أكثر من أحد عشر عاماً على اعتقالهم دون توجيه أي اتهامات إليهم، أو إطار قانوني ينظم أوضاعهم، أو حتى منظمات حقوقية تتابع أحوالهم... إنهم المعتقلون المسلمون والعرب في سجن "جوانتانامو" الذي أسسه الجيش الأمريكي في خليج "جوانتانامو" جنوب شرق "كوبا"، في أعقاب الحرب على الإرهاب عام 2002. وكان الجدل الذي أثير حول هذا المعتقل "سيئ السمعة"، في ظل المعاناة التي يعيشها المعتقلون المضربون عن الطعام منذ أوائل فبراير الماضي، وتردد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في إغلاقه، فضلاً عن أن افتقاده إلى كل معايير حقوق الإنسان التي تقتضيها ديباجة القانون الدولي، دليل واضح على كيفية تعامل "الولاياتالمتحدة" مع ملف حقوق الإنسان، ومدعاة للشكوك حول اعتبارها عاصمة للديمقراطية وحقوق الإنسان في أنحاء العالم. واليوم تجدد هذا الجدل مع تواصل إضراب المحتجزين الذين اقتربوا من المائة معتقل من أصل 166، ولم توجه لهم أي اتهامات منذ اعتقالهم، إلا أن ثمة عقبات قانونية وسياسية وإنسانية وأمنية تحول دون إطلاق سراحهم، إذ ليست المرة الأولى التي يتعهد فيها الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، حيث فشل في الوفاء بوعوده بإغلاق السجن خلال عام من توليه الرئاسة أوائل عام 2009. وعد "أوباما" وفي تكرار للموقف دون جدوى، جدد الرئيس "أوباما" تعهده بإغلاق المعتقل بعد أن كان قد فشل في الوفاء بوعده عام 2009. وقال "أوباما": "إنه ينبغي إغلاق المعتقل، وإنه يبذل جهداً جديداً لإغلاق السجن"، موضحاً أن إدارته ستتواصل مع مجلس الشيوخ الأمريكي من جديد في محاولة لمحو العقبات التي تعترض إغلاق المنشأة، ولكنه لم يكشف عن المسار الجديد الذي سيتخذه لإزالة العواقب البرلمانية والسياسية والقانونية، التي تعترضه لإغلاق السجن. ووصف "أوباما" السجن بأنه سيئ السمعة مما تسبب في تلطيخ سمعة "الولاياتالمتحدة" في العالم، واعتبر أن المعتقل يسبب مشاكل للإدارة الأمريكية، إذ اعتبره بأنه "ليس ضرورياً لسلامة الأمريكيين، وإنه يكلف غالياً، وليس فاعلاً". وجاءت هذه التصريحات وسط تزايد عدد السجناء المضربين عن الطعام، حتى تعدوا حاجز المنتصف وبلغوا المائة معتقل من أصل 166، في حين تعاملت السلطات الأمريكية مع عشرين من هؤلاء المضربين بالتغذية القسرية، مبررة أن ذلك يأتي من قبيل تأمين بيئة سليمة وإنسانية وآمنة للحفاظ على حياة السجناء، وعدم تركهم يموتون جوعاً، إلا أن هذه القضية لاقت انتقادات دولية واسعة من منظمات حقوقية. إدانات دولية ومنذ فتحه في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 بتوجيه من الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" في إطار ما أسماه بالحرب على الإرهاب، أثار معتقل "جوانتانمو" الكثير من انتقادات المنظمات الحقوقية التي تأتي في إطار الإدانات الدولية بالوضع الإنساني المتردي للمحتجزين بالمعتقل، فضلاً عن الاعتقال المستمر للسجناء منذ 11 عاماً من دون توجيه اتهام ولا محاكمة وتعرضهم لأعمال تعذيب في ظل سجن لأجل غير مسمى. واليوم واستمراراً لهذه الانتهاكات، أثارت مسألة التغذية القسرية للسجناء جدلاً قانونياً وحقوقياً واسعاً، بين من اعتبره "عملاً فظيعاً" ينبغي وقفه، وآخر يرى أنه ليس هناك إلا القبول به لإنقاذ حياة السجناء انتظاراً لفرصة سراح قد تتحقق يوماً من الأيام. من جانبه اعتبر الاتحاد العالمي للطب التغذية القسرية "أسلوباً غير أخلاقي"، وأنه ما من أحد يمكن أن يبرر تغذية شخص عاقل بالغ قسراً، كما أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوقية دولية عديدة، مثل "هيومن رايتس ووتش"، وعدد كبير من النشطاء الحقوقيين أن التغذية القسرية مخالفة للمعايير الأخلاقية المهنية والطبية، ويقول "فنسنت لاكوبينو" - خبير الشئون الطبية في "رايتس ووتش" -: إن "تغذية شخص بالقوة لا تشكل انتهاكاً أخلاقياً فحسب، بل يمكن أن يعتبر تعذيباً أو سوء معاملة"، وهو نفس موقف رئيس المنتدى الإسلامي للقانون الدولي الإنساني الدكتور "فوزي أوصديق" الذي رد على تبرير الجيش الأمريكي لهذه المسألة بأن صون حق الحياة يجب أن يكون بكرامة وليس بإذلال. وبدورها قالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: إن إرغام السجناء على تناول الطعام في معتقل "جوانتانامو" الأمريكي يعتبر عملاً وحشياً وغير إنساني، ومعاملة مهينة تتعارض مع مبادئ القانون الدولي. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإن معتقل "جوانتانامو" يمثل "همجية هذا العصر"، داعية السلطات الأمريكية إلى إنهاء الاحتجاز إلى أجل غير مسمى على وجه السرعة، بعد أن بلغ عدد المضربين عن الطعام في المعتقل إلى هذا العدد الخطير. كما شملت موجة الانتقادات الداخل الأمريكي، وشددت مجموعة قانونية أمريكية في "الولاياتالمتحدة" عرفت باسم "مشروع الدستور" تضم ديمقراطيين وجمهوريين على أن التغذية القسرية في "جوانتانامو" تعد "سوء معاملة يجب أن يتوقف". وفي المقابل، صدر تحليل مؤخراً لأحكام القضاء أن القانون الأمريكي يقف في صف التغذية القسرية بالسجون، ويعتبرها أحياناً وقفاً "لعملية انتحار"، وهو ما ذهب إليه الجيش الأمريكي، معتبراً أن التغذية القسرية ليست قانونية فحسب، بل إنها عمل إنساني أيضاً يسهم في حفظ الحياة. مراوغة سياسية وفي ظل تصاعد هذه الموجة من الانتقادات الدولية لما يتعرض له المحتجزون داخل معتقل "جوانتانامو"، وغيره من المعسكرات الأمريكية خارج الحدود، تتزايد أهمية الاتجاه نحو حل جذور هذه القضية المتمثلة في وجود سجناء في سجن غير شرعي، لا تراعى فيه الأصول والاعتبارات القانونية، وتثور حتمية إغلاقه. ولكن في ظل ما تعودنا عليه من الإدارة الأمريكية من المراوغة في تقديم الحلول الجذرية، وجعل هذه القضية ذريعة لممارسة الإرهاب على حقوق الإنسان من دولة تعد نفسها عاصمة للديمقراطية وحقوق الإنسان، فليس هناك تعدد للاحتمالات، بل الثابت أن ثمة شكاً مريباً حول غلق هذا المعتقل، رغم تجدد وعود الرئيس "باراك أوباما" بغلقه في ولايته الثانية، فهو الذي فشل في الوفاء بها من قبل بعد مرور أول عام من ولايته الأولى عام 2009، وإن افترضنا جدلاً أن المساعي ستنجح في غلق هذا المعتقل اللعين، فإنه بلا شك سيفتح غيره ويستمر مسلسل إرهاب الدولة الأمريكية. فلا يبقى إلا التحذير من مغبة توسيع دائرة الإرهاب والعنف إذا ما استمر انتهاك حقوق السجناء، وتمزيق وإهانة الكتب المقدسة، بل من المثير للعجب أنه لم نشهد أي موقف عربي أو إسلامي من هذا العنف، بل والأكثر من ذلك تمتد الأصابع الأمريكية إلى داخل هذه الدول عبساً ذريعة مواجهة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان، فكيف ذلك؟