السويد .. هي إحدى دول أوروبا الشمالية، ومن أكبر الدول الإسكندنافية من حيث المساحة وعدد السكان، ويعرف عنها الهدوء والاستقرار بصفة عامة، ولا سيما مع طبيعة شعبها المسالم، فلم يكن له أية ميول استعمارية أو عدائية من قبل، ولكن قد تتحول هذه الصورة تماماً عقب تواصل أعمال الشغب في العاصمة السويدية "إستوكهولم" لليوم السابع على التوالي. فعلى الرغم من نشر تعزيزات من قبل قوات الشرطة في بؤر الاضطرابات، وحالة الهدوء النسبي التي أعقبتها، إلا أن العنف امتد إلى خارج العاصمة للمرة الأولى، حيث أضرم عدد من الشباب النيران في السيارات والمباني ببلدتين. يذكر أن أعمال الشغب كانت قد بدأت منذ أيام قليلة، في ضاحية "هاسبي" التي تقطنها أغلبية من المهاجرين، والتي على ضوئها حذرت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا مواطنيها من التواجد في مناطق الاضطرابات بالسويد حفاظاً على أرواحهم. تفسيرات مختلفة وفي محاولة لتفسير تلك الأعمال الأخيرة، يشير المحللون إلى أن الهجرة باتت أحد أكبر التحديات التي تواجهها كافة الدول، والتي من شأنها أن تحدث تغيرات في وحدة النسيج الاجتماعي والثقافي، وتحدث تنوعاً وتعدداً في الثقافات وأنماط السلوك، وتثير بدورها أسئلة عن الهوية والمواطنة والحقوق المدنية والسياسية. وعن الهجرة السويدية - بالتحديد - يشير البعض إلى أن هذا العامل صار هو الأكبر دوراً وتأثيراً في تصاعد تلك الأعمال، فبفضل سياسة الهجرة الليبرالية في السويد، ولكونها إحدى أبرز الوجهات التي يقصدها المهاجرون إلى أوروبا، واستضافتها في العقد الماضي مئات آلاف المهاجرين من العراق وأفغانستان وسوريا والصومال والبلقان ومن دول أخرى أيضًا، اندلعت الكثير من الأعمال العنيفة كان آخرها الحدث الأخير في ضاحية "هاسبي" التي تقطنها أغلبية من المهاجرين. وبحسب أحدث الأرقام التي نشرتها مصلحة الهجرة، فإن (1633) عراقياً قدموا طلبات للجوء في العام 2011، حيث حصل (1091) منهم على الإقامة لأسباب أمنية، وعاش في السويد (125) ألف عراقي وُلِدوا في "العراق"، وهناك (56) ألف عراقي حصلوا على الجنسية السويدية في ذات العام. وعلى الرغم من الاندماج الإيجابي والقوي لبعض الأقليات في المجتمع السويدي مثل" الأقلية المسلمة في السويد"، غير أن هناك من يسعى لتغيير هذه المعادلة بين الطرفين، ولا سيما بعد التفجيرين اللذين وقعا وسط العاصمة "إستكهولم" قبل أيام، ونُسبا إلى مواطن سويدي متطرف دينيًّا من أصل عراقي، فضلاً عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي حدثت في "أمريكا"، والتي سعت من خلالها الإدارة الأمريكية أن تفرض توجهاتها الأمنية على دول العالم ومنها "السويد" رغم حياديتها السياسية وأشركتها في سياستها الأمنية، وهو الأمر الذي جعل البعض يؤكد على تملك "أمريكا" أكبر قاعدة سياسية ولوجستية في "السويد" ودول إسكندنافية. مشاهد عنيفة ومن ناحية أخرى، تعد العولمة أحد الأسباب الرئيسة في اندلاع تلك الأعمال، فيرى الخبراء أن تأثير الأفلام التي تتضمن الكثير من المشاهد العنيفة والتي تنتج في غالبيتها في الولاياتالمتحدة، من الأسباب التي يمكن أن تفسر هذه الظاهرة الجديدة في السويد. وهناك من يرجع تلك الظاهرة إلى تفشي البطالة في "السويد"، ولا سيما في الأحياء الفقيرة التي يسكنها المهاجرون، فيُشار إلى أن الاضطرابات التي أسفرت عن قتل مهاجر برتغالي،كان من ضاحية "هوسبي" التي ترتفع بها معدلات البطالة. وأوضحت بيانات إحصائية صادرة عن مكتب العمل في "السويد" ارتفاع معدل البطالة بوتيرة فاقت التوقعات عند (8.5%) خلال مارس الماضي، لتصل إلى (8.8%)، بالمقارنة مع (8.0%) فقط في نفس الفترة من عام (2012). وبنهاية الشهر الماضي، بلغ عدد العاطلين في السويد (448) ألف شخص، وهي نسبة كبيرة، ولم تتحقق وعود الحكومة بالحد منها عندما جاءت إلى الحكم. انخفاض وإحباط وإضافة إلى معاناة تلك الفئة (فئة الشباب) من انخفاض في المستوى التعليمي، تعاني أيضًا انخفاض مستوى الدخل، وهو ما يعد دافعاً قوياً لاندلاع تلك الأعمال، حيث أظهرت دراسة حكومية أجريت حديثًا أن نحو ثلث الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين (16) و(29) عامًا في بعض أفقر المناطق بكبرى المدن السويدية لا يدرسون أو يعملون، بينما تتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء بوتيرة أسرع وفقًا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومن ثم، فإن الأحداث الأخيرة ناجمة عن مزيج من الإحباط الذي يعاني منه الشباب، بالإضافة إلى نزعات إجرامية عند البعض، إلى جانب كافة العوامل السابقة، الأمر الذي أدى إلى ظهور العنف كظاهرة جديدة على المجتمع السويدي. وبعد أن عرضنا بعض نواقص المجتمع السويدي، وأبعاد الظاهرة الأخيرة، والمتمثلة في تصاعد أعمال العنف، هل تنجح السلطات السويدية في مواجهتها والتخلص منها في المستقبل القريب، أم ستنتشر بصورة متفاقمة ؟.