- الأمير عزيز حسن أول من أدخل السيارات إلى مصر - الأسوانى يشرح نفسية المستبد و المستبد به - فكرة " الرئيس الأب " و قبول الذل مقابل الأمان - خاتم الاذعان لا يمحى.. و من تعود الظلم لا يفهم العدل - الرواية تحذر عندما تنقطع السبل السلمية .. فالعنف هو القادم " فى عالم خلفى يقبع فى الظل منسيا خلف أضواء نادى السيارات المبهرة ، صندوق دنيا عملاق " و بهذة الكلمات ندخل لعالم " نادى السيارات " رواية الأديب الكبير علاء الأسوانى التى طال انتظارها ، و رغم وقوع أحداث الرواية فى زمن الأربعينات ، و لكنها تطرح تساؤلات مازالت تحيرنا إلى الآن . هل تعتقد أن المصريين قادرون على حكم أنفسهم ؟ إن كان عليهم الاختيار بين الأمان أم الاستبداد فماذا سيكون الاختيار ؟ و إن فشلت الحلول السلمية مع ازدياد الطغيان ، فهل يكون العنف هو المخرج ؟ والحق أن رواية علاء الأسواني الجديدة توحي لقارئها بأن النادي ما هو إلا صورة مصغرة من مصر الثورة . البداية .. كالعادة نجد المكان بطل أساسى فى رواية الأسوانى تنسج فيه التفاصيل و تتشابك سويا لتصنع رواية لها سحرها و طبيعتها الخاصة . فاستعرض الأسوانى من خلالها قصة " أول سيارة فى العالم " و صانعها " كارل بينز " الذى هوجم بشدة و تعرض للسخرية ، و قيل عنه مشعوذ باع روحه للشيطان ، لأنه أراد استبدال العربة التى يجرها الحصان ، بعربة تسير بالمحرك ! و حكى كيف أن زوجته وقفت بجواره و قطعت رحلة المائة كيلو لتثبت نجاح زوجها ، و تخرجه من إحباطه ، و بذلك كانت أول من قاد السيارة فى التاريخ ، و من هنا بدأ خط إنتاج السيارة بألمانيا و انتقل بعدها إلى باقى العالم . كانت هذة البداية التاريخية هى فاتحة روايتنا ، فدخلت السيارة لمصر لأول مرة عام 1890 على يد الأمير عزيز حسن حفيد الخديوى إسماعيل ، ثم افتتح " نادى السيارات " عام 1924 . و داخل عالم " نادى السيارات " نسج الأسوانى خطوط روايته ، بين مجتمع الأعضاء و مجتمع الخدم ، و صراع الكرامة مقابل الذل . مجتمع أعضاء نادي السيارات من الأجانب ويمنع دخوله المصريين إلا بموافقة عضوين من مجلس الإدارة ، و الخدم المصريين فيه لا يحصلون على معاش ، فهذا يقتصر على الأجانب فقط ، أما المصريين كما يرى مدير النادى الانجليزى " جيمس رايت " ليس لهم حقوق ، و يراهم شعب عشوائى و كسول ، لا يعمل سوى رغبة فى الثواب أو خوفا من العقاب . الكوو يجيد الأسوانى رسم الشخصيات بأدق تفاصيلها ، فتجد أنك تغوص فى أعماق كل شخصية ، و على الرغم من ازدحام الرواية بالتفاصيل ، و لكن فصول النهاية انتهت على عجل .. لتترك القارئ مع العديد من التساؤلات . و طاغيتنا هنا شخصية فريدة أجاد الأسوانى رسمها ، ليشرح لنا بمهارة نفسية المستبد و المستبد به من خلال " الكوو " و معناها باللغة النوبية " القائد أو الكبير " لكنه فى نادى السيارات يستدعى معان أكبر ، وظيفته الأصلية شماشرجى الملك ، مسئول الملابس الذى يساعد الملك على ارتداء ملابسه ، له صفتان خادم و سيد . فهو خادم للملك و لكل أجنبى ، فى حين أنه طاغية على كل الخدم ، و كان الكوو يتولى شئون الخدم و لكن فى ذات الوقت يستبد بهم ، هكذا حكم الخدم على مدى عشرين عاما بقبضة فولاذية و سيطرة مطلقة ، و فى عرف الكوو التعاطف تضامن و التضامن خطوة نحو التمرد . و نجد " خاتم الإذعان " قد انطبع علي الخدم من أثر الخدمة فلا سبيل لمحوه أبدا مهما فعلوا ، فعلى " مقهى الفردوس " الذى عرف بعد ذلك بمقهى السفراجية ، يستمتع الخدم لتحولهم لزبائن ، و أن يعطوا الأوامر لآخرين ، كان بعضهم يتعامل مع جرسونات المقهى باحترام و بعضهم يتعسف و يوبخ ، فيظهر لنا مدى التشوه الحادث فى نفوسهم . و كان الخدم يقنعون أنفسهم أن الكوو شديد عليهم لمصلحتهم و أنه مثل والدهم ، كالصورة التى ترسم حاليا " الرئيس الأب " و لذلك فقبول المهانة من الأب لا يعنى هدر للكرامة ، هكذا يقنعون أنفسهم ، عقليتهم تعودت على النظام الموجود ، يائسون تماما من تحقق العدل . فى حين أن الكوو يرى أن من تعود الظلم لا يستطيع أن يفهم العدل ، و أن العدل يفسد الخدم ، و لكن خرج من بين الخدم من يقف فى وجه و هو " عبدون " الذى نادى بوقف الضرب ، و برغم استهزائهم منه ، لكنه كان يؤمن أن فى اتحادهم قوة . قبل الكوو إلغاء عقوبة الضرب ، و عاش الخدم تجربة فريدة دون مهانة ، فأجادوا فى عملهم ، و تخلصوا من الإذعان ، و لكن الكوو استغل أول فرصة و سحب أمامها الأمان بسحب البقشيش الذين يصرفون منه على بيوتهم . انقلب الخدم و طالب كثيرون بعودة الضرب و لا ينقطع البقشيش ، فمن أجل الامان و لقمة العيش كانوا على استعداد لتقبل الظلم ،" يفكرنا هذا المشهد بمن يقولون فين أيامك يا مبارك " مفضلين الاستبداد مقابل الأمان و لقمة العيش . و قال الخدم " كرامة ايه و نيلة ايه عايزين نربى عيالنا النادى بقى فوضى " , و " الاهانة مهما ضايقتك هتنساها .. المهم تحافظ على اكل عيشك " ، و " الضرب لازم لنا احنا صنف نمرود لو الواحد مخافش من الضرب هيكسل و يبلطج و يبجح فى رئيسه !! " تشبيها لمن يروا الآن أن الشعب المصرى لا يسير سوى بالكورباج . فيمنحهم الكوو الأمان أمام الاستبداد ، و فى المقابل حرية مع انعدام الأمن ، و الاختيار هنا يقع على الخدم ، فهل يثوروا و يخلعوا الكوو أم سيستمروا و ينعموا بالأمان .. و هل يحولهم الشعور بالاضطهاد لاستخدام العنف .. عائلة همام فى المقابل هناك عائلة همام أعيان دارو رمز للكرم و الكرامة ، تغيرت بهم الحال ، و اضطر الأب للسفر بأسرته إلى القاهرة للعمل ، و قاده طريقه إلى نادى السيارات ، أحبه جميع الخدم هناك ، حتى كومنيوس مسئول المخزن اليونانى ، و لكن الكوو لم يرتح له لأنه لم يمتلك صفة الخادم الحقيقى من الاستمتاع بالطاعة و الاعتزاز بالخضوع . كان الخدم يلجئون إلى عزيز همام ليحل مشاكلهم و يقضى بينهم بالعدل ، كان بالنسبة اليهم سلطة عادلة محبة بلا بطش و لا ترويع . و رغم أن الخدم كانوا يرون أن " من يخطئ يعاقب حتى لو كان زميلا عاشروه سنينا ، فلن يتأثروا بآلامه أو مهانته لأن ذنبه قد جرده من الحقوق " ، و لكن موت عزيز قهرا من ضرب الكوو أثر فيهم .. و كان كجرس الانذار الذى انطلق فى البدء على استحياء ثم أخذ يدوى عاليا . و يصف الأسوانى زوجة عزيز " أم سعيد " بأنها أم و نموذج للمرأة الصعيدية الأصيلة ، لا تفارق زوجها و لا تتخلى عنه أبدا ،و أن الأم تحب أولادها بلا شروط ، مهما أخطئوا فى حقها تظل تحبهم . فتشعر مع كلماته أن أم سعيد هى رمز لمصر ، و أبناءها يمثلون مختلف فئات الشعب المصرى ، "كامل" الشاب الثورى ، و "سعيد" الأنانى لا يهمه سوى جمع الأموال حتى لو على حساب أهله ، و "محمود" البسيط الفهم يسير وراء الآخرين بسهولة ، و "صالحة" مثال البنت المصرية . قلب النظام عن النضال ضد الملك الفاسد الذى يسير خلف نزواته ، تجمع الوفديين و الشيوعيين ، و على رأسهم الأمير شامل ابن عم الملك رئيس المجموعة ليناضلوا ضد الملك و الاستعمار ، و رؤية الملك و حاشيته لهم على أنهم مجرد مخربون يريدون قلب نظام الحكم . توحدت مختلف الفصائل على مطلب واحد ، و تأكدوا أن بعد ان يتحقق الاستقلال سيختلفون من جديد حول تصورهم فى بناء الدولة ، و هذا ما نعانيه حاليا . و يصف الأسوانى الأخوان فى روايته بالانتهازيين بقوله : الحرب ضد النقابات المستقلة يشترك فيها القصر و الانجليز و احزاب الاقلية الرأسمالية و الأخوان المسلمون المعرفون بانتهازيتهم . و يقول الأسوانى على لسان أبطاله أن المواقف لا تتخذ حسب المعارضين و المؤيدين ، و أن الاختلاف فى الرأى يساعدنا على اتخاذ القرار الصحيح ، و يرى أن التخلص من كل انتماء ما عدا احساسك بالإنسانية سيساعدك على اتخاذ الموقف الصحيح ، و يتسائل كم رجلا يستطيع أن يساند الحق و لو أضر بمصالحه ؟ و أن الثورة يجب ان تؤدى لتغيير كامل و هدم للنظام القديم كاملا حتى نستطيع بناء مصر التى نريدها ، قائلا " ليس فى مصلحتنا ان ندخل فى معارك فرعية " ، و أن تلاشى حاجز الخوف فلا تراجع . و الرواية تحمل تحذيرا ضمنيا أنه عندما تنعدم قنوات التفاهم و التفاوض و الحلول السلمية مع الطاغية ..فالعنف سيكون أبلغ رد ، و يقول الأسوانى : التاريخ يعلمنا ان اقوى الامبراطوريات هزمتها شعوب عزلاء ، و أن إرادة الشعب لا تقهر . و يظل أجمل شئ في مصر كما تقول الرواية هى روحها والروح غير قابلة للتعريف .