يقف على أطراف اصابعه الحافية حتى يطول شباك السيارة المغلق عادة في هذا الحر القائظ والذي لم يمنعه من الجري بين السيارات في أحد أشهر ميادين العاصمة..يمارس طقس الاستجداء اليومي المقنع..بنظرة من عينين لم تزل بقايا براءة تحتضر فيهما..تشعر أنه إبنك..لا تستطيع مقاومة حركة يده تجاه فمه تخبرك أنه جائع فتقاوم كل قناعاتك الشخصية وتخرج النقود من يدك رغما عنك غير مبالي بأنك لتوك قد صنعت متسولا لن يدرك قيمة العمل يوما..تقودك تلك العاطفية الشرقية الحمقاء التى حولت نصف شعب إلى زمرة من المتسولين.. بصبر تراكم الخبرات المتهورة لم احاول أقتحام عالمه الصغير عنوة..وأكتفيت بطرقات خفيفة على أبوابه المؤصدة بقطعة حلوى أو شيكولاتة ادخرها دائما لهذه المواقف..ولكن ليس أبدا بنقود..حتى جائت الفرصة التي كنت أنتظرها..فاليوم هو جالس على الأرض محاولا إخفاء دموع شعرت أنها صادقة..عازفا حتى عن ممارسة طقسه اليومي..غير عابئ بنظرات شفقة عابرة تنبئ بزبون سهل المنال...توقفت أمامه وبصعوبة إستطعت إكتساب قليل من ثقه مشوبة بحذر علمته إياه ليالي لا ترحم في مدينة بلا قلب ...لتبدأ الأبواب المؤصدة تفتح شيئا فشيئ إسمه مروان وقد قبضوا على أمه منذ عدة أيام بتهمة التسول...إذن له أم لا تستحق هذا الشرف..أما إبيه فيقضي عقوبة السجن بسبب ذلك الإبتكار الأقتصادي العجيب الذي عاد بنا لزمن المرابين اليهود في رائعة شكسبير ( تاجر البندقية) وتروج له وسائل الإعلام بكل إمكانياتها ببريق أجهزة لكل شئ...تمنح أي معدم _يحمل بطاقة هوية ورغبة في إقتناء يقودها جهل وحرمان _ فرصة أن يصبح مشروع سجين محتمل .ومع تدفق كلمات تستطيع أن تقرأ ما خلفها طافت معه عالما قاتما..لتجد حقيقة ابشع من أي خيال..إقتصاد خفي له قوانينه الخاصة..سوق شديد السواد تكتسب فيه كل الرذائل شرعية الوجود...قوادون لديهم كل البضائع...فالرق الأبيض يحتمل كل الأحتياجات المريضة لزبون شاذ بدأ من طفولة مذبوحة من أجل بضعة جنيهات...مسوخ آدمية لا تعرف لها جنس.. فكل شئ..مباح... ولكن...ولأن المشاعر الصادقة تصل إلى القلب مخترقة كل دروع الخوف والريبة فقد أمتدت يدة الصغيرة تناديها أن تقتلعه من عالم ملعون وهي لاتكاد تصدق..شعرت أنها من يدين له بإمتنان وليس العكس...همس لها _أنا خايف...لتبدد مخاوفه بحضن كبير..غير عابئة بأي شئ وفي الطريق للضفة الأخرى من نهر الحياة..بدأ يبوح لها بأحلامه...وهو ينظر إلى قدميه الحافيتين.. وبرجاء من عاش يحلم طويلا بشئ صعب المنال سألها -ممكن تجبيلي كوتشي بينور ولا تزال للقصة بقية..لنصنعها معا...