فكرته كانت جميلة للغاية ونهايته مأساة وكارثة بكل المقاييس .. أنه الحوار الوطني الذي دعيت إليه مختلف القوى لدراسة سبل التعامل مع أزمة السد الإثيوبي، حيث أشار البعض إلى أنه علامة جيدة تدل على حرص الرئيس محمد مرسي على عدم الانفراد باتخاذ القرارات، خاصة في الأمور التي تتعلق بأمن مصر ومصالحها الوطنية العليا، غير أن ملابساته وما دار به كان مفاجأة وصدمة للجميع، جعلت المحللين يصفونه بالعار على الدولة المصرية متهمين القائمين عليها بالعشوائية. وجاءت جلسة الحوار الوطني التي عقدها الرئيس محمد مرسي، مع عدد من رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة إلى جانب ممثلين من الأزهر والكنيسة، لمناقشة أزمة بناء "سد النهضة" الإثيوبي، والذي يهدد أمن "مصر" القومي، لتكشف عن مدى سذاجة شخصيات يفترض أنهم نخبة، ويُفترض أن عليهم إيجاد حلول لمشاكل الوطن السياسية والاقتصادية، ولا سيما بعد أن تمت إذاعته على الهواء مباشرة دون علم كثير من المشاركين، باستثناء الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية - الذي قال بأنه كان على علم بإذاعة الحوار على الهواء مباشرة، بعد أن أبلغته الدكتورة "بكينام الشرقاوي" مساعد رئيس الجمهورية. فبعضهم استهان بالأزمة، مثل مجدي أحمد حسين والذي رأى بأن أزمة بناء سد النهضة "خطر وهمي"، وأنه يمكن حل أزمة السد النهضة عن طريق لاعب كرة، أو فنان "رغم تقدرينا لهما"، فقال: "من الممكن حل الأزمة عن طريق إرسال لاعب النادي الأهلي، "محمد أبو تريكة"، في زيارة إلى "إثيوبيا". في حين اقترح آخرون على الهواء مباشرة ومنهم أيمن نور رئيس حزب غد الثورة، عدة حلول، اعتبرها البعض ساذجة حيث قال نور: يمكن أن تنشر مصر إشاعات عن سعي مصر لامتلاك طائرات متطورة كطريقة استخباراتية لبث الخوف في نفوس الإثيوبيين، كما أننا نحتاج فريق عمل سياسي مخابراتي في إثيوبيا مش سفارة"، وتابع: "المجتمع الإثيوبي متهرئ لأقصى درجة"، داعيًا إلى استغلال هذا الضعف للتأثير على قرارات إثيوبيا في حقيقة الأمر أنه ليس غريباً أن يذاع حوار على الهواء مباشرة، ولكن من الصعب أن ينُقل مثل هذا الحوار بالتحديد وبهذا الشكل، ولا سيما لأنه يناقش مسألة وقضية أمن قومي تحتاج السرية والكتمان في التعامل معها، غير أن الصعب والمستحيل تحقق، وأذيع الحوار الوطني، وناقشت فيه القوى السياسية أموراً لم يكن يتصور أحد بأن تطلق على الهواء. الأمر الذي تابعه العديد من ردود الأفعال التي دار معظمها حول الرفض والاستهجان والسخرية، ليس من الحوار في حد ذاته، ولكن من الخيارات التي طرحاها البعض في الحوار، وتبعاته الخطيرة التي سنردها لاحقاً. غباء سياسي وحول ردود الأفعال المتعاقبة على هذا الحوار، فقد توحدت إلى حد كبير في شكل الاستنكار والاستهجان، حيث انتقد الدكتور محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، نقل جلسة الحوار الوطني لمناقشة تداعيات أزمة سد النهضة الإثيوبي، على الهواء، واصفاً ذلك بالغباء السياسي، مشيرًا إلى أن ما حدث بمثابة مهزلة يندى لها الجبين خجلاً. ومن جهته أبدى الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، اعتراضه على إذاعة الحوار على الهواء، مؤكداً أنه أضر بمصلحة البلاد، وتمنى أن يكون اللقاء سرياً، وإصدار بيان عنه يراعى المصلحة الوطنية والاعتبارات الخارجية، حتى لا يتمكن الأعداء من إحباط التكتيكات المصرية لمواجهة الأزمة. غضب سلفي وساهم هذا الحوار في تواصل ردود الأفعال الإسلامية الغاضبة وخاصة من جانب التيار السلفي، حيث استنكر معظم القيادات السلفية إذاعة هذا الحوار، ورأى بعضهم بأن جماعة الإخوان المسلمين نجحت في ضرب السلفيين وخاصة حزب النور بعد ظهورهم أمام الدول الغربية في مظهر الجماعة الدموية التي تريد الحرب ضد جيرانها واستبعاد الحلول السياسية، والذي أتى بعد زيارة وفد من السلفيين إلى "أمريكا" بهدف طرحهم كبديل لجماعة الإخوان في مصر. هذا وقد انتقد نادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفي، إذاعة اللقاء على الهواء قائلاً: "إذاعة الحوار على الهواء يعد كشفاً لكل أوراقنا أمام الطرف الآخر، ولا بد من محاسبة المسئول عن إذاعة الحوار، ولا يجب أن يمر مرور الكرام". ومن جهته قال القس الدكتور صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية: "بالفعل لم نكن نعلم أن الحوار يذاع على الهواء مباشرة قبل الجلسة"؛ الأمر الذي جعل البعض يتصور بأن ذلك مقصود، حيث أكد الدكتور عبد الله المغازي المتحدث الرسمي باسم حزب الوفد - أن إذاعة الحوار على الهواء دون علم الحاضرين كان مقصوداً ومحاولة من الرئاسة لإحراج المعارضة. غير مقصود ورداً على ذلك، كتبت الدكتورة باكينام الشرقاوي مساعد الرئيس للشئون السياسية ، على صفحتها الشخصية بموقع "فيس بوك" "كان مرتباً أن يذاع الاجتماع الوطني اليوم مسجلاً كعادة هذه اللقاءات، ولكن رأينا، لأهمية موضوع الأمن المائي قبل اللقاء مباشرة، إذاعته على الهواء، فغاب عني إبلاغ الحضور بهذا التعديل، لذلك أعتذر عن أي حرج غير مقصود لأي من القيادات السياسية سببه عدم الإشارة عن البث المباشر للقاء". وكالعادة تفاعلت شبكات التواصل الاجتماعي، مع ما أذيع جلسة الحوار الوطني على الهواء مباشرة الاثنين، حيث اعتبره المتابعون عبر "فيس بوك" و"تويتر" كوميديا سوداء، وخاصة لأن بعض المشاركين داروا يتحدثون داخل القاعة عن أسرار، أقسم بعضهم على المصحف على ألا يتم تسريبها. تداعيات محتملة وحول تداعيات إذاعة اللقاء، فيرى معظم المراقبين أن إذاعة هذه الجلسة أفرغ الاجتماع من قيمته، وأصبحت كافة الأفكار التي تم دراستها، وطرحها للنقاش غير قابلة للتنفيذ؛ لأنها أصبحت معروفة لدى الجانب الآخر. وقد يعطي هذا الحوار انطباعاً بأن مصر ستتراجع هيبتها بشكل كبير، فضلاً عن أنها ستعاني من أزمات عدة لفترة ليست بالقصيرة، وذلك لافتقادها لقادة سياسيين على مستوى عالٍ، وخاصة بعد تقديم بعضهم عدداً من المقترحات "الساذجة"، والتي كشفت وبحق تدني مستوى القيادة السياسية "نظامًا ومعارضة". وعن الأثر الخارجي، فيتوقع المحللون أن ذلك من شأنه أن يسبب تأثير سلبي كبير وسط الرأي العام الإثيوبي والدولي ضد "مصر" في الفترة المقبلة، فربما يتم استخدام محتوى الفيديو ضد "مصر" في المحافل الدولية، لأن به نوعاً من التحريض على إثارة البلبلة في المجتمع الإثيوبي. وإذا ما أردنا تقييم اللقاء، فنجد أنه بدا في بداية الأمر، كأنه أقرب إلى حملة علاقات عامة لتحسين صورة الرئيس، ولكنه انقلب إلى مهزلة خطيرة تهدد أمن مصر الوطني ، فقد أعطى اللقاء في مجمله انطباعاً سيئاً جداً عن الطريقة التي تدار بها شئون الدولة في مصر في هذه المرحلة، وجعل البعض يتحدث عن أن القصر الرئاسي في مصر يبدو أقرب ما يكون إلى "مصطبة" في قرية تجذب المارة من الراغبين في الثرثرة وتمضية بعض أوقات الفراغ، أو إلى "طبلية" في بيت ريفي تجذب حولها كل الطامعين في كرم صاحب الدار على حد قول أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة.