بعد الانتصار الدبلوماسي على "الولاياتالمتحدة الأمريكيّة" و"إسرائيل" والحصول على دولة بصفة مراقب في الأممالمتحدة، وبعد حدوث انفراجة ملحوظة بين حركتي "فتح" و"حماس"، وخصوصاً بعد عقد اجتماع "القاهرة" مؤخراً بين الرئيس "محمود عباس أبو مازن" ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل"، بحضور وفدين من "فتح" و"حماس"، والذي اتُفق خلاله على تطبيق اتفاق المصالحة. أصبحت المصالحة الفلسطينية بين حركتي "فتح" و"حماس" حديث الساعة ومطلباً ملحاً، لكونها إحدى أبرز القضايا المهمة المتعلقة بمسيرة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. فهل بالفعل ستتم المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع؟ أم ستبقى حديثاً مملاً نسمعه كثيراً دون أن يكون له جدوى أو فائدة؟ ولكي نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة لا بد من العودة إلى جذور المشكلة وكيفية الانقسام. جهود عديدة ويرجع المحللون مصطلح الانقسام والتفكك الفلسطيني إلى وجود سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في الضفة الغربية وقطاع "غزة"، إحداهما تحت سيطرة حركة "فتح" في الضفة الغربية، والأخرى تحت سيطرة "حماس" في قطاع "غزة"، يختلف كل منهما في سياساته وأفكاره، فإحداهما يفضل استخدام القوة المسلحة في مواجهة الاحتلال، والآخر يفضل التوجه الدبلوماسي عن الحل العسكري، ومن هنا نشبت صراعات بينهما على السلطة منذ عام 2006، والتي تركت آثارها على النظام الفلسطيني حتى الآن. ومع اندلاع الثورات العربية مطلع العام 2011 وفشل خيار المفاوضات مع "إسرائيل"، ارتفعت الأصوات مجدداً للمطالبة بإنهاء الانقسام والعودة للوحدة الوطنية، ولا سيما بعد الجهود العديدة المبذولة في أكثر من عاصمة عربية لتحقيق الوحدة الوطنية، والتئام شطري الوطن الفلسطيني، مثل اتفاق المصالحة في "القاهرة" وإعلان "الدوحة". احتمالات المصالحة وحول السيناريوهات المتعلقة بملف المصالحة الفلسطينية في الوقت الراهن، هناك ثلاثة احتمالات، الأول بقاء الوضع على ما هو عليه، والثاني تطبيق اتفاق "القاهرة" أو "الدوحة"، والثالث تحقيق مصالحة جزئية في بعض الأمور دون قضايا أخرى. ويفترض السيناريو الأول، بقاء الوضع على ما هو عليه دون اتخاذ خطوات إيجابيّة من قبل الطرفين، وعدم تشكيل حكومة وفاق وطني وإجراء الانتخابات. ويرجح البعض حدوث هذا السيناريو، نظراً لعدة مؤشرات، من أبرزها عدم الاتفاق على برنامج سياسي ونقطة بداية واضحة لتطبيق اتفاق المصالحة، مثل الاختلاف حول إحياء المجلس التشريعي من عدمه خلال المرحلة الانتقاليّة إلى حين إجراء الانتخابات، وثاني هذه المؤشرات هو استمرار تحكم "إسرائيل" الكامل بملفات المصالحة (الحكومة والانتخابات والأمن)، فضلاً عن احتمالية تخوف "فتح" من حكم الإخوان المسلمين في "مصر"، باعتبارهم حلفاء "حماس". إلى جانب ذلك، فلا تزال حالة الانقسام والخلاف موجودة بين الطرفين، وبخاصة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المقاومة وتشكيلاتها العسكريّة. أما السيناريو الثاني، فيتلخص في التوجه نحو تطبيق اتفاق "القاهرة" و"إعلان الدوحة" بشكل متزامن، من خلال تشكيل الحكومة وتسجيل الناخبين في قطاع "غزة"، والاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات، وإعمار قطاع "غزة" وفك الحصار عنه. ويعزز من حدوث هذا السيناريو حرص "مصر"، الدولة الراعية للحوار، على إنجاز تقدم في ملف المصالحة لأسباب تتعلق بأمنها القومي ودورها الراهن والمستقبلي، فضلاً عن حرص كلا الحركتين على تحقيق المصالحة، ف "حماس" تتمنى الاعتراف بها دولياً وشرعياً، والرئيس "أبو مازن" يريد المصالحة لاستمرار قيادته للشعب الفلسطيني ودعم خطه السياسي، خصوصًا بعد اعتدال "حماس" بموافقتها على إقامة الدولة الفلسطينيّة. أما السيناريو الثالث، يفترض نجاح الحركتين في تحقيق مصالحة جزئية تتمثل في إنجاز الانتخابات، والفشل في تحقيق إنجازات تذكر في ملفات أخرى، مثل الاتفاق حول إعادة بناء وتوحيد وتشكيل الأجهزة الأمنيّة والوزارات والمؤسسات والقضاء والنقابات، وهو ما يجعل كل الإنجازات التي يمكن أن تتحقق معرضة للانهيار، حينما تفشل الحركتان في التوافق حول تلك القضايا، وتعود إلى نقطة الصفر من جديد. فهل تتفادى الحركتان تلك الملفات، وتحرص على التعاون من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكافة الطرق، أم ستغرق وتستمر في دوامة الخلافات والانقسامات، لا سيما بعد أن باتت المصالحة الفلسطينية قضية حياة أو موت لا مكان للعبث بها؟ ولذلك تأمل القيادات السياسية في العديد من الدول العربية، بأن تأخذ محاولات المصالحة مسار الجد هذه المرة، من أجل تحقيق آمال الفلسطينيين التي طالت أكثر مما ينبغي، وتحقيق الوحدة الوطنية التي تتمكن من مواجهة العدوان الإسرائيلي. باحث سياسي بمركز الدراسات والبحوث