اتهمته بعض القوى بالإلحاد ومناصرة الديمقراطية الغربية على حساب الإسلام، وأثير حوله جدل واسع، ولا سيما فيما يتعلق بقضيتي أسلحة العراق قبل غزوها سنة 2003، والبرنامج النووي الإيراني وعلاقاته بالولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى جانب ذلك وُصف بأنه مفجر ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وأحد رموز المعارضة الوطنية... وأنه الدبلوماسي والسياسي المصري والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ورئيس حزب الدستور، وأحد أبرز رموز جبهة الإنقاذ الحالي محمد مصطفى البرادعي. فما هي حقيقة هذا الرجل الذي احتفل بعيد ميلاده الواحد والسبعين في السابع عشر من يونيو الجاري؟ في بداية الأمر، نود القول أن كل ذي شهرة وصيت عالمي مُعرض للانتقاد، غير أن "البرادعي" بالتحديد كان من أكثر الشخصيات انتقاداً سواء كان في النظام السابق أو الحالي. انتقادات ومطالبات وتم اتهامه وحمدين صباحي وعمرو موسى مرشحي الرئاسة السابقين، ورئيس حزب الوفد "السيد البدوي" والمستشار "الزند" رئيس نادي القضاة، بمحاولة قلب نظام الحكم الحالي، والتخابر مع جهات أجنبية، والسعي إلى إسقاط نظام الحكم إلى نيابات أمن الدولة، وهو ما حدث معه أيضاً أيام النظام السابق. وقد بدأت الانتقادات تشتد إليه يوماً بعد يوم، ولا سيما مع عودته إلى "مصر" - بعد انتهاء فترة ولايته بمنصب الوكالة الدولية -، وذلك من خلال تأسيسه وترؤسه للجمعية الوطنية للتغيير، والتي كانت تطالب بالعديد من الإصلاحات السياسية، وعلى رأسها تغيير المادة (76) من الدستور المصري، ليتمكن المستقلون من الترشح في انتخابات الرئاسة. وقد تبلورت تلك الانتقادات من رأس النظام السابق نفسه، وذلك عندما رد "مبارك" في أحد المؤتمرات الصحفية له في "ألمانيا": "نحن لا نحتاج لبطل قومي من هنا أو من هناك، إذا أرد أن ينضم إلى أي حزب فلينضم، فليس لدينا قيود على هذا، يريد أن يرشح نفسه من خلال أي حزب يتفضل، يريد أن يرشح نفسه من خلال مستقل يتفضل، ليس لدينا أي قيود طبقاً للدستور". هكذا كان الوضع قبل اندلاع الثورة، ولكن في 27 من يناير 2011، وبعد يومين من اندلاع الثورة عاد "البرادعي" مرة أخرى إلى "القاهرة" ليشارك في أوسع احتجاجات شهدتها "مصر" في الثلاثين عاماً الأخيرة، استطاعت أن تتخلص من نظام "مبارك". وبمرور الأيام جاءت انتخابات الرئاسة 2012، وظن البعض بأن يكون للبرادعي نصيب في الفوز بها، ولكنه أعلن في (14 يناير 2012) عن عدم ترشحه للرئاسة، وذلك بسبب العشوائية وسوء إدارة العملية الانتقالية التي تدفع البلاد بعيداً عن أهداف الثورة. ولكن تولي الرئيس "مرسي" قيادة البلاد، وانعدام فرص حظوظه في تولي مناصب في الدولة، علاوة على فشل النظام السياسي في تحقيق أهداف الثورة؛ نتيجة لهذا أسس "البرادعي" حزب ''الدستور''، الذي ينتهج المنهج الليبرالي بهدف الحفاظ على مبادئ ثورة 25 يناير 2011 التي سرقها جماعة الإخوان المسلمين على قوله. عودة الثورة ومن هنا زادت حدة الخلافات بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة بعد تعارضه معهم في عدد من المواقف ( الاستفتاء على الدستور... وغيرها)، وذلك اتجه في 24 نوفمبر 2012 مع أحزاب ليبرالية أخرى، إلى تأسيس ما يعرف بجبهة الإنقاذ الوطني؛ بهدف عودة الثورة من جديد، والتخلص من النظام الحالي مؤخراً. وبرز ذلك التوجه من خلال مواقفه السياسية، حيث أعلن "البرادعي" تأييده لاعتصام المثقفين بوزارة الثقافة الرافض لما سموه بأخونة الوزارة، وكما دعا - في الكلمة التي ألقاها في الاعتصام - الشعب المصري للنزول يوم 30 يونيو؛ لاسترداد الحرية والكرامة للشعب المصري. ومن الجدير بالذكر، أن "محمد البرادعي" قد بدأ مشواره الدبلوماسي كموظف في قسم إدارة الهيئات بوزارة الخارجية المصرية، حيث مثل مصر في البعثة الدائمة للأمم المتحدة في "نيويورك" وفي "جنيف"، ثم عمل مساعداً لوزير الخارجية. وقد ترك العمل الدبلوماسي عام 1980م ليصبح زميلاً في معهد الأممالمتحدة للتدريب والبحوث "يونيتار"، حيث كان مسئولاً عن برنامج القانون الدولي، كما كان أستاذاً زائراً للقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة "نيويورك" خلال الفترة (1981 - 1987م). وتدرج "البرادعي" في مناصبه حتى التحق عام 1984م بالوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ نتيجة لتميزه في العمل الدبلوماسي والأكاديمي، والتي شغل بها عدداً من المناصب الرفيعة، منها المستشار القانوني للوكالة، ثم مديرًا عامًا مساعدًا للعلاقات الخارجية، ثم تولى "البرادعي" منصب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة أربع ولايات بدأها سنة 1997، وأنهاها بالتقاعد سنة 2009. جدل واسع وبسبب اضطلاع الوكالة الدولية للطاقة النووية بدور في التفتيش على الأسلحة النووية، وبسبب السياسة الأمريكية الساعية إلى تقييد امتلاك دول لتلك التقنيات، فقد ثار جدل واسع حوله فيما تعلق بقضيتي أسلحة العراق قبل غزوها سنة 2003 والبرنامج النووي الإيراني. وعن علاقته بإيران، فقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، استناداً لمصادر رفيعة في الحكومة الإسرائيلية على أن "البرادعي" كان عميلاً إيرانياً خلال فترة عمله بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنه لم يقدم تقريراً واحداً يدين البرنامج النووي الإيراني، على عكس ما كان يقدمه ضد برنامج العراق النووي. كما كشف موقع "فري ريبابلك" في ديسمبر 2004 عن أن زوجة "البرادعي" "عايدة كاشف" إيرانية، وأنها بنت عم آية الله "محمد رضا مهدوي" (رئيس مجلس الخبراء الإيراني) الحالي، كما كشف الدكتور" كامران بيرنيه" لموقع إيطالي مختص بالشئون الإيرانية عن وجود علاقة بين "آية الله مهدوي كنى" (كاني) وزوجة البرادعي والتي وصفها بالقوية، وبالتالي فإن "البرادعي" نسيب لأحد أكثر الرجال نفوذاً في إيران"؛ الأمر الذي نفاه "البرادعي" في حوار مع الإعلامي "عمرو الليثي" أن زوجته إيرانية، أو أنها تحمل أي جنسية أخرى عام 2011. الضوء الأخضر وفيما يخص "العراق"، فاتهمته بعض القوى بأنه أعطى الضوء الأخضر للإدارة الأمريكية في دعواها للحرب على "العراق"، بدعوى حيازتها لأسلحة دمار شامل عام 2003، إذ كان قد رأس هو و"هانز بلكس" فرق مفتشي الأممالمتحدة في "العراق". ولكنه سرعان ما نفى هذا الاتهام أيضاً، حيث صرح في بيانه أمام مجلس الأمن في (27 يناير 2003)، قُبَيل غزو "الولاياتالمتحدة" "العراق"، "أن فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعثر حتى الآن على أي أنشطة نووية مشبوهة في "العراق""، كما وصف العدوان الأمريكي على "العراق" أنه مثال صارخ أن استخدام القوة في كثير من الأحوال يؤدي إلى تفاقم الأزمة وليس حلها. يشار إلى أن "البرادعي" من مواليد (كفر الزيات) في محافظة الغربية في مصر، ووالده مصطفى البرادعي محام ونقيب سابق للمحامين، وأحد الداعمين لمبادئ الديمقراطية، واستقلال القضاء. وحصل "البرادعي" على ليسانس الحقوق من جامعة "القاهرة"، كما حصل بعدها على الماجستير في القانون الدولي من المعهد الدولي للدراسات ب"جنيف"، وحصل على الدكتوراه في العلوم التشريعية في القانون الدولي عام 1974 من كلية الحقوق جامعة "نيويورك". وعن حياته الشخصية، فهو متزوج من السيدة "عايدة الكاشف"، وهي مُدرِّسة في رياض أطفال مدرسة فينا الدولية، ولهما ليلي المحامية، وابنهما مصطفى مدير أستوديو في محطة تلفزة خاصة، وكانا يعيشان في لندن، لكنهما عادا إلى مصر عام 2009. ونال البرادعي العديد من الجوائز والأوسمة أشهرها: جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الوكالة عام 2005م؛ نظراً لمجهوداته في الحد من الانتشار النووي، وجائزة الطبق الذهبي من الأكاديمية الأوروأمريكية للإنجاز، وجائزة موستار للسلام العالمي، بالإضافة إلى وشاح النيل من الطبقة العليا، وهو أعلى تكريم مدني من الرئيس السابق محمد حسني مبارك.