تشهد السعودية جدلا بين الحين والآخر حول وضع المرأة في المجتمع، وإمكانية منحها المزيد من الحقوق، خاصة في إطار الإصلاحات التي يتبناها الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتي يعارضها التيار الديني المتشدد. ولا زال عمل المرأة السعودية مصدر إزعاج للكثير من السعوديين ويحاربون عملها بطرق عدة رغم أن هذا العمل لا يسبب أذي لأي شخص ، ووصل الأمر إلى اعتبار البعض عمل المرأة هو اتجار بالبشر. ففي الوقت الذي تمكنت امرأة سعودية من الصعود إلى قمة جبل إيفرست، لتدخل التاريخ باعتبارها أول سيدة من السعودية تتسلق أعلى قمة جبلية في العالم ، لا زال البعض يتفنن في محاربة النساء لمنعهم من ممارسة حقهن في العمل . فرغم تجريم السعودية التحرش بالنساء إلا أن هناك دعوات صدرت مغايرة لهذا الوضع تماماً لمنع عمل المرأة خاصة «الكاشيرة» في المولات والتحرش بهن ، اعتقادا منهم أن هذا "حلال" شرعا لمنعها من الخروج من المنزل. «تحرشوا بالكاشيرات» فقد أطلق كاتب سعودي دعوة على الانترنت لمضايقة النساء العاملات في وظيفة "كاشير" من أجل دفعهن للتوقف عن هذا العمل، ودشن عدد من النشطاء السعوديين هاشتاج بعنوان «تحرشوا بالكاشيرات» على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» كدعوة منهم لمحاربة عمل المرأة خاصة الكاشيرة. كما اعتبر أحد النشطاء السعوديين يدعى عبد الله محمد الداوود مبررا إطلاقه هذا الهاشتاج أن عمل المرأة هو تجارة بالبشر قائلا، إن هناك رسالة ماجستير أجيزت مؤخراً من قبل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن عمل النساء لكسب رزقهن من وظائف فيها مخالطة للجمهور ك"بائعات" أو موظفات استقبال نوعا من الإتجار بالبشر. وعزت الرسالة التى أعدها الباحث الشرعى فى الجامعة محمد البقمي إطلاق صفة الإتجار بالبشر على تلك الأعمال لما فيها من اختلاط وفتنة (حسب بحثه)، مستنداً إلى قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". وجاءت الرسالة المثيرة بعنوان »الإتجار بالبشر: صوره وأحكامه وتطبيقاته القضائية»، موضحة أن استغلال النساء جسدياً يتم عبر مجالات متعددة، أبرزها استغلالهن في وسائل الإعلام عموماً وفي الدعاية والإعلان خصوصاً، وفي العمل مضيفة وموظفة استقبال وكاشيرة، مشيرة إلى أن ذلك كله محرّم شرعاً. وأن هناك فتاوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية تؤكد أن الاستغلال الجسدي من الإتجار بالبشر إذا كان الهدف من توظيف المرأة في هذه المهن استغلال جمالها وقوامها في جذب الزبائن. وكتب الشيخ عبدالله الداوود على حسابه الخاص بتويتر: "منع الزبير زوجته من المساجد فأبت فقعد متنكراً في طريقها فلمسها فتركت الخروج وقالت :"كنت أخرج والناس ناس وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي". "أفكار شاذة" إلا أن دعوة الداوود أثارت الكثير من ردود الافعال سواء على المستوى الرسمي أو بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي . فمن جانبه قال القاضي السابق الشيخ محمد الجدلاني في حديث عبر قناة "العربية": "أودّ التذكير هنا أن الدعوة لم تصدر من شخص يمثل الجهة المختصة، بل ولا يمثل شريحة شرعية، ولهذا أن اقترح أن تكون هناك عقوبات لكل من يسيء للإسلام وللسعودية ومحاكمته". وأضاف الجدلاني: "يوجد في وزارة الداخلية بالمملكة تعليمات لمن يسيئون للسعودية من السعوديين المسافرين للخارج، وعلى غرار ذلك أطالب بهذه العقوبات في الداخل والخارج". وختم حديثه بأنه "لا يخفى على الجميع أن القانون الأشمل في السعودية هو الشريعة الإسلامية، والتحرش ممنوع ومّجرم دينياً وأيضاً هناك نصوص نظامية تعاقب عليه، ومن يصدر مثل الدعوات يقلل من شأن نفسه ويسقط من أعين الناس يوماً بعد يوم، والناس أصبحت تميز الغثّ من السمين وتميز المستقيم من صاحب الأفكار الشاذة". غضب على «تويتر» كما أثار الأمر ردود فعل غاضبة لدى النشطاء على "تويتر"، معتبرين أن هذا أصبح أسلوب المتدينين في نشر أفكارهم خاصة الوهابيين. وعلق أحد النشطاء على هذه الحملة قائلا: "دعوة حقيرة لإهانة السيدات تشتمل على أشد درجات التمييز والعنف ضد المرأة.. هذه أزمة من أزمات العقل السلفي أن يستخدم وسيلة زعزعة ا?من وانتهاك الاستقرار من أجل إنفاذ ا?فكار الخاصة وتعميمها بالقوة". وقال آخر مهاجما "يوميا تعترضون على عمل المرأة بمجالات مباحة، لكن ولا واحد فيكم اقترح بدائل، كأنه تقول لو تقعد على رحمة الجمعيات اصرف". وأضاف آخر "الناس دي عاوزين يتحرشوا بالنساء لمجرد أنهم نساء بتعمل والمستفز تبرير التحرش بالدين، يا أخي منك له استقيموا يرحمكم الله وسيبوا الناس تآكل عيش". وقالت إحدى الناشطات مستنكرة "النساء مش سلعة دي، هي نص المجتمع، ورسولنا وصانا عليها، اتعلموا منه واستعملوا عقولكم إللي بقت كلها صدأ". وأشار آخر إلى أن هؤلاء السيدات لابد أن نقف لهن وقفة احترام، مضيفا "صبر جميل وحسنة من حيث لا تعرفن، وعمل فى سبيل عائلاتكن". وقال أحد النشطاء إن هذه الحملة توضح مدى جهل وتخّلف وتشدد وسوء فهم بعض السعوديين للإسلام بدعوتهم للتحرش بالكاشيرات ليتوقفن عن العمل، هل انتهت كل مشاكلك لتوقفنا مراراً لنمنع باب الرزق والحياة على الكاشيرات المضطرات لهذا العمل الشريف. وقالت أخرى: "العهر والفجور لا يوجدان في جسد المرأة ولا حتى في ملبسها، إنهما يوجدان فقط في عقل الرجل المتخلف أخلاقيا والمكبوت جنسيا، والأولى به كداعية يدعي غيرته على الفضيلة أن يوصي بعدم التعرض للكاشيرات وغض البصر، لكن ثبت فقط أن كل ما يريده فرض الوصاية". ودعا آخر النساء العاملات بالسعودية بمقاضاة من دعا لهذه الحملة قائلا: "يحق بل يجب لكل من تعمل خارج منزلها احتياطاً وتحسباً لأي تحرش أن ترفع قضية على الداوود بدعوى التحريض على التحرش". إلا أنه على النقيض هناك من أيد الحملة قائلاً :"أتحدى واحد من اللي يدافعون عن العمل المختلط يقول أنا أرضى لزوجتي أو أختي أو بنتي أن تعمل، بين الرجال ولوحدها؟". جدل عالمي ولم تتسبب دعوة الداوود في اثارة الجدل على المستوى العربي فقط ، فقد أفردت جريدة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريراً موسعاً وصفت فيه ما يجري بأنه "حرب على تويتر"، وقالت ان حملة "تحرشوا بالكاشيرات" تمثل نقيضاً للتوجه العام في السعودية الذي يشجع المرأة على العمل والانتاج والمشاركة في الحياة العامة. وأشارت الصحيفة إلى أن دعوة الداوود لاقت تأييدا وتشجيعا من المحافظين مثل رجل الدين خالد إبراهيم الصقعبي الذي قال إن "مساعي الحكومة لوضع قانون ضد التحرش في أماكن العمل يدعو إلى فجور بالتراضي". ولكن الفاينانشيال تايمز تشير كذلك إلى أن البعض عارض دعوة الداوود بشدة باعتبارها "تتنافى مع الإسلام وتسيء له". وتخلص الصحيفة إلى أن "المعركة" الدائرة على تويتر تشير إلى أن القضايا السياسية والاجتماعية المهمة في السعودية يجري نقاشها في الفضاء الإلكتروني بدلا من أرض الواقع . ودفعت الحكومة السعودية في أواخر عام 2011 بنحو نصف مليون شخص، بينهم عدد محدود، ولكنه غير مسبوق من النساء، إلى سوق العمل في محاولة لتشجيع القطاعات غير النفطية في الاقتصاد، بحسب الفاينانشيال تايمز. المحتسبون يتوعدون ولم تكن الدعوة هي الاولى من نوعها ، فقد اعلنت مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم "المحتسبين" خلال العام الماضي عن التوجه إلى مدينة ينبع، لمنع بعض الكاشيرات المتواجدات في أحد المحال التجارية من العمل، ووجهت الدعوة لإحدى القنوات التي تبث من موقع ال"يوتيوب" ولها أكثر من 9 ملايين متابع تحت مسمى "قناة المجتمع السعودي". ووعدت القناة بأن الأمر لن يقتصر على ينبع، إذ سيتبعها عدد من المدن داخل المملكة، كما روجت لدعوتها من خلال حسابها في موقع ال"تويتر" الذي حظى بمتابعة ما يزيد عن 44 ألف متابع، وفقاً لصحيفة "الحياة اللندنية". وأكد المشرف العام على أكبر المراكز التجارية في ينبع، محمد البلوي، عدم علمه بدعوات الاحتساب المشار إليها، وأكد أنه ليس لديه الوقت لمتابعتها لانشغاله بالعمل، مبيناً أن عمل الفتيات داخل المركز منفصل بشكل تام عن عمل الرجال وتوجد لهن أقسام خاصة يشرفن عليها مثل المكياج والعطورات والملابس الداخلية، مبيناً أن النظام ألزمهم بتشغيل عدد من الفتيات في الأقسام الخاصة بالنساء. وبالنسبة للنصائح التي توجه لهم داخل المركز أكد البلوي أنها مقبولة من أي مواطن إن كانت معقولة، وأضاف: أما التوجيهات فلا نقبلها إلا من وزارة العمل والجهات الرسمية، ولا نستمع لمن يصف نفسه بالمحتسب خارج الإطار الرسمي الذي أقرته الدولة. وأضاف المشرف العام على أكبر المراكز التجارية في ينبع: إن المركز الذي أعمل به يمنع دخول الشباب إلا في نطاق محدود، وغالبية من نتعامل معهم أسر تأتي للتسوق، وبالنسبة للفتيات العاملات لدينا فيتعاملن مع نساء مثلهن من المقر الرئيس، ولهن اجتماعات خاصة وليس لي حق التفاهم معهن وعندما أجد مخالفة أو أريد توجيههن لا أتوجه إليهن مباشرة، وكل ما أقوم به لا يتخطى الاتصال بالفرع الرئيس والذي بدوره يحدد مشرفة مخصصة لهن داخل الشركة للتفاهم معهن في ما يخص العمل. وأبدت الفتيات العاملات في المركز التجاري عدم علمهن بتوجه عدد من مدعيي الاحتساب إلى ينبع لمنعهن من العمل، وبيّن أنهن لا يقبلن النصيحة إلا من جهات رسمية وليس لديهن مشكلات داخل عملهن باستثناء قلة الراحة الممنوحة في العمل. موقف مغاير وتأتي تلك الدعوات في الوقت الذي أكدت فيه وزارة العمل السعودية حرصها على توفير العمل اللائق والمناسب للمرأة السعودية، كما أن الوزارة تحرص أيضا على توفير البيئة الملائمة لعمل السعوديات في تلك المحال وفقا للضوابط التي تحقق لها الخصوصية والاستقرار. فمن جانبه اوضح وكيل وزارة العمل السعودية المساعد الدكتور فهد التخيفي مؤخراً عقب لقاءه بعدد ممن يطلقون على أنفسهم المحتسبين (الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر) بمقر وزارة العمل السعودية وعددهم 50 شخصا والذين عاودوا التهجم اللفظي والدعاء غير المحمود على وزارة العمل ووكيل الوزارة المساعد :"إنه في وقت مضى كان الرجال سواء أكانوا سعوديين أو وافدين يبيعون مستلزمات نسائنا الداخلية وهذا ما لا يرضاه أي رجل غيور على نساء وبنات وطنه". وقال التخيفي، في تصريح لصحيفة "الرياض" :"إن عمل المرأة في المحال جاء بعد وقت كان فيه النساء يبعن على قارعة الطريق وتحت أشعة الشمس وأن الوزارة ساعية لمعالجة الأخطاء في التطبيق وقد أغلقت العديد من المحال في فترة ماضية وستغلق من لم يلتزم". ورغم ما تتعرض له السعوديات من عقبات في ممارسة حقوقها إلا أنها منذ تولي الملك عبد الله مقاليد الحكم في 2005 ، شجع الإصلاحات في المؤسسات الدينية، والتعليم ، والقضاء ، لتخليص المملكة ولو قليلا من قيود المؤسسة الدينية، التي تمثل الإسلام المحافظ , ومنها منح المرأة السعودية حق الانتخاب والترشح في المجالس البلدية وحق التعيين في مجلس الشورى لعام 2015 , مما أثار غضب عدد من رجال الدين المتشددين .