديل الآمن" ل"السلفيين" غير المدربين على العمل السياسي! واستمعت بنفسي، من قيادات سلفية رفيعة، وهم يقولون: إن الإخوان يتعاملون معنا كما كان يتعامل معهم مبارك.. ويستخدمون "السلفيين" ك"فزاعة" لتخويف الإدارة الأمريكية، واستدرار تأيدها لنظام الحكم الإخواني.. وهي ذات الطريقة التي كانت متبعة قبل الثورة، حين استخدم نظام مبارك "فزاعة الإخوان" لقطع الطريق على أي دعم غربي للمعارضة الإسلامية في مصرومنذ ما يزيد عن شهرين، من الآن، بدأت النخبة المصرية، تعلق آمالها على أمريكا، وتواترت التوقعات، بخروج مرسي من الحكم، بسبب "استياء" الإدارة الأمريكية من أدائه السياسي السيئ. لم يرد للمصريين ذكر في كل المقاربات التي "تأمل" إقصاء الإخوان عن الحكم.. بل رسمت صورة لمواجهة بين طرفين فقط : "الإخوان" و"واشنطن" .. وأحالت الشعب المصري، إلى مدرجات المشاهدين ينتظر خروج الرئيس من اللعبة، بالضربة القاضية الأمريكية. يوم الثلاثاء الفائت، صدمت السفيرة الأمريكية في القاهرة، "آن باترسون" مجتمع النخبة في مصر، بتصريحات جاءت على عكس ما توقعته من "واشنطن" .. حين أعلنت أنها مع "الشرعية المنتخبة".. ونصحت المعارضة بتحسين هياكلها الانتخابية، بدلا من تنظيم مظاهرات قد تتحول إلى عنف، وإضافة المزيد إلى قوائم الشهداء. المعارضة المصرية، ومن بينها حلفاء تقليديون لواشنطن، نظمت انتقادات عنيفة للإدارة الأمريكية، واتهمتها بالتخلي عنها، لصالح "عملائها" الإخوان في مصر! والحال أن واشنطن لم تتخل عن المعارضة، لأنها لم تعدها بشيء، وإنما هو الخيال السياسي "المريض" في مصر، والذي يعتقد بتفوق الإنسان الأمريكي "السوبر" الذي جسدته شخصية "رامبو" في السينما الهوليودية، الذي بيده "مقاليد الدنيا" بما فيها تعيين رؤساء وملوك العالم وإقالتهم. هذا الخيال السياسي" الإتكالي" و"الدوني".. لا يخص فقط التيارات المدنية التي تشعر بالضعف أمام الجماعة.. وإنما أيضا يخص الإخوان.. فالكل يستقوي على الآخر ب"واشنطن"، في ظاهرة تؤكد أن القوى التي ورثت مبارك سلطة ومعارضة غير قادرة على استيعاب معاني وتجليات ثورة يناير.. وأن مصر تحتاج إلى قوة ثالثة.. أو تيار ثالث..لا ينتمي إلى هذا الموروث السياسي الفاسد الذي لا أمل في أصلاحه أبدا.