حصلت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» على النص الكامل والمفصل للقرار الصادر من المحكمة الدستورية العليا بالرقابة السابقة على مشروع قانون مجلس النواب، إعمالا لأحكام الدستور، والذي انتهت فيه المحكمة إلى عدم دستورية أربعة مواد من المشروع هي (3 و13 و16 و44) نظرا لما تضمنته من مخالفة توزيع مقاعد مجلس النواب على المحافظات لمبدأ التمثيل العادل للسكان فيها الذي كفله الدستور، وإغفال حظر استخدام الشعارات أو الرموز الدينية، وتدخل رئيس الجمهورية بتحديد ميعاد الانتخابات أو تقصير مواعيدها. وقالت المحكمة الدستورية العليا إن النص الدستوري ( المادة 113 ) وضع ضابطين أساسيين لتقسيم الدوائر الانتخابية هما التمثيل العادل للسكان والتمثيل العادل للمحافظات، موضحة (المحكمة) أن التمثيل العادل للسكان يعنى أن يمثل النائب في أية دائرة من الدوائر الانتخابية ذات العدد من الناخبين الذي يمثله باقي النواب في الدوائر الأخرى، مما مؤداه وجوب مراعاة التمثيل المتكافئ للناخبين في المجالس النيابية. وأضافت المحكمة أن هذا المبدأ لا يعنى أن يكون التساوي بين أعداد من يمثلهم النائب في كل دائرة تساويا حسابيا مطلقا، لاستحالة تحقق ذلك عمليا، وإنما يكفى لتحقيق هذا المبدأ أن تكون الفروق بين هذه الأعداد وبين المتوسط العام لأعداد من يمثلهم النائب على مستوى الدولة في حدود المعقول، كما أن تقسيم الدوائر يجب أن ينضبط بحيث يتناسب وعدد السكان في كل دائرة من الدوائر التي تقسم إليها البلاد بمراعاة التجاور الجغرافي، كما يجب ألا ترسم الدوائر بطريقة تعسفية ودون مراعاة للصالح العام. وأكدت المحكمة أن عدالة تمثيل المحافظات تقتضى أن تمثل كل محافظات الدولة فى مجلس النواب بصرف النظر عن عدد سكانها. وأشارت المحكمة الدستورية العليا إلى أنه باستعراض الجداول المرفقة بالمشروع المعروض؛ يتبين أن توزيع مقاعد مجلس النواب على المحافظات قد شابته بعض المفارقات التي تتعارض مع مبدأ التمثيل المتكافئ للناخبين في كل منها، سيما وقد استبان من الأعمال التحضيرية للمشروع المعروض اتخاذ هذا المبدأ أساسا لذلك التوزيع. واستعرضت المحكمة الدستورية أهم المفارقات التي تضمنها المشروع فيما أظهرته المقارنة بين بعض المحافظات، وفي مقدمتها محافظة المنيا التي يبلغ عدد الناخبين بها 2,718,947 ناخبا، وخصص لها 16 مقعدا للقائمة و8 للفردي، بإجمالي مقداره 24 مقعدا، في حين أن محافظة سوهاج التي يقل فيها عدد الناخبين عن عددهم بمحافظة المنيا، إذ يبلغ 2,393,672 ناخبا، خصص لها 20 مقعدا للقائمة و10 للفردي، بإجمالي مقداره 30 مقعدا. وذكرت المحكمة أن محافظة الإسكندرية؛ يبلغ عدد الناخبين بها 3,347,770 ناخبا، وخصص لها 20 مقعدا للقائمة و 10 للفردي، بإجمالي مقداره 30 مقعدا، في حين أن محافظة الشرقية التي يقترب فيها عدد الناخبين من عددهم بمحافظة الإسكندرية؛ إذ يبلغ 3,565,351 ناخبا، خصص لها 24 مقعدا للقائمة و 12 للفردي، بإجمالي مقداره 36 مقعدا. وأضافت المحكمة أن محافظة الإسماعيلية يبلغ عدد الناخبين بها 713,963 ناخبا، وخصص لها 4 مقاعد للقائمة و 2 للفردي، بإجمالي مقداره 6 مقاعد، في حين أن محافظة دمياط التي يقترب فيها عدد الناخبين من عددهم بمحافظة الإسماعيلية، إذ يبلغ 868,773 ناخبا، خصص لها 8 مقاعد للقائمة و 4 للفردي، بإجمالي مقداره 12 مقعدا . وأشارت إلى أن محافظة أسوان يبلغ عدد الناخبين بها 872,740 ناخبا، وخصص لها 8 مقاعد للقائمة و4 للفردي، بإجمالي مقداره 12 مقعدا، في حين أن محافظة الأقصر التي يقترب فيها عدد الناخبين من عددهم بمحافظة أسوان، إذ يبلغ 009ر685 ناخبا، خصص لها 4 مقاعد للقائمة، و2 للفردي، بإجمالي مقداره 6 مقاعد . وأوضحت المحكمة أنه ترتيبا على ما تقدم؛ تكون الفقرة السادسة من المادة (3) من المشروع التي تحدد نطاق ومكونات كل دائرة من دوائر القوائم أو دوائر الفردي والجداول المرفقة به - مخالفة لحكم المادة (113) من الدستور، بما يتعين معه إعادة النظر في التوزيع، وزيادة أو خفض عدد المقاعد المخصصة للمحافظات بما يؤدى إلى تحقيق التعادل المطلوب. ودونت المحكمة الدستورية العليا 4 ملاحظات أساسية بمخالفات دستورية تضمنتها المادة 13 من مشروع القانون، أولها فيما يتعلق باستخدام الشعارات والرموز الدينية، مشيرة إلى أن المادة (6) من الدستور تشيد النظام السياسي للدولة على أساس المواطنة التي تسوى بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته؛ حفاظا على الوحدة الوطنية التي أكدتها المادة (5) من الدستور، وحرص على حمايتها المبدآن "خامسا وسابعا" من ديباجة الدستور. وأكدت المحكمة أن استخدام الشعار الديني في ذاته يؤدى إلى التفرقة بين المواطنين على أساس الدين، لأن أَتباع كل دين سوف يستخدمون الشعار الذي يعلى من شأن دينهم؛ الأمر الذي يهدم مبدأ المواطنة من أساسه، ويضيف سببا جديدا لإشاعة وتعميق الفرقة والانقسام بين المواطنين، مشددة على أن تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكنا إلا إذا كان معقولا، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان محايدا في محتواه. وأضافت المحكمة أن النص المعروض أغفل حظر استخدام الشعارات أو الرموز الدينية أو العقائدية في ذاتها، وهو الأمر الذي من شأنه أن ينال من الوحدة الوطنية ويناقض مبدأ المواطنة، ويخل بحق المواطن في الانتخاب والترشيح ومباشرة حقوقه السياسية، فضلا عن أنه يعيق الناخب عن تحديد موقفه من المرشحين والمفاضلة بينهم على أساس برامجهم الانتخابية، كما يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المرشحين أنفسهم، بما يجعل النص المشار إليه مخالفا لنصوص المواد (5 و6 و9 و33 و55) من الدستور. وذكرت المحكمة ان ثاني الملاحظات جاء بالنسبة لما تضمنته الفقرة الثانية من المادة (13) من المشروع التي عهدت إلى اللجنة العليا للانتخابات وضع حد أقصى لا يجوز تجاوزه في الإنفاق على الدعاية الانتخابية، مشيرة (المحكمة) إلى أن المادة (228) من الدستور عهدت إلى اللجنة العليا للانتخابات بالإشراف الكامل على أول انتخابات تشريعية تالية للعمل بالدستور، دون أن تخول تلك اللجنة وضع حد أقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية، وكانت مخالفة هذا الحد الأقصى معاقبا عليها جنائيا بنص الفقرة الأخيرة من المادة (13) من المشروع. وأضافت المحكمة أن المادة (76) من الدستور تنص على أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني، بما يوجب أن يكون تحديد الحد الأقصى المشار إليه واقعا في إطار سلطة المشرع وحده، فإن النص يكون مخالفا للدستور من هذه الوجهة، فضلا عن أنه يخالف نص المادة (55) من الدستور باعتبار أن الدعاية الانتخابية وسيلة لتعريف الناخبين بالمرشحين وبرامجهم، وهو ما يتصل اتصالا وثيقا بحقى الانتخاب والترشيح، مما يتعين معه تنظيمها بقانون وفقا لما قرره هذا النص الدستوري، وتبعا لذلك؛ يكون نص الفقرة الثانية من هذه المادة، فيما جرى به من وضع اللجنة العليا للانتخابات الحد الأقصى المشار إليه، مخالفا لنصوص المواد (55) و(76) و(228) من الدستور. وأشارت المحكمة إلى انه بالنسبة للملاحظة الثالثة، فإنها تتعلق بما عهدت الفقرة الثانية من المادة (13) سالفة الذكر إلى اللجنة العليا للانتخابات بوضع القواعد الخاصة بالوسائل والأساليب المنظمة للدعاية الانتخابية.. مشيرة إلى أن ما تصدره هذه اللجنة من قرارات في هذا الصدد لا يعدو أن يكون لوائح تنفيذية طبقا للمادة (162) من الدستور؛ تندرج وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة، في إطار "القوانين" بمعناها الموضوعي، ومن ثم يلزم نشرها في الجريدة الرسمية إعمالا لنص المادة (223) من الدستور ذاته. وأكدت المحكمة أنه لا يغنى عن ذلك ما تضمنه النص المعروض من نشر تلك القرارات في جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار، إذ لا يعد هذا النشر بديلا للنشر الذي أوجبه الدستور في الجريدة الرسمية، ومن ثم فإن النص المشار إليه وقد أغفل الإلزام بالنشر في تلك الجريدة يكون مخالفا لنص المادتين (162) و (223) من الدستور. وذكرت المحكمة أن الفقرة الثالثة من المادة (13) من المشروع أجازت للمحافظ المختص توقيع عقوبة جنائية تتمثل في الأمر بإزالة الملصقات وجميع وسائل الدعاية الانتخابية الأخرى المستخدمة بالمخالفة لأي من أحكام القواعد الواردة بالمادة (13) من المشروع؛ على نفقة المخالف، مشيرة إلى أن هذا النص قد أخل بمبدأ الفصل بين السلطات، وانطوى على تدخل من أحد أجهزة السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية بما ينتقص من استقلالها، وأهدر أسس العدالة في إدارة الأمور المتعلقة بحقوق المواطنين وحرياتهم، وتبعا لذلك؛ يكون النص المشار إليه مخالفا لنصوص المواد (6) و (55) و (168) و(228) من الدستور. وقالت المحكمة الدستورية العليا إن مفاد نصوص المواد (55) و (200) و (208) و (288) من الدستور، إن المشرع الدستوري قد ناط بالقانون تنظيم مباشرة حقي الانتخاب والترشيح، وعهد إلى المفوضية الوطنية للانتخابات وحدها إدارة عملية الانتخابات من بدايتها حتى نهايتها بإعلان النتيجة، على أن تتولى اللجنة العليا للانتخابات الإشراف الكامل على أول انتخابات تشريعية تالية للعمل بالدستور وكفل للهيئات المستقلة استقلالها. وأضافت المحكمة أن المادة 132 من الدستور نصت على أن "يباشر رئيس الجمهورية اختصاصاته على النحو المبين بالدستور"، باعتباره رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية.. مما مؤداه أن الاختصاص بإدارة العملية الانتخابية معقود، كأصل عام، للجنة العليا للانتخابات، كحكم انتقالي، دون أن يكون لرئيس الجمهورية، باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، أن يتدخل في إدارتها؛ تحقيقا لحيدة الانتخابات ونزاهتها وسلامتها التي ألزم الدستور جميع سلطات الدولة بكفالتها. وأكدت المحكمة أن ما نصت عليه المادة (16) من المشروع بما أجازته لرئيس الجمهورية التدخل في إدارة العملية الانتخابية؛ بتقصير المواعيد السالفة الذكر، وهى من الأمور المتعلقة بهذه الإدارة ؟ يخل بمبدأ حيدة الانتخابات ونزاهتها، وينتقص من استقلال كل من المفوضية الوطنية للانتخابات واللجنة العليا للانتخابات بإدارة العملية الانتخابية، وتبعا لذلك؛ يصبح النص المشار إليه مخالفا لنصوص المواد (55) و (132) و (200) و (208) و (228) من الدستور. وأشارت المحكمة إلى أن المادة (44) من المشروع نصت على أن "ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره ويبصم بخاتم الدولة ويعمل به كقانون من قوانينها"، في حين أن المادة (223) من الدستور تنص على أن " تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال 15 يوما من تاريخ إصدارها، ويعمل بها بعد 30 يوما من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعادا آخر، وأنه لا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية والضريبية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب ". وأوضحت المحكمة الدستورية العليا أن مفاد هذا النص الدستوري أنه يتعين نشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال 15 يوما من تاريخ إصدارها، على أن يعمل بها، كمبدأ عام، بعد ثلاثين يوما من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت القوانين للعمل بها ميعادا آخر، وهو الميعاد الذي يعتبر اليوم التالي لتاريخ نشر القانون حده الأدنى؛ تأسيسا على المبدأ العام السالف الذكر؛ ومؤداه أن أي ميعاد آخر، كحد أدنى، تحدده القوانين للعمل بها؛ يتعين أن يكون اليوم التالي لهذا الميعاد؛ وذلك في حالة اتجاه إرادة المشرع إلى العمل بالقانون في أقصر وقت من تاريخ النشر. وأكدت المحكمة أنه في ضوء ما تقدم وكانت المادة (44) من المشروع تنص على أن يعمل بالقانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، فمن ثم يضحى نص هذه المادة مخالفا لنص المادة (223) من الدستور