تجمدت كل حواسه وهو لا يكاد يصدق ما يراه على شاشة التليفزيون من وقائع القهر والظلم التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ...أستوقفه مشهد مجموعة من اليهود المتطرفين يرتدون غطاء رأس صغير يميز اليهودالمتزمتين وقد كانوا يضربون عائلة فلسطينية كاملة أطفالها ونسائها وعجائزها بأحذيتهم وأحزمتهم ليطردوهم من بيتهم المتواضع ويستولوا عليه ..كل ذلك تحت حماية الجنود الإسرائيليين ....بينما المزايدون على مصلحة الوطن يتاجرون في مزاد غير معلن... وجميع وسائل الإعلام تصور على مرءى من ضمير العالم ..ولا يحرك أحد ساكنا ... شعر بغضب يملأ كيانه لكنه مكبل ..بحيرة العاجز ...وعجز الحائر *أنتبه على طرقات متعجلة على بابه ليفاجأ بالخبر....لقد قام شريكه و صديق عمرة بإستغلال ثقته وأستولى على نصيبه في الشركة التي أنشئاها معا وأفنى سنين طويلةمن عمره وكل مدخراته فيها . مسح دمعة على صداقة العمر التي بيعت في سوق النخاسين ... إرتدى ملابس قاتمة في طقس حداد بلا عزاء على من خان... لا ما ضاع . * أرتمى على مقعد سيارته ...بعد رحلة قاسية لرؤية أبنه بحكم قضائي يمتهن العلاقة المقدسة بين والد وولده لتكبل المشاعر وتصبح رهينة عسكري حراسة ..ورغم أن المعركة لم تتجاوز العام .. إلا أن آثارها الجسيمة كانت واضحة على العينين البريئتين اللتين فقدتا بريقهما ..وتبدل الحماس و(الزقططة)لرؤية بابا بوجوم وحزن أكبر مما تحتمله سنينه الغضة التي لم تتعدى أصابع اليدين ...أسقط في يده لاذ بالصمت أمام كم الإدعائات الكاذبة ..فلن يبادل الإتهام بإتهام ستكون ضحيته الوحيدة آخر ما تبقى للصغير من ثقة في أقرب الناس إليه...أمه. *عاد خاوي الوفاض بعد محاولات ساذجة لإسترداد بعض الديون المؤجلة من أصدقاء ورفاق عمر لجأوا له في شدتهم متوسلين..معاهدين برد الدين وصون الجميل .. وقد تحسنت أحوالهم فإذا بالأبواب المفتوحة تغلق والهواتف تخرج عن الخدمة والاعذار المختلقة تكثر ...والسفر للحج والعمرة يكون له الأولوية على رد الدين والجميل ...ليدرك أخيرا قيمة كلمات بسيطة يتذكرها عن جدته العجوز الطيبة بثقافتها الفطرية عندما كانت تردد مأثورات شعبية ترقى إلى حد الحكمة (كان عندي فلوس وصاحب ...سلفت فلوسي لصاحبي ...لا بقى عندي فلوس ولا بقى عندي صاحب ) .. * ذهب في الموعد المحدد أخيرا بعد مماطلة طويلة إلى مقر الشركة لبدء مباحثات ظالمة مع شريك فاجر...يفرض شروطا مجحفة ليرد الفتات كما مباحثات الأممالمتحدة حول حق الشعب الفلسطيني لا في تسوية نصف عادله بل فى التواجد أصلا.. وأثناء جدل عقيم بلا خجل لا يتكلف حتى عناء البحث عن ورقة تو ت تستر عوره الخيانة ....صمت فجأة ..نظر في ذهول إلى رأس صديقة وقد رأى عليها غطاء رأس صغير كالذي يرتديه اليهود المتزمتين وأحبارهم.. إندهش بشدة ألقى نظرة على محامي الشركة الصديق السابق والمتآمر الحالي مع شريكه ليجده هو الآخر يرتدي ذلك الغطاء المسمى بالكيباه ترك كل شئ وخرج مسرعا يتلفت حوله في حيرة ليجد موظفي الشركة هم أيضا يرتدون ذلك الغطاء اللعين... هرع إلى الشارع مرعوبا ليجد أفراد الأمن , منادي السيارات , الباعة الجائلين ... المارة في الشارع ,راكبي السيارات ..البائعين في المحال كلهم كلهم يرتدون تلك الكيباه الملعونة ... بعد زمن غير معلوم و في حجرة صغيرة بإحدى مصحات العلاج النفسي حار الأطباء في تفسير سر نزيل مصاب بإنهيار عصبي يصيح في غيبوبته ...بلدي فين ... أهلي فين ... مصر فين ..مصر فين ....وهو يحاول بكلتا يديه حماية نفسه وكأن هنالك من يركله ويضربه ...وعبر الغرفة المظلمة يتسلل ضوء متقطع باهت للقطات قاسيه و يتداعى صوت المذيع يقرأ بلا إكتراث ....فلا زالت نشرات الأخبار تندد بالظلم الصهيوني ..ولا زالت مشاهد القهر والذل تذاع على مرأى من ضمير العالم ...ولازال أحد لم يحرك ساكن