أثار صعود التيار الإسلامي الذي تلازم مع موجة الربيع العربي العديد من التساؤلات المهمة عن علاقة تلك التيارات بمجالات كثيرة، على رأسها الجانب الاقتصادي وتحديداً البنوك، الأمر الذي طرح العديد من الأسئلة حول ملامح مستقبل العمل المصرفي في مصر، ومدى التوجه نحو البنوك الإسلامية بعد وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وهل تتمكن الجماعة من المواءمة بين متطلبات الاقتصاد العالمي والحفاظ على الاقتصاد المصري وتنميته من خلال رؤيتها الإسلامية؟ يأتي ذلك على خلفية النتائج والتداعيات التي خلّفتها الأزمة المالية العالمية منذ اندلاعها في صيف 2008، وبدء العالم في البحث عن أنظمة جديدة في مجال الوساطة المالية بعد أن أثبتت الأنظمة الرأسمالية العالمية فشلها، خاصة وأن الأزمة كانت تتعلق بالتمويل في المقام الأول.
وعليه اكتسب موضوع الصيرفة الإسلامية الاعتراف الدولي النسبي بالمقارنة بالصناعة المصرفية التقليدية، ويشهد العالم اليوم تحولاً نوعياً لصالح البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، في ضوء استمرار فشل مشروع التمويل التقليدي خاصة في البلاد الأوروبية وأمريكا تربة النظام الرأسمالي.
ضرورة بالغة وفي ضوء الحقيقة القائلة إن المستقبل للبنوك الإسلامية؛ لأنها تتعامل وفقاً لفكرة الشراكة الاستثمارية، يستطيع هذا النظام المالي الجديد تلبية احتياجات التنمية المستدامة عن طريق إنشاء وتمويل مشروعات إنمائية ذات طابع اجتماعي وإنساني.
وأشار الخبير المصرفي "د.سلامة الخولي" إلى أن هناك مجموعة من العوامل التي ساعدت على انتشار البنوك الإسلامية في مصر، من ضمنها رغبة العملاء أنفسهم في البحث عن وسائل تتطابق مع أحكام الشريعة الإسلامية من باب اتقاء الشبهات.
وفي هذا السياق، توقعت الخبيرة المصرفية "بسنت فهمي"، المستشار السابق لبنك البركة المصرفي، استحواذ التعاملات الإسلامية في مصر خلال الخمس سنوات المقبلة على 35 في المائة من إجمالي تعاملات السوق، وعززت رؤيتها تلك بدخول بنكين خليجيين (بنك قطر الوطني وبنك الإماراتدبي الوطني) إلى السوق المصرية، مؤكدة أن تعاملات البنكين ستعزز من نشاط التعاملات الإسلامية وسترفعها، لما يتمتعان به من تجارب جيدة في تلك التعاملات.
وقال الدكتور محمد البلتاجي، رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، إن الصيرفة الإسلامية في مصر نجحت في تلبية جانب من احتياجات العملاء داخل السوق المصرفية، لكنها لم تحقق كامل أهدافها، مشيراً إلى أن عدد البنوك الإسلامية في مصر وصل إلى 3 بنوك وهي: «البركة»، «مصرف أبو ظبي»، «فيصل» إضافة إلى 11 فرعاً من فروع البنوك التقليدية تقدم معاملات إسلامية بلغ حجمها 100 مليار جنيه بنسبة 7 في المائة من معاملات السوق البالغة 1.3 تريليون جنيه.
وأصبحت المصارف الإسلامية حقيقة واقعة، وامتد نشاطها إلى معظم أنحاء العالم، ولا يستطيع أحد أن يغفل دورها الفعال في الحياة الاقتصادية، خاصةً دورها التنموي المميز في استقطاب المدخرات وتوجيهها حسب طبيعة أعمال المصارف الإسلامية إلى الاستثمارات مباشرة سواء في التمويلات التجارية أو المشاريع التنموية، فضلاً عن دورها في المجال الاجتماعي والخدمات المصرفية الأخرى.
تحديات الواقع وعلى الرغم من اكتساب الصيرفة الإسلامية للصفة العالمية إلا أن مجال تنمية وتطوير هذه الصناعة الجديدة يواجه العديد من التحديات منها ما هو تقليدي كالذي تواجهه صناعة التمويل بشكل عام، بالإضافة إلى تحديات من نوع خاص على عدة مستويات تشريعية واقتصادية وتشغيلية وأخرى إدارية.
فمن الناحية القانونية تواجه تحديات متعلقة بغياب دور هيئة الرقابة الشرعية التابعة للبنك المركزي في تنظيم نظام الصرافة الإسلامية ليفتح الباب أمام كل بنك لتشكيل هيئة شرعية خاصة به مما يخلق تناقض الفتاوى لدى هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، بجانب عدم اعتراف المصارف المركزية بتلك الإسلامية في أغلب الدول التي تعمل في نطاقها؛ لأن معظم قوانين التجارة والمصارف والشركات وُضِعَت في البلدان العربية والإسلامية وفق النمط المصرفي التقليدي وتحوي أحكاماً لا تناسب أنشطة العمل الإسلامي.
ومن الناحية الاقتصادية، تتعلق التحديات بمنع المؤسسات المالية والمصرفية من ممارسة أعمال التجارة، وتملك المعدات والعقارات واستئجارها وتأجيرها مع أن تلك الأعمال من صميم أنشطتها، فضلاً عن ندرة الاستثمارات طويلة الأجل والصغر النسبي للبنوك الإسلامية، وفرض الضرائب المرتفعة على أرباحها وعوائدها، الأمر الذي يؤثر سلباً على نشاطها في الوقت الذي تعفى فيه رساميل وفوائد البنوك التقليدية.
كما توجد تحديات تواجه المصارف الإسلامية من النواحي التشغيلية من خلال إلزامها بضرورة الاحتفاظ بنسبة من ودائعها لدى المصارف المركزية التي تقوم بدورها بإقراضها بفائدة وهو ما لا يتفق مع منهجها، وعلى سبيل المثال في سوريا يطلب المصرف المركزي نسبة 10 % من أموال المصارف الخاصة لتكون لدى المصرف المركزي".
ومن النواحي الإدارية، تفتقر إلى التنظيمات الخاصة التي تحدد إجراءات التأسيس، وقواعد المراقبة والتفتيش، وسقوف الائتمان، ومشاكل نسب الاحتياطيات والسيولة، والتنسيق فيما بين الإدارات وفيما بين المصارف الإسلامية الأخرى: الأمر الذي يتطلب موارد بشرية ذات كفاءة عالية تستطيع تطوير وابتكار أدوات استثمارية جديدة ومتنوعة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
كما تشير العديد من الدراسات إلى أن هناك نقص في الدراسات العملية والنظرية، بالإضافة إلى غياب الكوادر البشرية في مجال الصرافة الإسلامية، وفشل البنوك الإسلامية في طرح أوعية إدخارية ومنتجات مصرفية تنافس ما تنتجه البنوك التقليدية، فضلاً عن قيام البنوك التقليدية بفتح فروع إسلامية لها تطبق نظام الربح الإسلامي من الظاهر ولكن ليس له علاقة بالواقع مما قلل من فرص تلك المصارف.
جدل الصكوك ومن الأدوات المهمة التي تمتلكها الصيرفة الإسلامية هي الصكوك الإسلامية التي لم يصدر تشريعها حتى الآن، فهي لا زالت تلقى جدلاً واسعاً في مصر بين المؤسسة الدينية الرسمية وبين بعض قوى الإسلام السياسي.
فتعددت الآراء حول مدى جدوى مشروع الصكوك الإسلامية، ففي الوقت الذي ينتقدها البعض، يرى فريق بأنها من المشروعات التي تتفق مع النموذج الإسلامي، ويمكن أن تساهم في حل أزمات كثيرة في الدولة، ويرون بأن مميزاتها تتمثل في تحسين القدرة الائتمانية والهيكل التمويلي للمؤسسات المُصدرة للصكوك؛ لأنها تتطلب التصنيف الائتماني للمحفظة بصورة مستقلة عن المؤسسة ذاتها، ومن ثم يكون تصنيفها الائتماني مرتفعاً، كما أنها تلبي احتياجات الدولة في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنموية بدلاً من الاعتماد على سندات الخزينة والدين العام، وتساعد في تحسين ربحية المؤسسات المالية والشركات ومراكزها المالية.
وعلى الرغم من تلك المميزات للصكوك الإسلامية، غير أن البعض يرى بأن بها سلبيات، تتمثل في المخاطر الكلية الناتجة عن عدم وجود سوق ثانوية، وهو ما يجعل تداول هذه الصكوك بين مجموعة محدودة من المؤسسات المالية وبعض الشركات والأفراد.
خريطة المستقبل وبعد أن أصبح الاقتصاد العالمي أكثر تداخلاً بشكل لا يمكن معه عزل دولة عن بقية العالم، وأصبح أيضاً على دراية بأن هناك نظاماً مالياً جديداً، تلوح الفرصة أمام الصيرفة الإسلامية ليتم التحول من النظام التقليدي إلى الإسلامي.
وفي هذه الأثناء يؤكد خبراء التمويل والاقتصاد، على أن مستقبل البنوك الإسلامية في مصر والعالم سوف يزدهر في ظل قلة عددها الحالي، ومن المتوقع أن تسيطر على ما يقرب من 40 % من إجمالي الودائع، في ظل اتجاه معظم البنوك العالمية إلى تأسيس بنوك إسلامية لامتصاص السيولة في دول الخليج التي تبحث عن مصادر للتمويل الإسلامي.
وفي ضوء هذه التكهنات حول قدرة نظام الصيرفة الإسلامية على انتشال العالم من أزمات مالية جديدة، يثور التساؤل حول مدى نجاحه في تحقيق الأمان المصرفي المصري خاصة مع التدهور الاقتصادي وتراجع الاحتياطي النقدي والجدل التشريعي الواسع حول أدوات هذا النظام من الصكوك الإسلامية.